الجميّل: الكلام عن وجوب اتفاق المسيحيين على مرشح هرطقة

اعلن رئيس حزب الكتائب الرئيس امين الجميل ان لبنان “أمام وضع خطير جدا ولا سيما لجهة مسؤولية بعض اللبنانيين عن تعطيل الاستحقاق الرئاسي”، معتبرا انه “أيا تكن المعطيات الخارجية ضاغطة كما يدعي البعض، يبقى على اللبنانيين ان يتحملوا مسؤولياتهم، ولا يجوز في اي شكل وتحت اي ظرف ان يكون هناك عنصر لبناني يعطل مسيرة وطنية ودستورية وقانونية وسياسية ومؤسساتية كما نرى اليوم، فهذه خطيئة لا تغتفر”.

واكد الجميل في حديث الى صحيفة “الراي” الكويتية ينشر غدا الخميس “ان الأخطار والأعباء والأزمات تتراكم وتتوالد، وفي الوقت الذي نحن في أمس الحاجة الى سلطة لبنانية مكتملة وتحظى بمظلة وطنية وغطاء شعبي، نجد ان هناك ضربا متعمدا للمؤسسات عبر تعطيل الاستحقاق الرئاسي من خلال تعطيل نصاب جلسات الانتخاب”.

وقال “ان انعكاس تعطيل الاستحقاق الرئاسي خطير على اربعة مستويات: “الاول الشراكة الوطنية اذ هناك مؤسسة مغيبة وهي جزء أساسي من التركيبة الميثاقية في البلد. والثاني فاعلية المؤسسات الدستورية بدليل ما نراه منذ حصول الشغور الرئاسي من مجلس نواب معطل الى حد بعيد وعمل حكومي مشوب بألف علة وعلة وسط بدعة اتخاذ القرارات بالإجماع بما يعني شبه تعطيل لآلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء. والثالث هو المستوى الامني رغم اننا تمكنا على الأقل من تحصين الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي ومنحهما المظلة الوطنية للقيام بدورهما، الا ان هذا لا يكفي فهو أمر آني، واذا لم يترافق الدعم الوطني مع عمل مؤسساتي محصن ويسير وفق الأصول الدستورية تبقى هذه التدابير الامنية هشة. اما المستوى الرابع فهو الاقتصادي والاجتماعي، وهنا حدث ولا حرج، من دون إغفال العنصر الضاغط الكبير الذي يشكله نزوح ما يناهز مليون ونصف مليون سوري الى لبنان، اي ما يوازي ثلث عدد سكان لبنان، وهذا يزيد من الأعباء ويكبد البلد خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة”.

واذ تطرق الى رغبة التعطيل في الاستحقاق الرئاسي بجانبيها الداخلي والخارجي، قال: “أنا أنظر الى هذا التعطيل، ولا سيما في شقه الداخلي، كون أدوات التعطيل داخلية لبنانية وإن كانت هناك بعض التأثيرات الخارجية… وأبسط القواعد في الوطنية وفي الضمير هي إعطاء الاولوية لانتخاب رئيس للجمهورية. فتعطيل النصاب في البرلمان أمر يحمل المسؤولية للقادة الذين يعطلون هذا النصاب وتاليا يمنعون انتخاب الرئيس (…)”.

وردا على سؤال حول وجود من يعتقدون ان مشكلة الرئاسة مسيحية، فعندما يتفق المسيحيون على مرشح ما يصبح في الإمكان انتخاب رئيس جديد للجمهورية، “هذا كلام هرطقة ثم هرطقة ثم هرطقة. لانه منذ استقلال لبنان العام 1943 لم يلتق المسيحيون على مرشح واحد. وميزة لبنان ان هناك سباقا ديموقراطيا في موضوع رئاسة الجمهورية. (…) وتاليا الكلام عن اتفاق مسبق على الرئيس يتناقض مع كل مستلزمات الديموقراطية والنظام البرلماني بصورة عامة، وعلينا تحمل مسؤولياتنا في النزول الى البرلمان وانتخاب رئيس عملا بالأصول البرلمانية والقواعد الديموقراطية. والمرشح الذي يحظى بتأييد واسع لكنه لا يضمن فوزه يمكن ان يتفاهم مع كتل اخرى ويتنازل لمرشح آخر لضمان وصوله، اما ان “نتشبص” ونستغل مواد دستورية – صيغت اساسا لحماية الدستور والمؤسسات – من اجل تعطيل الدستور والمؤسسات والمسار البرلماني الديموقراطي فهذا امر خطير ويتنافى مع ابسط قواعد النظام الديموقراطي – البرلماني”.

