عندما يتحول الجاسوس إلى شوكة في خاصرة حكومته!

الجواسيس سلاح مهم لحكومات بلدانهم، فهم يجمعون لها المعلومات التي يمكنها في ضوئها أن ترسم سياساتها، الداخلية والخارجية، وتدافع عن مصالحها، وأمن مواطنيها. لكن هؤلاء يمكن أيضاً أن يكونوا أحياناً مصدر صداع لا يُحتمل للدول نفسها التي وظفتهم … إنهم الـ “ويسل بلور” أو الجواسيس الذين يفضحون ما تريد حكومات بلدانهم أن تبقيه سرياً بينما هم يعتبرون، في المقابل، أن من حق الرأي العام أن يعرف حقيقة ما يتم إخفاؤه عنهم!

كانت العاصمة البريطانية الجمعة على موعد مع أربعة من هؤلاء الجواسيس الذين اشتهروا بفضحهم أسراراً حاولت الحكومتان الأميركية والبريطانية إخفاءها عن مواطنيهم.

العميلة السابقة لمكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي (أف بي آي) كولين راولي كانت واحدة من هؤلاء الجواسيس الذين جاؤوا إلى لندن للحديث عن تجربتهم مع حكوماتهم وللترويج لأهمية تشجيع الموظفين الحكوميين – مثل إدوارد سنودن العميل الأميركي السابق اللاجئ في موسكو – على فضح ما يرونه تصرفاً غير مشروع تقوم به أجهزة استخبارات بلدهم. العميلة راولي – وهي مدعية سابقة كانت تدرّس القانون لعملاء المباحث الأميركية – لديها تجربة عن قرب مع محاولة حكومة بلدها إخفاء تقصيرها في تفادي هجمات تنظيم القاعدة في نيويورك وواشنطن في 11 أيلول 2001.

فقد كانت من الذين شاركوا في التحقيق في ملف زكريا موسوي الفرنسي المغربي الأصل الذي أرسله تنظيم القاعدة لتعلم الطيران في الولايات المتحدة ووشى به أحد مدربيه في مدرسة الطيران عام 2001 بعدما لاحظ ان “تلميذه” ليس مهتماً بتعلم الهبوط بالطائرة بسلام بل فقط بالتحكم بها في الجو. وهي قالت إن المخابرات الأميركية كانت تعرف بالتأكيد من ملف موسوي ومن تنصتها على رسائل لأعضاء في تنظيم القاعدة (ومن مصادر أخرى) أن هذا التنظيم يدرب أفراده على تعلم الطيران، بل أن مدير الـ “أف بي آي” نفسه (جورج تينيت) كان على علم بهذا الخطر المتأتي من هوس القاعدة بالطائرات بعدما تلقى شرحاً مفصلاً معداً على برنامج “باور بوينت”.

وبحكم معرفتها بكل هذه الأمور، غضبت راولي من إصرار الحكومة الأميركية على القول إنها لم تكن على علم مسبق بالهجمات، وكشفت عرض الـ “باور بوينت” لتينيت، وهو ما تبين صحته لاحقاً وأقرت به أجهزة التحقيق الأميركية في تداعيات “هجمات ايلول”.

وقالت راولي في هذا الإطار إن الحكومة الأميركية كانت تملك كل المعلومات المطلوبة عن تخطيط القاعدة لهجمات 11 أيلول “لكن الشيء الوحيد الذي لم تعرفه كان موعد الهجوم”.

بدورها تحدثت كاثرين غن، الموظفة السابقة في وكالة التنصت الحكومية البريطانية (جي سي أتش كيو)، عن تجربتها مع حكومة توني بلير خلال الاستعدادات لحرب إطاحة صدام حسين عام 2003. كانت غن آنذاك تعمل محللة للتقارير التي يتم التنصت عليها بلغة الماندرين (الصينية)، لكنها شعرت بأن من واجبها فضح سر من أسرار الوكالة الأمنية التي تعمل لديها.

خلال عملها تلقت غن في بريدها الالكتروني تعميماً هو كناية عن مذكرة بعثت بها وكالة الأمن القومي الأميركي إلى شقيقتها البريطانية “جي سي أتش كيو” تطلب فيها جمع “كل ما يمكن من معلومات” عن ديبلوماسيي أنغولا والكاميرون وتشيلي وبلغاريا وغينيا لدى الأمم المتحدة بهدف ضمان أن تصب أصواتهم في مجلس الأمن – أعضاء غير دائمين آنذاك – لمصلحة مشروع قرار يدفع به الأميركيون والبريطانيون لنيل الموافقة على شن حرب العراق. اعتبرت غن الطلب الأميركي “أمراً” للبريطانيين يمثّل مخالفة لقواعد العمل المطلوبة (جمع معلومات عن ديبلوماسيين بهدف ابتزازهم لضمان تصويتهم على قرار شن حرب)، وذهبت إلى صحيفة “ذي أوبزرفر” اليسارية التي وافقت على نشر الوثيقة مثيرة ضجة عالمية، واحتجاجات من دول في أميركا اللاتينية… لكن كل ذلك لم يمنع الغزو عام 2003.

وعندما فتحت وكالة التنصت الحكومية البريطانية تحقيقاً في تسريب الوثيقة، أقرت غن بأنها من فعل ذلك، فخسرت عملها وكادت أن تدخل السجن.

لم يكن ماثيو هو جاسوساً، بل خدم في الجيش الأميركي خلال حرب العراق، ثم خدم في سفارة بلده في بغداد، قبل أن يُنقل إلى كابول حيث تولى إدارة هيئة تقدم النصح للحكومة الأميركية في شأن سياستها الأفغانية. لكنه بعد خمسة أشهر فقط من توليه منصبه في أفغانستان، عام 2009، قدم استقالته، متهماً حكومته بأنها تصر على تقديم الحرب الدائرة في هذا البلد على أنها “حرب ضد الإرهاب” بينما هي تعرف من تقارير الاستخبارات التي تتلقاها أن الذين يقاتلونها (البشتون من حركة طالبان) لديهم أهداف وطنية وليسوا من القاعدة.

كذلك تحدث في الندوة الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي كيرك وايبي الذي اتهم هذه الوكالة (“أن آس أي”) وشقيقتها البريطانية (“جي سي أتش كيو”) بالقيام بتصرفات غير مشروعة من خلال التنصت على اتصالات المواطنين العاديين. وقال إن ليس هناك ما يبرر جمع هذا الكم الهائل من المعلومات عن المواطنين، لافتاً إلى أن ما يحصل يتم على أساس “حفظ” المعلومات التي يتبادلها الناس بين بعضهم البعض ثم استخراج المواد المحفوظة عندما يُراد استهداف شخص ما “وهو ما يعني أن كل الناس متهمون حتى تثبت براءتهم وليسوا أبرياء حتى تثبت إدانتهم”.

بعد 26 عاماً من الخدمة، استقال وايبي في نهاية العام 2001 من وكالة التنصت الأميركية بعدما صارت تطبق برنامجاً لتحليل المعلومات (ثن ثريد) على اتصالات المواطنين الأميركيين، على رغم أن هذا البرنامج كان معروضاً عليها من قبل ولم تستخدمه على رغم أن مؤيديه يقولون إنه لو طُبّق قبل 11 ايلول.

 

السابق
مصادر فرنسية: الولايات المتحدة على وشك اعادة فتح سفارتها في دمشق
التالي
حزب الله: ننتظر آلية الحوار التي يعمل الحلفاء على انضاجها