السّلفية الجهاديّة والسلفيّة التّكفيريّة: أي مشروع وأي دور؟

“التّكفير السّلفي ليس منحصراً بمذهبٍ دون آخر، لكنّه في أغلب الأحيان مسكوت عنه، نتدارسه ونتباحث به أحياناً، نقرّه أو على الأقلّ لا نجرؤ على رفضه أو نكرانه باعتبار أنّه يستند إلى نصوص لا تحتمل التّأويل، لكننا نجمّده باعتبار تزاحم المصالح”.. بهذه الكلمات عبّر الإعلامي الأستاذ محمّد شرّي عن الواقع في كلمته الّتي افتتح بها الحلقة الحوارية التي عقدتها مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر مع المعهد الشرعي الإسلامي حول موضوع: ” السّلفية الجهاديّة والسلفيّة التّكفيريّة: أي مشروع وأي دور وأي مستقبل”، المقامة بمناسبة صدور كتابي ” السلفية الجهاديّة” للدّكتور محمّد علوش، و”السّلفية التّكفيريّة” للدّكتور نسيب حطيط، وذلك بحضور حشد من المثقفين والإعلاميين المهتمين بهذا الموضوع.

وإذ قارب الأستاذ محمّد شرّي الأمور بصراحةٍ ووضوح، فإنّه اعتبر أنَّ ” داعش ليست فقط نتاج  مؤامرة بقدر ما أنّها كشفت عن نقاط الضّعف القائمة لدينا ونعمل جاهدين للتّستّر عليها”، وأضاف:” يجب أن نعترف أننا نعاني من ازدواجية بين النّظرية والتّطبيق… يجب تأصيل السلوك السياسي المتطوّر والمتحوّل مع النّظريّة الفكريّة وإلّا فإننا دائماً معرّضون لمثل هذه الظواهر المتشدّدة”.

تحدّث الدكتور نسيب حطيط بعد ذلك، مؤكّداً أن التّكفير ظاهرة متجذّرة عبر التاريخ في كلّ الدّيانات، مشيراً إلى أنّ التّكفيريين حسب وجهة نظره هم جلادون من جهة، ولكنّهم ضحايا الفكر الّذي تربّوا عليه من مشايخ تم تصنيعهم سياسيّاً ومخابراتيّاً وضحايا المشروع الإستعماري الّذي استولدهم ورعاهم واستخدمهم من جهة أخرى، مؤكّداً أنَّ مسؤوليّة مواجهة التّكفيريين هي مسؤولية كل شخص يفترضه التكفيري عدواً، داعياً إلى العمل على تأسيس مقاومة ثقافية لمواجهة منهج التّكفير ودعم الحوار الدّيني والإنساني لمواكبة العمل الميداني وإنقاذ الشّباب من الفكر الضّال ومقاومة التّكفير المتبادل، والعمل في دوائر المذاهب للتخفيف ومعالجة الغلو والمغالاة التي تتطور إلى التّكفير الخفي الفكري والسلوكي”.

ثمّ كانت الكلمة للدكتور محمّد علّوش الّذي لخّص أبرز ما جاء في كتابه “السّلفيّة الجهاديّة” واستعرض في سياق تاريخيّ مفهوم السلفية وتطوره، كما عرض أدبيات الحركات السلفية المتمثلة بمبدأ الحاكمية ومبدأ الولاء والبراء وجهاد الأنظمة، متوقفاً أيضاً عند أبرز صفاتها كونها تياراً أيديولوجياً صداميّاً مناهضاً بشكلٍ مطلق لكلّ ما هو قائمٌ من انظمة إجتماعية وسلطات سياسية وثقافية، مفصلاً بالتحديد خصائص تنظيم داعش من حيث هيمنة الشباب، حداثة الدين، استنهاض التاريخ بحذافيره، تطبيق جذري للمفاهيم.. وقد عرج الدكتور إلى منظري التيار السلفي فعددهم، ذاكراً أبرز كتبهم، متناولاً الصياغات الفكرية الحديثة للسلفية الجهادية بشكلٍ سريع ، كما والظروف السياسية التي نشأت فيها.

الكلمة الأخيرة كانت للدكتور حسن المحمود الّذي أبدى في كلمته جملة من الملاحظات التي دونها عقب قراءة كتابي كل من الدكتور علوش وحطيط، وذلك بعد أن شدّد على أنَّ نمو الجماعات التّكفيرية وتنامي انتشارِها والتداعيات المرافقة لها تجعل من قراءة هذه الظاهرة وتكوين رؤية نظرية واضحة عنها، أمراً في غاية الأهمية.

أعقبت الكلمات مداخلات من الحاضرين ركزّت على ضرورة البدء من الساحة الداخية والإنطلاق من النقد الذّاتي لكل نوازع الإقصاء لدى كلّ الحركات أياً كان مذهبها أو أيديولوجيتها.

السابق
إعتقالات بالجملة: وصاية أمنية سورية على لبنان مجدّداً؟
التالي
كنعان قدم الطعن بالتمديد