13 سيدة في تركيا: لمواجهة التشدّد الديني والعسكري

في زمن جز الرؤوس والتشدد الديني والتعصب المذهبي، يندر لقاء ناشطين من آسيا وأفريقيا من غير أن يحضر تنظيم “الدولة الاسلامية”، “داعش” سابقاً، أياً تكن جداول الأعمال. فكيف اذا اجتمعت نساء تحت عنوان مواجهة التطرف والعسكرة، وأتين من بلدان صار فيها التنظيم خطراً داهماً بعدما تهاوت الحدود أو تكاد تحت وطأة أخطبوط تتمدد ضرباته لامتلاكه السلاح والمال والموارد والاعلام والأرض.

الجهة الداعية شبكة “آيكان” غير الحكومية الدولية لمنظمات المجتمع المدني، والمناسبة منتداها الإقليمي الثالث الأسبوع الماضي، والمكان شيلة بتركيا على البحر الأسود.
يوحي الانطباع الأول بانتفاء القواسم بين لبنان وسوريا والعراق، وتونس وليبيا ومصر، وفلسطين، وتركيا وإيران، مع سري لانكا وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان، وهي البلدان المدعوة. لكن بعضها أرضُ حروب مثل سوريا والعراق وليبيا وفلسطين، وبدرجة أقل أفغانستان وباكستان ولبنان، وتنعم أخرى بسلام نسبي كسري لانكا وإيران وتركيا. ومنها ما يترنح على حافة الدولة الفاشلة كليبيا، في مقابل دولة راسخة عمادُها الجيش أو النظام الديني كما في باكستان وإيران، والحكومة القوية في تركيا.
وثمة ما يجمع تونس بأفغانستان، فالمسار الديموقراطي لم يرس قواعده كلياً بعد، ومصر وباكستان حيث العسكرة، ظاهرة أو مقنعة، تُمسك بالحياة السياسية. وفي ليبيا وسوريا نما التطرف الديني لمواجهة أنظمة ديكتاتورية، بينما لم يعد في أفغانستان وباكستان حكراً على حركة “طالبان”.
وإذ تضغط التهديدات الاسرائيلية على لبنان وفلسطين، وفيهما أحزاب كأنها دولة بذاتها وسط فراغ مؤسساتي، صار للجماعات المتشددة نفوذ في البلدين على رغم التنوع الديني.
ولدى تركيا وإيران تبرز مسألة الأقليات في محيط متحول. وتحضر قضية النزوح الداخلي في سوريا والعراق، ومحنة اللاجئين، سواء السوريين في لبنان وتركيا والعراق، أو الليبيين أخيراً إلى تونس وتركيا.

امتداد “داعش”
في طاجيكستان يتكرر الإعلان عن توقيف أشخاص يجندون شباناً لـ”الجهاد” في سوريا، أو آخرين عادوا من هناك. وقدَّر الرئيس إمام علي رحمانوف أعدادهم بالمئات، وهو أمَر أخيراً أولياء الأمور بإرجاع أبنائهم الملتحقين بمعاهد دينية في الخارج كي لا يتحولوا “إرهابيين وخونة للأمة”. و”الخارج” يعني بلدان الخليج كما روسيا حيث يعمل نحو مليون طاجيكي، وهناك يتم معظم عمليات التجنيد.
وبعد العبور من تركيا إلى سوريا، يجد الطاجيك وسواهم من الآتين من آسيا الوسطى أنفسهم في عهدة قادة شيشانيين. وانتشر على موقع “يوتيوب” في نيسان شريط فيديو يظهر شباناً يحرقون جوازات سفرهم ويعلنون الولاء لـ”الدولة الإسلامية”، ويندّدون بـ”ممارسات الكفر” في طاجيكستان. يقصدون القرارات التي يتخذها رحمانوف تباعاً، ومنها منع ارتياد المساجد لمن هم دون الثامنة عشرة من العمر من غير مرافقة قريب أكبر سناً.
وعن تلك الإجراءات تحدثت إلى “النهار” المحامية مليكة جوراكولوفا، فوضعتها في إطار التصدي لتفشي التشدد، ذلك أن لا وزارة للشؤون الإسلامية في طاجيكستان. و”يسهلُ أن يصير المرء إماماً، وإن كان جاهلاً بالدين”. وأضافت: “من يسافرون للقتال فقراء. يُقال لهم إن الغرب مسؤول عن معاناتهم، ومكان هزيمته هو سوريا”. هناك، كما في العراق، أحدث ساحات الصراع السني – الشيعي، وتحت هذا الشعار تغلغلت “داعش” في أفغانستان وباكستان.
ولخصت حميرة شيخ التي تدير مشروعاً للسلام في وادي سوات بشمال غرب باكستان، الوضع في البلاد بأنه “شدٌ بين العسكرة والطلبنة”. وفي هذا الأفق الضيق الذي تخنقه أيضاً المدارس الدينية، صار لـ”داعش” موطئ قدم، ففي بيشاور توزع جماعة تُسمى “الخلافة الإسلامية” منشورات تبايع “الخليفة أبوبكر البغدادي”. وقام خمسة قادة من “طالبان باكستان” بالمثل وسط تقارير عن إيفاد ألف مقاتل إلى سوريا.
وقالت حميرة ثاقب، مديرة وكالة أنباء المرأة الأفغانية، لـ”النهار” إن “طالبان” المنخرطة في عملية تفاوضية مع السلطات تضطلع النساء بدور فيها، لم تظهر الحماسة نفسها تجاه “الدولة الإسلامية” كما فعل جناحها الباكستاني، وإن يكن سُجل تأييد لـ”داعش” في الأقاليم الشمالية، وظهرت كتابات مناصرة لها على جدران جامعة كابول.

