دار الفتوى و«الجماعة»: أسئلة تحكم مستقبل العلاقة

هي مرحلة جديدة بين دار الفتوى و«الجماعة الإسلامية»، مختلفة عن سابقتها التي اتسمت بالتذبذب لأكثر من 20 عاما.

تعود المرحلة الماضية الى أوائل تسعينيات القرن الماضي، مع قيادة المفتي السابق محمد رشيد قباني لدار الفتوى. في تلك المرحلة، حسب قيادي في «الجماعة» واكب المرحلة، أراد قباني تهميش «الجماعة» بسبب هواجس كان يحتفظ بها على الدوام منها، فتم إبعادها عن التوظيفات والمناصب، «حتى انه كان يلاحق أئمة المساجد الذين كان يشك بولائهم أو حتى تعاطفهم معها».
في تلك المرحلة كانت «الجماعة» في فترة «تعايش» مع قباني، وكانت الضمانة في شخص أمينها العام الشيخ الراحل فيصل مولوي الذي كان قباني يفصل علاقته معه عن تلك المتأرجحة مع «الجماعة». إلا ان الصدام بين قباني ومولوي كاد أن يحدث لدى انتخاب المجلس الشرعي العام 2005، حين كاد يصل الأمر بـ«الجماعة» الى المطالبة باستقالة المفتي.
استمر هذا الوضع القلق في الوقت الذي كانت الجماعة تعيب على قباني قربه من تيار «المستقبل».. قبل أن تتغيّر الحسابات السياسية وتتقرّب «الجماعة» نفسها من «المستقبل» ويتقرب قباني من الرئيس نجيب ميقاتي ويحصل الخلاف مع «المستقبل» ويتطور ويتعمق.. وصولا الى إزاحة قباني أخيرا من دار الفتوى.
اليوم يحتفظ الجانبان برغبة مشتركة في فتح صفحة جديدة في العلاقة. تعلم «الجماعة» تماما الخلفية التي جاء بها المفتي عبد اللطيف دريان بدفع مصري، «النظام الانقلابي» بنظر الجماعة، وسعودي، وبموافقة سورية ومن قبل الحلفاء السنة لـ«حزب الله».. هذا الامر يعني أن أخصام «حركة الاخوان المسلمين» هم الذين أتوا بدريان مفتيا.

ارباك الجماعة

شعرت «الجماعة» في البداية بالإرباك والتوجس. درست المسألة مليا في القيادة. وبعدما طرحت مرشحا لدار الإفتاء هو الشيخ أحمد درويش الكردي، استقر الرأي على عدم خوض معركة كسر عظم مع أطراف إقليمية بالغة القوة، ليس «الإخوان» اليوم في صدد مواجهتهم. تلقت «الجماعة» تطمينات من دريان: «لست بخصم لكم. سأقوم بتوسيع دائرة الاتفاق بين القوى السياسية السنية في البلد وستكونون من بينها». وكان رد «الجماعة»: «دار الفتوى مرجعيتنا الوطنية الكبرى التي ترعى شؤون المسلمين، ونحن نريد الحفاظ على وحدتها والتقليل ما استطعنا من محاولات تجييرها إلى المحاور السياسية».
مع انتهاء الانتخابات في دار الفتوى، عقدت سلسلة لقاءات جانبية بين المفتي دريان وقيادة «الجماعة». بين العناوين التي جرى بحثها، عنوان شائك قد لا يتم التوصل الى حل له في المدى المنظور: آلية انتخاب المفتي.

