السيد محسن الأمين الذي تجرأ وأفتى بحرمة جرح الرؤوس في عاشوراء

هاني فحص

سأتناول عاشوراء مرة أخرى، لأننا مضطرون لأن ننقّي ذاكرتنا. سأتحدث عن رجل دين، مصلح اجتماعي جنوبي، كان مرجعاً في الشام. وكان الشيعة قليلين، لا يتجاوزون الألفي شخص، إنما تحوّل مرجعاً للشام كلها، لسوريا، للسنّة والشيعة، والدروز والمسيحيين، والحيّ الذي سكنه مختلط بباب توما!
إنه السيد محسن الأمين الذي تجرأ وأفتى بحرمة جرح الرؤوس في عاشوراء! فقام عليه أهل المصالح وأهل المناصب وأهل استغلال الأديان في لبنان والعراق. كفّروه وأفتوا بفسقه وكتبوا الشعر ضده، وأصرّ واستمر. واللطيف أن جمهوراً كبيراً بقي يحترمه ويحبّه ويعمل برأيه. أذكره لهذا السبب، وفي عاشوراء، لجرأة المُصلح. إنما هناك مكان آخر للإصلاح.
منذ 1992 ذهبت إلى مغدوشة لزيارة صديق لي هو محام كاثوليكي. خرجت سيدة وقالت: “حنا مِشْ هَوْن”، واقتربَت من السيارة وفتحَت بابها ودعتني للزيارة قائلة: “لازم نقعد نحن وإياك”، وأردفت: “هلّق حنا بيجي”. وأرسلت من يبحث عن حنا ويقول له: “إنّ السنديانة هنا”.
وعندما صعدتُ معها سألها ابن حنا: “جدتي هذا كاهن”؟ فأجابته: “إنه أفضل من الكاهن”. وضحكت.
جلسنا وطالت الجلسة ريثما عاد الشباب. وأثناء الحديث، تطرقَت إلى مفاهيم قرآنية فوجدتُها واضحة في ذهنها. تناولت جملاً من نهج البلاغة وآيات من الإنجيل، فوجدتُ أن نهج البلاغة ليس غريباً عنها.
تحدثَت في لطف، بلهجة جنوبية، عامليّة، لبنانية. سألتها: “من أين لك هذا”؟ فأجابت: “والدي كان دركياً في تبنين، والسيد محسن الأمين في شقرا. وكلما كان موجوداً يذهب إليه، ويسمع عظة من عظاته، أو يحضر الصلاة. واكتشف كم كان مسيحيّو المنطقة يحبونه. كانوا يتقاضون عنده ويقبلون بقضائه. ينذرون ويفون نذوراتهم. وهو شاعر أديب مؤرخ لطيف.
وبينما كان عائداً من الشام إلى بيروت، توقفت السيارة في شتورا. تقدّم منه شاب وقال له: “مرحبا يا محترم. عِنّا عَرْقات خَرْج المونة”. فلم يغضب منه، بل ابتسم وقال له: “مَوَّنَا يا إبني”. هذا من كان في الشام يعلّم ويبني، والذي أسس أول جمعية نسائية في دمشق وكان له دور في الاستقلال.
ويخبر مؤسس الإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السبيعي أن رجلاً أتى إليه وقال له: “أريد التشيُّع”. فردّ قائلاً: “ما من داع”. فأصرّ. عندها طلب منه أن يشهد بأن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، ففعل. عندها أجابه: “لقد صرت شيعياً”. فتعجّب من ذلك، فقال له: “من أخبرك أن التشيع مختلف”؟
كم نحن بحاجة لاستعادة مثل هذا الرجل وتذكُّره ليسير أولادنا على خطاه.
كُثُر مثله. إذهبوا وانظروا إلى المطارنة والكهنة والمشايخ الذين تغلغلوا في قلوب الناس وعقولهم، وصنعوا لبنان في لحظات صعبة، لحظات فقر، لحظات اضطهاد.
نحن في حاجة إليهم الآن، أكثر مما نحن في حاجة إلى نماذج الطبقة السياسية التي، ويا للأسف، كما اكتشفتُ حديثاً ليس فيها أي مستقلّ.

• من كتاب “هاني فحص على مسؤوليتي” الصادر عن منشورات صوت لبنان.

السابق
إيران في سوريا: من حليف للنظام إلى سلطة احتلال
التالي
اعتصام في عين الحلوة إحتجاجاً على تقليص خدمات الاونروا