العاملة الأثيوبية تروي أسباب محاولتها الإنتحار

لم توصلها الرحلة التي حجزت عليها إلى المكان المرتجى، فوجهة الموت التي قصدتها كانت أبعد من المحطة التي تم إنزالها فيها، فوجدت نفسها على سرير مستشفى ممددة، بدمائها مضرجة مع رضوض في جميع أنحاء جسدها، هذه الحال الذي وصلت إليها العاملة الأثيوبية بيركوتان دوبري، التي رمت بنفسها من شرفة منزل مخدوميها في الطبقة الرابعة من أحد الأبنية في منطقة سليم سلام في بيروت.

تحوّلت بيركوتان بالأمس حدثاً بعد انتشار فيديوات صوّرها طلاب جامعة LIU توثّق اللحظات المرعبة لقفزها من الشرفة وسقوطها على إحدى السيارات المتوقفة، الأمر الذي ربما ساعد في بقائها على قيد الحياة.

فبعد أن رفضت مخدومتها قطع تذكرة سفر لها إلى بلادها، قررت القيام بهذه المهمة، لكن الرحلة الوحيدة التي استطاعت حجز بطاقة على متنها هي الآخرة، التي لا تحتاج إلى مال ولا كفيل ولا رب عمل يتحكم بالمصير. اتخذت قرارها، هي حرّة للمرة الأولى، اتجهت نحو الشرفة ورمت بنفسها إلى المجهول، لكنها لم توفق في الوصول الى الهدف المنشود.

“أريد السفر وهي ترفض، لا أريد البقاء في لبنان، أرجوكِ أطلبي منهم أن يعيدوني إلى أهلي، اشتقت لأبي و أمي وأخوتي، سنتنان ونصف السنة في هذا البلد كفى، مللت وأكاد احترق من نار الشوق”، بهذه الكلمات بدأت بيركوتان القابعة في الطبقة الأولى من مستشفى المقاصد حديثها لـ”النهار” بعد أن وضعت كوب “النسكافيه” جانباً وتوقفت عن تناول فطورها علّها تستطيع أن توصل صوتها لسفارتها لتعمل على انقاذها.

بيركوتان التي كانت تتجاذب أطراف الحديث مع عاملة أثيوبية في المستشفى لم تقوَ على الكلام جيداً بسبب جرح في شفتها، فتوّلت ابنة بلدها مهمة المساعدة والمساندة طالبة منها التعبير عن كل ما تريد، الآن الفرصة السانحة والكاميرات والأضواء مسلطة عليها وهذا الأمر لم تصل إليه إلا بعد أن كادت تدفع ثمناً باهظاً، ألا وهو روحها.

عند سؤالها عما إذا كانت تتعرض للضرب من مخدومتها، أجابت “ضربتني مرة واحدة ولم تكررها، مخدومتي كبيرة في السن، هي لا تحبني لكنني أحبها، أما مخدومي فيعاملني جيداً، لم أنزعج من عملي لديهم، كل ما في الأمر اني أشتاق، أشتاق لبلدي وكل من فيه”.

هربٌ قبل الانتحار
على مقاعد الانتظار خارج غرفة بيركوتان جلس مخدومها سامي المغربي، الذي قال بكل هدوء لـ”النهار” : “كنت أنوي أن أحجز لها مقعداً بالأمس لكن حصل ما حصل. لا أعلم ما دفعها إلى القيام بذلك على الرغم أنها في الصباح خرجت مع زوجتي وابتاعت أغراضاً وكان كل شيء طبيعياً، وعند عودتي الى المنزل ظهراً كانت تقوم بمسح إحدى الغرف، لا أحد من عائلتي المؤلفة من زوجتي وابنتي وحفيدتي شك يوماً أنها قد تقدم على هذه الخطوة”.

وعن اتهامها لهم بعدم قبول اعادتها الى بلدها، أجاب “هذا الكلام غير صحيح والدليل على ذلك أني حجزت لها على الطائرة الاثيوبية في 18 الشهر الماضي بناء على طلبها، لكنها عادت وغيّرت رأيها، لتقدم على خطوة الهروب في 27 من الشهر عينه. مع العلم أننا لا نضيّق عليها ولا نغلق الأبواب خوفاً من هربها ولا نعاملها معاملة سيئة، لا أعلم كيف وصلت إلى أحد مكاتب الاتحادات العمالية، اتصل بي كاسترو العبدالله وهو صديق قديم ليتأكد من أنها تعمل لديّ، قال لي سأعيدها إليك لكن قم بما تطلبه منك سواء أرادت السفر أم البقاء، قلت له نحن دائماً نقوم بما ترغب فيه”.

كل أوراق بيركوتان قانونية فقد قام سامي بتجديد اقامتها وكل ما يطلبه القانون ليكون وضعها سليماً، وقال:” لديها تأمين صحي لكن لا يغطي التكاليف بانتظار ما يؤول اليه التحقيق، نحن بانتظار النيابة العامة والسفارة، وتحت القانون ونمشي بحسبه”.

وختم: ” المهم أنها بخير وسلامة، ما جرى بالأمس كان مخيفاً، وبمجرد أن تستعيد عافيتها وأحصل على إذن بامكان ترحيلها سأعيدها في الحال إلى بلدها”.

لا خطورة
طبيب الجراحة العامة محمد السبليني أكد أن وضع بيركوتان الصحي جيّد وهي تتجاوب مع العلاج، وشرح لـ”النهار” بأن “ليس لديها كسور بل بعض الرضوض والكدمات، كانت تعاني من مشكلة في الشفة قمت بمعالجتها، مستوى الدماغ الحالي جيّد لكن لا بدّ من مراقبتها لبعض الوقت، وفي المبدأ هي تتماثل للشفاء وليس عليها أية خطورة”

السابق
جعجع: عون خاض حرب التحرير ولم اكن مقتنعاً بما كان يقوم به
التالي
البغدادي في تسجيل صوتي: ضربات قوات التحالف لن توقف زحف تنظيم الدولة