تساؤلات مشروعة

ويطرح معارضون للآلية الحالية تساؤلات مشروعة: كيف يعقل أن يُنتخب أعلى مركز ديني في الجمهورية اللبنانية بـ108 أصوات؟ هل هؤلاء يمثلون نخبة الطائفة السنية؟ ثم هل النخبة هي من تنتخب؟ وهنا برزت اتهامات عن عملية «تعيين» تتم لمفتي الجمهورية ومطالبات بتعديل المرسوم الاشتراعي الرقم 18 وتوسيع الهيئة الناخبة لتضم علماء ونخباً وشباباً..
ليس هذا المطلب خاصاً بـ«الجماعة»، إلا انها حملته معها في زيارتها الاخيرة الى دريان وطرحته ضمن صيغة مطالب. وتردد انه قد يتم حل المجلس الشرعي الحالي وإجراء انتخابات تفرز مجلسا جديدا يقوم بالتعديلات المطلوبة ومن بينها توسيع الهيئة الناخبة للمفتي والمجلس الشرعي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون هذه الانتخابات شفافة ويصبح بمقدور القوى كافة إيصال ممثليها الى المجلس الجديد.
دريان أكد لـ«الجماعة» ان رغبته بإدارة العلاقة بشكل جديد في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن دعم «الجماعة» لمرشح في مواجهته على منصب المفتي أصبح من الماضي. علما ان عضو المكتب السياسي لـ«الجماعة» عمر المصري يؤكّد لـ«السفير» ان ترشيح الكردي سبق ترشيح دريان، ووافقت عليه «الجماعة» بوصفها تنضوي ضمن إطار «هيئة علماء المسلمين»، ومن ثم لجأت «الجماعة» الى «وضع معايير إصلاحية وافق عليها دريان، فكان أن تبنت ترشيحه».

مرحلة جديدة

في كل الاحوال، أسس اللقاء الاخير بين الجانبين لمرحلة جديدة، لا أوهام حولها، لكن ثمة نية لطي صفحة الماضي. خرج الجانبان بانطباع إيجابي وكان اتفاق على رفض وصف الساحة السنية بالإرهاب وتأكيد الوسطية والاعتدال بوجه حالات التطرف والتكفير على هذه الساحة. وكان تأكيد أهمية تحصين شباب الطائفة من الانخراط في تلك التيارات التي ليست الطائفة السنية في وارد احتضانها، إلا ان الغبن أدى الى بروز بعض ظواهر التطرف فيها، إضافة الى بعض التعاطي الرسمي. وأعلن دريان على هذا الصعيد انه سيتدخل لمحاولة حل بعض ملفات موقوفين إسلاميين «تشير ملفاتهم الى ظلم تعرضوا له»، حسب المصري.
في الخلاصة، يريد دريان توسيع دائرة الاتفاق بين القوى السياسية السنية، ومن بينها «الجماعة»، على أساس مرجعية دار الفتوى. كما تريد الدار فصل مسألة الخلافات السياسية عن العلاقة بدار الفتوى باعتبارها مرجعية إسلامية عامة. وينظر دريان الى التقاطع الاقليمي المصري ـ السعودي، بمباركة إيرانية ـ سورية، الذي أدى الى تحقيق إجماع سني حوله، باعتباره رافعة أساسية لضمان وحدة الطائفة السنية، وهو يدرك أن من شأن هذا التقاطع توفير غطاء أمان لعمله.
من جهتها، تدرك «الجماعة» جيدا الكيفية التي أتى بها دريان على رأس دار الفتوى والتي على «الجماعة» العودة اليها على الدوام لكونها الحاضنة الأساس لكل مكونات الساحة الاسلامية السنية، شرط ان تقف على مسافة واحدة من كل مكوناتها، حسب الحركة.
لكن دون هذا السيناريو بعض التساؤلات: ماذا لو حصل الصدام بين المشروع الأم لـ«الجماعة»، أي «الإخوان»، وذلك الذي تبنى إيصال دريان الى دار الفتوى.. خاصة في ظل ما تردد عن تنويه دريان بدور الأزهر ومشروعه في إصلاح المدارس الدينية والخطاب الديني وتأهيل الأئمة؟ ماذا عن العناوين الخلافية التي وافق عليها دريان والتي قد تشعل الخلاف في أية لحظة إقليمية مشتعلة والتي تتعلق بسلاح المقاومة وبالأزمة السورية؟ لا بل بعيدا عن الشأن الاقليمي، ماذا لو لم يستجب المفتي الى المطالب الأساسية المحلية لـ«الجماعة» حول حصتها في التعيينات؟ فإلى أين ستسير العلاقة حينها؟

السابق
روسيا تعتزم إطلاق نسخة بديلة عن «ويكيبيديا»
التالي
عودة الثلوج والأمطار.. الجمعة المقبل