اسمٌ جدير بالمراقبة وربما المراهنة

كنتُ أقول دائماً لبعض أصدقائي المعارضين السوريين إن الثورة في سوريا، ويا للغرابة، لم تُنتِج أمرين: النكتة وشخصيات قيادية على المستوى الوطني.

النكتة السورية ولا سيما الدمشقية والحمصية التي كانت لعقود تصلنا في الهواء الطلق بينما اليوم بعد الثورة ومع أننا في عصر الإنترنت لا نسمع نكتة واحدة من ذلك العيار “الحمصي” الذي كان ينافس النكتة المصرية. أعرف أن البعض سيقول أنني أتجاهل الأعمال الفنية الساخرة التي صدرت عن فنانين وفنانات سوريين ولكن ما أعنيه هو أمرٌ آخر يتعلق بالنكتة العفوية التي تأتيك بالتواتر الشفهي ولا تعرف مصدرها. ربما هول الحرب ومآسيها أفقد مؤقتاً السوريين القدرة على إنتاج النكتة اللاذعة والنفاّذة.
ما أنا بصدد هنا ليس هذا الموضوع إلا بشكلٍ عَرَضي. يهمّني الأمر الثاني المتعلّق بمستوى “الإنتاج” القيادي المعارض.
ربما يكون الأستاذ أحمد معاذ الخطيب، الرئيس السابق لِـ”الإئتلاف الوطني السوري” المعارض، من الشخصيات ذات الخامة القيادية التي أفرزتها تجربة المعارضة السياسية السورية ولا سيما في الخارج في السنوات الثلاث وبضعة أشهر المنصرمة، إن لم تكن من الشخصيات القليلة من العيار الذي يُقال معه أن الأحداث أفرزتها ببعدها الوطني وخامتها الشخصية خارج منظومة الدولة القائمة.
في الحقيقة لفت الرجل الأنظار كرئيس لِـ”الإئتلاف” والأهم خلال وبعد تخلّيه عن تلك المهمة من حيث شجاعته السياسية في التعبير عن رأيه حيال الأزمة الأخلاقية والسياسية والأمنية العميقة التي واجهها مشروع المعارضة المدني وما آل إليه الصراع من تدمير شبه شامل لسوريا ومصادرة كاملة للمعارضة من الدول الغربية والإقليمية وتهميش فضائحي للمعارضة المدنية لصالح أكثر أنواع الأصوليات الإسلامية همجيةً.
ما جعلني أكتب هذا المقال اليوم هو المقالة الطويلة والأخيرة للشيخ أحمد معاذ الخطيب على موقعه بعد رحلته التفاوضية إلى موسكو.
تتبدّى ملامح قيادية الخطيب:
أولاً: منذ أعلن عن ضرورة الحوار مع النظام لإنقاذ سوريا أو على قاعدة أولوية إنقاذ سوريا.
ثانياً: في اعترافه حسب تعبيره في المقال بأن هناك ما كان “مبيَّتاً” لسوريا، أي بوجود مؤامرة على سوريا استخدمت الثورة بما يتخطى ثنائية النظام –المعارضة.
ثالثاً: في تأكيده على ضرورة تغيير النظام ولكن عبر المعادلةِ الشجاعةِ الاعترافَ التالية:
بشار الأسد يمثّل قسما من الشعب السوري والمعارضة تمثل قسما آخر من الشعب السوري. الشجاعة في الاعتراف بشعبية النظام لكنْ عبر تحميل النظام (طبعا) المسؤولية عن التدهور. أي في تأكيد موقعه الحواري ولكنْ المعارض والدؤوب.
رابعاً: تركيزه الشجاع على شعار “استعادة الاستقلال الوطني” الذي فقدته سوريا والمعارضة من ضمنها.
هذه النقاط تعبِّر عن سلوك، وليس فقط مواقف، يوحي بالثقة أنه يصدر عن شعور رصين بالنكبة الوطنية الهائلة التي تعرضت لها سوريا والتي تستلزم من موقع معارض اتخاذ مواقف غير مرتبطة بمصالح الدول المهيمنة على سوريا وعلى قرار المعارضة السورية.
الشيخ أحمد معاذ الخطيب اسم يستحق المتابعة والمراقبة وربما الرهان عليه. فنرجو أن يكون عند حسن الظن أمام النكبة السورية.

http://newspaper.annahar.com/article/188939

السابق
هل ستتأثر حركة المطاعم سلبا بعد فضيحة ابو فاعور؟
التالي
العبادي يعيد هيكلة قيادة الجيش العراقي