وحين سئل ان العماد عون يحاول في ضوء التركيبة اللبنانية وميثاقيتها تكريس معادلة ان يكون الممثل الاقوى عند المسيحيين رئيسا للجمهورية، ولماذا لا تسير “14 آذار” بالعماد عون كونه الأقوى مسيحيا؟ اجاب: “لا علاقة لهذا المنطق بالمفهوم الديموقراطي، ومن يقرر من هو الاقوى هو البرلمان والقوى السياسية المتمثلة في مجلس النواب والتي انتخب ممثلوها في شكل شرعي وديموقراطي للنيابة عن الشعب، وتاليا علينا ان نحترم الدستور لا ان نعمل على تفسيره استنادا الى طموحات آنية او غرائز او اي شيء آخر، واذا كان ثمة علة في الدستور فلنعدله انما في ظل ظرف طبيعي وليس اثناء المعركة الانتخابية”.

وعن اقتراح العماد ميشال عون تعديل الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب قال الجميل: “كنت شخصيا تقدمت بمشروع يقوم على هذا التوجه في التسعينات لكن الظروف كانت مختلفة. واذا أردنا السير في هذا الاتجاه فهذا يعني ان علينا ان نعدل في النظام بأسره لان انتخاب الرئيس من الشعب يعني اننا ندفع في اتجاه نظام رئاسي. وأعتقد ان الظرف غير مؤات اليوم لمثل هذا الخيار لان البلاد لا تحتمل ذلك ولأن المشكلات لم تعد ذات طبيعة طائفية بل اتخذت ابعادا مذهبية ومتطرفة. وتاليا أجد انه من الضمير والوطنية والواقعية ان نسير في اقرب وقت بانتخاب رئيس لديه قاعدة شعبية وقادر على تحمل المسؤولية في هذا الظرف، والطائفة المارونية غنية بهكذا شخصيات يمكن التفاهم حول البعض منها لانتخاب احداها لرئاسة الجمهورية”.

وقيل له: وسط الانطباع بأنه لم يعد من حظوظ للمرشحيْن المعلنين الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون … هل تعتقد ان بإمكانك ان تحدث خرقا ما عبر تشكيل كتلة وازنة عابرة للاصطفاف القائم بين “8 و 14 آذار” لضمان انتخابك؟ فأجاب: “موضوع ترشيحي لا يعود لإرادتي فحسب او لقرار مني. اولا علينا ان نتفق على احترام اللعبة البرلمانية – الديموقراطية ولا نعمد الى التعطيل لمجرد ان حظوظنا معدومة، وثانيا على الكتل البرلمانية التفاهم في ما بينها على ترشيح من يجسد أفكار ومواقف تلك الكتل، وثالثا على المرشح ان يتمكن من الحصول على 50 في المئة زائد واحد من أعضاء مجلس النواب. وكل هذه المعطيات تحدد شخصية المرشح القادر على الفوز برئاسة الجمهورية”.

وهل يعتبر ان مرحلة مرشحي 8 و 14 آذار، اي عون جعجع، طويت؟ اجاب: “أظهرت التجربة ومعها واقع مجلس النواب، ان هناك استحالة لان يفوز احد المرشحيْن المذكوريْن بثقة الاكثرية البرلمانية، لذلك علينا ان نذهب الى خيار آخر”.

وحين سئل: هل تعتبر ان لديكم حظوظا اكثر في الرئاسة ام انكم ترون انكم جزء لا يتجزأ من 14 آذار وتاليا ينطبق عليكم ما ينطبق على الدكتور جعجع في هذا السياق؟ اجاب: “أعتقد ان العائق امام الدكتور جعجع او العماد عون شخصي أكثر منه سياسي اي انه لا يرتبط بانتمائهما الى 14 او 8 آذار بقدر ما ان العنصر الشخصي والتجارب والتاريخ هو الذي يشكل المانع أمامهما، وربما هناك شخصيات في 14 و 8 آذار مرموقة وجديرة بالاحترام، الا انها لظروف معينة لم تتقدم بترشحها”.