توالي المبايعات
من درنة في ليبيا إلى جبال الشعانبي التونسية وشبه جزيرة سيناء، إلى الجزائر ومالي، يتصاعد الولاء لراية “الدولة الإسلامية”. ولأنهن على لائحة الاغتيالات في بلاد الحكومتين والمجلسين وسطوة الميليشيات، أتت المشاركات الليبيات “من الشتات”. أعلنت إحداهن بحرقة: “ليوقف المجتمع الدولي تدفق المقاتلين، ويُسلح الجيش والشرطة كي لا تتحول ليبيا برمتها أرضاً سائبة لـ”داعش”. لا ننكر حق الأحزاب الإسلامية في الوجود، ولكن لتحكم عبر صناديق الاقتراع وليس بالسلاح والترهيب”.
المطالبة بدعم الجيش تتكرر لدى التونسيات. فالتهديد الإرهابي لا يمكن إنكاره، وإن شكلت الانتخابات العامة نقطة ضوء في منطقة يخنقها الإحباط. وأثبتت المواجهات الأخيرة عشية الاقتراع تغلغل التشدد بين رجال ونساء تلقوا تعليماً نخبوياً ونشأوا في أوساط بورجوازية. أضف أن العدد الأكبر من المقاتلين الأجانب في سوريا تونسيون، مما دفع تركيا إلى تقنين الرحلات التونسية إلى أراضيها. وعادت نساء ذهبن الى “الجهاد” مصابات بفيروس العوز المناعي المكتسب “الايدز”.
أما صرخة المصريات، فكانت مدوية، سيناء ضحيةُ تهجير جماعي وتوصم كلها بالإرهاب، والبلاد أسيرة حكم عسكري ذي خلفية إسلامية. وما يجري حالياً أسوأ من القمع لـ”ثورة 25 يناير”، لكنه “ليس في الشارع، بل في مراكز الاعتقال حيث لا كاميرات ولا وسائل للتواصل الاجتماعي ترصد الانتهاكات”، على ما قالت لـ”النهار” صحافية طلبت عدم ذكر اسمها “كي لا أنتهي مسجونة كسائر المعارضين”.
وإذ ترزح غزة تحت وطأة الاعتداء الاسرائيلي الأخير وآثاره من نزوح وخسائر بشرية واقتصادية، سُجل تأييد متنام لـ”حزب التحرير” المتشدد في بيت لحم، ورحبت جماعة “نُصرة الإسلام” بقيام “الدولة الإسلامية”.

سوريا والعراق
أما في سوريا المقسّمة بين “مناطق النظام”، وأخرى تُسمى محررة، وثالثة تواجه تمدد “داعش”، تدفع النساء الثمن، أرامل وثكالى وضحايا اغتصاب ودعارة لإعالة الأولاد، كما يتقدمن الجهد التطوعي التعاضدي. وإذ نما العمل النسائي في أوضاع قاسية، لم يجد دعماً حتى من المعارضة. ولاحظت “النهار” أن وفداً من “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” كان في شيلة للتدرب على آليات التفاوض، خلا من النساء.
المعارضة تزداد هزالاً، والمجتمع المدني يخنقه القتل والتجاهل. والصلة بين الجانبين، وقد كانا معاً في بدء الثورة – الحرب، شبه مقطوعة. ولم يكن مستغرباً تركيز المشاركات السوريات على قضايا آنية، كأن مهمتهن تقتصر على الإغاثة من دون تصور سياسي للمستقبل. لا رؤية واضحة لسوريا، موحدة أو مقسمة، ولا لمسار “داعش” ومصيره وإمكان تحقيق محاسبة ومصالحة وولادة نظام تعددي. وليست المعارضة وداعميها أفضل حالاً، وربما صار عبثاً الاعتقاد ان معاودة المفاوضات ممكنة من دون إضافة مقعد للتيارات المتشددة التي تُمسك بالأرض.
الأفق السياسي العراقي لا يقل انسداداً. ومن البصرة حملت رئيسة جمعية “الفردوس” فاطمة البهادلي محنة بلادها. قالت إن الحياة في الموصل عادت إلى الجاهلية بكل ما للكلمة من معنى، وإن آلاف الشبان هجروا المدارس والجامعات في الجنوب وحملوا السلاح وسط لهيب مذهبي. وأحد هؤلاء نجلها الأوسط على ما روت لـ”النهار”، وقد استبدّ به الإحباط والاقتناع بوجوب “الثأر من “داعش””.
بلباسها الديني الملتزم، وقفت أمام ضيوف دوليين يتقدمهم السفير النروجي في أنقرة جاناس بيورن كانافين والسناتورة الكندية موبينا جافر، لتتلو البيان الختامي، وفيه صرخة “كفى” للتطرف والاحتلال والاستبداد والتفسيرات الإقصائية للدين.
من أين تبدأ هزيمة “داعش” بعيداً من الغارات الجوية الغربية، سألتُ مشاركات ونحن ننهي عملنا معاً. سوريةٌ أجابت بحكومةٍ قوية في العراق. عراقيةٌ قالت بتسويةٍ في سوريا. ليبيةٌ رأت أنه بنهاية عادلة للصراع العربي – الاسرائيلي. ودعت باكستانية إلى إصلاح مناهج التعليم الإسلامية. فهل ذلك ممكن؟

السابق
مقتل 4 صهاينة في القدس على يد فلسطينيين
التالي
ماذا جرى أمس في قصر عدل طرابلس!