هاني فحص وعزلة الثنائي الشيعي

يوم الجمعة الماضي، أقامت لجنة إحياء ذكرى العلامة الراحل السيّد هاني فحص، احتفالاً تكريمياً له في قصر الأونيسكو. كان الاحتفال صورة لمن في أربعينه اجتمع كُثر من خارج قالبهم الطائفي أو المذهبي، أو انتمائهم الحزبي وما إلى هنالك من تصنيفات تضج بها المجتمعات اللبنانية.

حضر في الأونيسكو التنوّع. جمعهم السيّد بعد رحيله كما كان يجمعهم قبل ذلك اليوم الحزين. فهو المسكون بالحب، استطاع أن يجد لقلّة من خارج أكثريات تهوى العبث الطائفي والمذهبي، مساحة مُشتركة، فيها الانتماء إلى الوطن، واحترام الإنسان، والاختلاف الذي يُغني والذي يجعل من الدولة طرحاً قابلاً للتطور، ويجعل من هذه الأقليّة تحلم، كما سيّد الحب، الحالم الأكبر في وطن يصغر شيئاً فشيئاً.

في المقابل، هناك صورة في الأونيسكو لم تشمل الثنائي الشيعي، وكأنّ ذلك الحديث في بعض زواريب وأحياء مناهضة لاختلاف السيّد هاني، لم يأت من عبث. الحديث، الذي ركز على موقع السيّد الذي لا يتفق مع مصلحة الطائفة، وبالطبع هذه المصلحة يُحددها حزب الله، من دون أن يلتفت إلى بعض العقل الذي أراد أن يزرعه السيّد لدى خصومه، لدى الحزب تحديداً.

غاب حزب الله ومعه حركة أمل عن الأونيسكو. اعتقدوا أنهم مُستمرون في العزل حتى بعد الممات، كنهج وحيد يُتقنه الثُنائي، وعلى الأرجح يريده حزب الله أكثر، لكل من يختلف معهما أو معه. لكن المقاطعة ليست قوّة للثنائي. بل هي أكثر من ضعف. القوي يحضر، طالما يعتقد أنّه هو الصح، ولا أحد يُنافسه على هذا الصح الذي ارتضاه لكل الناس، ومن لم يرض بحكم “الصح” فهو الخاسر. هذا الصح لا يُخطئ، لكنّه يخاف. غريب هذا الخوف وهذا التردد. بالأحرى، لا يبدو أن للثنائي قدرة على الحب. هيهات بينهما وبين الراحل.

يغيب الثُنائي الشيعي عن الأونيسكو. تحضر الكلمات الهادئة، الرصينة، التي لا تجتمع إلّا على الوحدة والتشارك. يغيب الثُنائي عن هذا المشهد، ومعه يفرض غياب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. ليس هناك من يُمثّل المجلس إذا لم يكن الثنائي راضياً عن المناسبة، وكان مقرراً أن يكون للمجلس كلمة خلال الاحتفال، لكنه لا يستطيع حضور احتفال في ذكرى أحد أعضائه، لا غرابة. مناسبة فيها هذا الحجم من التنوّع، بطبيعة الحال لا تصل عقلاً يريد إلغاء كُل شيء. أليس حزب الله من كان يريد إلغاء كتاب التاريخ، عبر حذف بعض الأحداث التي لا تنُاسب سياسته!

يغيب الثُنائي وتحضر إيران. تحضر الدولة التي يرتبط فيها حزب الله ارتباطاً وجودياً، أكثر بكثير من ذلك الذي ربط النائب ميشال عون نفسه عبره بالحزب. بديبلوماسيين ثلاثة، حضرت طهران لأنها تبدو الأقدر على القليل من البراغماتية، الأقدر على القليل من استذكار ما فعله السيّد لثورتها. تحضر هي، ويغيب حليفها الأكبر، وكأنه يريد العزلة وهي لا تكترث. أو، كأنها تعرف أصول اللعبة ولم تُرثها له. فيما غياب الحزب، يعكس قدرة السيّد على العزل لا العكس.

في التشييع، حضر الثُنائي لإثبات الوجود، وتركوا لجمهورهم أن يجلس في المنازل، يستمع إلى خطبة الجمعة التي سبقت مراسم الدفن، والتي جاد بها الشيخ في رثاء السيّد، من دون أن ينسى تمرير خطأ الراحل باختلاف، ليختم: “لكنّه عاد إلى جانب علمائنا ومشايخنا ورجالنا”. مع التشديد على لكنّه.

في كل الأحوال، الحضور في الأونيسكو كان صورة عن السيّد، عن قليل منه. غياب الثُنائي الشيعي ليس بعيداً عن هذه الصورة. هذا الثُنائي، لا تُناسبه هذه الصورة. رسم سيّد الحب إطاره، الذي من خلاله، من دون أن يفعل أو يتكلّم، استطاع أن يُشعر من يختلف معه، بمدى عجزه عن اللحاق به. هذا المُختلف، الذي يخسر حيث ربح العلامة الراحل.

في الأونيسكو، كان هاني فحص فوق قُدرة الثُنائي على احتماله، حتى بعد رحيله.
http://www.almodon.com/politics/c6a4ef98-37c1-4aab-8cbc-b00292f47ca6

السابق
الخازن : لملاحقة مرتكبي جريمة بتدعي ومحاسبتهم
التالي
البابا انتقد عنفا غير مقبول من جراء الهجوم على كنيس في القدس