واذ رأى “ان الوقائع تدل على ان شيئا لم يتغير حتى الآن كي نتفاءل بحل قريب لانتخابات الرئاسة”، قال: “العماد عون ما زال على موقفه بإصرار وشراسة، والسيد حسن نصرالله أصر من جهته على ان العماد عون هو مرشح “حزب الله” بينما يعرف السيد حسن والجنرال عون ان هناك استحالة لانتخاب الاخير وهو ما يؤشر الى ان حل الازمة الرئاسية ليس قريبا. علما انني قبل فترة تحدثت عن “الغنج” السياسي الذي أعتبره قاتلا على صعيد المصلحة الوطنية”.

وعن موضوع التمديد للبرلمان، والانطباع بأن حزب الكتائب خرج من هذه المعركة خاسرا بالمعنى السياسي بعد فوزين: واحد للتيار الوطني الحر برفضه التمديد وذهابه حتى الطعن به، وثان لـ “القوات اللبنانية” ببروزها كقوة ضامنة للميثاقية وقوة توازن ضمن الساحة المسيحية مع “التيار الحر”، قال الرئيس الجميل: “نحن مرتاحون بالكامل لموقفنا من التمديد. ولا أوافق على هذا التقويم للربح والخسارة، وحتى اللحظة الاخيرة كان ثمة تأكيد من “القوات اللبنانية” ان الموافقة على التمديد امر غير منطقي وغير مقبول. وما الذي حصل في اللحظات الاخيرة؟ لست ادري. لكن نحن بقينا منسجمين مع انفسنا. ومن جهة اخرى، التمديد هو نتيجة المسار الخاطئ السائد في البلاد منذ فترة ونتيجة مجموعة هرطقات ادت الى اعتبار البعض ان ثمة ضرورة للتمديد لمجلس النواب. وتاليا الاجماع حول التمديد كان من شأنه ان يشكل موافقة على كل هذا المسار الخاطئ الذي بدأ مع التمديد الاول للبرلمان لـ 17 شهرا وصولا الى تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية ومجموعة من التدابير غير المنطقية التي اتخذت بشكل اعتباطي. ومن هنا لم يكن منطقيا ان يكون ثمة اجماع حول تمديد هو امتداد لمسار خاطئ. وأعتقد ان اي استطلاع رأي سيظهر بوضوح اشمئزاز الناس من هذا المسار ما يجعل اي موافقة عليه بمثابة تحدي لمشاعر الناس وحتى للمصلحة الوطنية ولا سيما اننا اجرينا انتخابات نيابية في ظروف اصعب من تلك التي نمر بها اليوم”.

وفي حين اعتبر “ان 14 آذار هي كونفيديرالية أحزاب وليست وحدة حزبية وهذا واقع، واتفاقنا هو على مبادئ وطنية محددة وليس على التفاصيل”، ذكر بانه “في محطات عدة كانت ثمة مقاربات متباعدة واحيانا متناقضة بيننا حيال بعض القضايا”، وقال: “مثلا عندما بدأ الشيخ سعد الحريري حوارا مع العماد عون لم نكن نحبذ هذا الحوار لعلمنا انه سيكون عقيما وتبين اننا كنا على حق. وفي موضوع هيئة الحوار التي دعا اليها الرئيس ميشال سليمان كنا ومن اول الطريق نشجع على هذا الحوار ووافقنا عليه منذ البداية، فيما كان “تيار المستقبل” يعارض، وكذلك الامر بالنسبة الى “القوات اللبنانية”، ثم اقتنع “المستقبل” وشارك في هذا الحوار وامتنعت “القوات”. وبكل تواضع اتضح تاليا ان “الكتائب” كانت على حق في ذاك الوقت وتبين اننا على حق أكثر لأن الحوار نتج عنه “إعلان بعبدا” الذي تتمسك به “القوات اللبنانية” نفسها وهو في اساس برامجها وخطابها الآن. وكذلك الامر في تشكيل الحكومة، اذ كان تيار “المستقبل” و”القوات” يعارضان هكذا حكومة ويطالبان بحكومة تكنوقراط في حين ان الكتائب قالت منذ البداية انه في ظل الوضع الراهن من الصعوبة بمكان ادارة البلد بحكومة تكنوقراط، وفي ما بعد عاد “المستقبل” ووافق على فكرتنا وتشكلت حكومة سياسية وتبين انها كان ضرورية لملء الفراغ الرئاسي”.

واضاف: “من هنا فان التمايز كان قائما في محطات عدة، وفي كل مرة، كان يتضح ان خيار الكتائب صائب وان الجميع عادوا واقتنعوا بمواقفنا لانها كانت تقوم على منطق الحق والمصلحة الوطنية”.

وسئل: كيف يمكن اليوم وصْف العلاقة مع “تيار المستقبل” ولا سيما ان البعض سأل هل تحالف الكتائب مع “المستقبل” هو على السراء والضراء ام انها مجرد علاقة لجني الارباح السياسية؟ فأجاب: “نحن آخر حزب يقوم سياسته على مبدأ الربح والخسارة. وعندما اتخذنا كل هذه المواقف فهي كانت مواقف صعبة جدا ومكلفة. ومن جهة اخرى هل سألنا “تيار المستقبل” مثلا رأينا عندما دخل في مفاوضات “السين – السين” والتي رأينا الى اين ادت؟ ومن كان على حق وكان يتمسك بمبادئ 14 آذار ورموزها؟ هل طلب رأينا عندما انطلقت المفاوضات مع العماد عون؟ والى اين ادت هذه المفاوضات؟”، مضيفا: “اؤكد ان ما يجمعنا مع “تيار المستقبل” وسائر الحلفاء في 14 آذار اكبر بكثير مما يفرقنا، اذ تربطنا المبادئ والدم والتضحية والرؤية للبنان”.

وعن حضور النائب سامي الجميل الاجتماع الذي ترأسه الرئيس نبيه بري للجنة درس قانون الانتخاب في حين ان لدى الكتائب موقفا مبدئيا برفض التشريع قبل انتخاب رئيس الجمهورية، اوضح انه “منذ البداية قلنا بوضوح ان الاولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية واننا لن نشارك في اي عمل تشريعي باستثناء ما يتعلق بانبثاق السلطة. وقانون الانتخاب هو اساس انبثاق السلطة، ومن هنا مشاركتنا في اللجنة المكلفة متابعة قانون الانتخاب”.

واضاف: “منذ فترة انطلقت بدعة “تشريع الضرورة” وكأنها “المن والسلوى” وخلاص البلد. ومنذ البداية قلنا ان تشريع الضرورة هو انتخاب رئيس للجمهورية وكل ما عدا ذلك في غير محله. وهنا أستحضر الى ماذا ادى تشريع الضرورة. القانون الوحيد الذي اقر وفق منطق تشريع الضرورة كان تعديل قانون السير. اي تمخض الجبل فولد فأرا. ما هذا المنطق والى اين يأخذون البلد؟ (…) ومن هنا يمكن القول انه جرى ادخال البلد في “هرطقة”. وذهلت حين تحدث بعض النواب، ومنهم حلفاء، عن مفهوم تشريع الضرورة وكأنه “اختراع البارود” ولاحقا تبين ان الضرورة هي تعديل قانون السير”.

وعن طلب العماد عون من الرئيس نبيه بري عقد جلسة للبرلمان لتفسير المادة 24 من الدستور المتعلقة بالمناصفة، وهو ما اتى في سياق الكلام عن التمثيل المسيحي وقانون الانتخاب والرئيس الاكثر تمثيلا للمسيحيين والرئيس القوي، قال الرئيس الجميل “التيار الوطني الحر” اختصاصه اختراع بدعة في كل مناسبة ليلهوا الناس بها وللتمويه وايجاد مبررات لتعطيل بعض المسارات والقرارات المهمة. وهنا مثلا أعود الى مسألة انتخاب الرئيس من الشعب. فبعدما تعطلت امكانية انتخاب العماد عون رئيسا وقطع الامل بذلك اخترع مسألة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. وفي كل مناسبة يخترعون قضايا من هذا النوع، واليوم يطرحون تفسير المادة 24. لا اريد الدخول في التفاصيل الا ان هذا المسار اذا جرى الاصرار عليه، فان من شأنه ان يكون مدمرا للميثاق الوطني والنظام اللبناني ولا سيما لجهة التوازنات بين مكونات المجتمع اللبناني، وان يعيد طرح ميزان المشاركة بين هذه المكونات وتاليا يؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها. ونحن في لبنان موزاييك دقيق ولا يمكن التلاعب به كل يوم، واجراء دراسة يومية عن هذه التوازنات وتقويمها، فهذا امر خطير”. واضاف: “عندما قال الشيخ سعد الحريري “اوقفنا العد” هو كان يعلم تماما ماذا يقول، وانا اقدر هذا الكلام لانه يؤكد مبدأ الشراكة بمعزل عن الارقام”.

السابق
الفراغ للمرة الـ15 عشية ذكرى الاستقلال
التالي
قضية العسكريين: بدايات إيجابية من سوريا