بكتيريا مضرّة في اللحوم والدجاج.. ومياه آسنة لري الخضار أيها اللبنانيون.. أنتم تتجرعون السموم!

كتبت “السفير” تقول : صحيح أن اللبنانيين يعرفون بـ”الفطرة” أو بـ”التجربة” ان الكثير مما يأكلونه ويشربونه فاسد، في ظل “دولة الفراغ” على كل المستويات، لكن ذلك لا يمنع أن أعصابهم تهتز في كل مرة تتكشّف بالعين المجردة حقائق موثقة، وأدلة إضافية، حول الفساد الغذائي المتمادي، كما حصل خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس وزير الصحة وائل ابو فاعور، وطفح بفضائح أصابت مطاعم ومؤسسات كثيرة، بعضها مذيّل بتوقيع أسماء كبيرة في السوق.

وإذا كان إعلان أبو فاعور بالاسم عن هوية المطاعم ومحلات السوبرماركت التي ضبطت فيها مواد مخالفة للمواصفات الصحية، يشكل خطوة جريئة، إلا أن الأهم هو أن تكون لها تتمة، استناداً الى رؤية واضحة واستراتيجية متكاملة، لمواجهة المعتدين على الامن الغذائي، لاسيما ان التجارب السابقة أظهرت انه غالباً ما تكون ملاحقة الفاسدين موسمية ومزاجية، أو لأغراض استعراضية وإعلامية.

وبقدر ما يمكن أن تترك الحقائق المعلنة أمس ارتياحاً في اوساط المواطنين، إلا أنها في الوقت ذاته قد تكون مصدراً لمزيد من القلق، إذا لم يتم البناء عليها واستكمالها، لأن ما ظهر حتى الآن، على خطورته، هو رأس جبل الجليد، ليس إلا.

من هنا، فإن التحدي الابرز الآن يكمن في مدى قدرة الدولة ككل على الغوص في ملف الفساد الغذائي حتى القعر، لأن هذه المهمة ليست من اختصاص وزارة حصراً، بل يُفترض أن يكون هناك تكاملٌ بين أدوار كل الجهات المختصة وفق إيقاع واحد، عوضاً عن الفوضى القائمة حالياً بفعل التضارب بين الجهات التي تعتبر نفسها معنية بهذا الملف، وضعف التنسيق بينها، وهي: وزارات الزراعة والصحة والاقتصاد والصناعة والسياحة إضافة الى الجمارك والبلديات.

ومن المفارقات، على سبيل المثال، أن مراقبة الحلويات في حال شرائها لأخذها الى المنازل تخضع لرقابة وزارة الاقتصاد من حيث النوعية والسعر، وفي حال قرر الزبائن تناولها داخل المحل تخضع لوزارة السياحة، وذلك نتيجة تضارب الصلاحيات.

وبرغم أن جزءاً كبيراً من مسؤولية الحفاظ على صحة المستهلك يقع على عاتق المؤسسات والمطاعم، إلا أن ذلك لا يعفي الدولة من وجوب الالتزام بواجباتها في تأمين “بيئة حاضنة” لسلامة الغذاء، عبر الحد من أزمتي انقطاع الكهرباء وتلوث المياه، وهذا اضعف الإيمان.

ولعل الخلل الأبرز يتمثل في استمرار غياب قانون سلامة الغذاء حتى الآن، وهو الذي يُفترض به ان يكون الناظم لكل جوانب المعالجة والمواجهة، وأن يوزع المهام، وينظم الصلاحيات، ويحدد معايير السلامة الصحية وأشكال الرقابة، علماً أن من بين أسباب التأخير في وضع هذا القانون، منذ سنوات، الخلاف على المرجعية والصلاحيات.

وما لم يخرج هذا القانون التأسيسي الى النور، ستبقى أي معالجة للفساد محصورة في إطار التعامل مع النتائج، وليس مع الاسباب، لان إجراء التحاليل المخبرية وتسمية المخالفين يشكلان في واقع الأمر الجزء الاخير من مسار طويل للرقابة، يجب ان يبدأ من الحقل والمستورد مروراً بالمنتج وصولاً الى البائع، على ان يشمل الرصد مراحل التخزين التبريد والنقل والتوزيع.

إقفال الأقسام المخالفة

الى ذلك، علمت “السفير” أن أبو فاعور وجّه كتاباً إلى وزير الداخلية طلب بموجبه إقفال الأقسام التي لديها مشكلة مواصفات أو مخالفات في المحال، ريثما تتم العملية الثانية من الفحوص المخبرية وتظهر نتائجها لاتخاذ الخطوات اللاحقة، تبعاً لمدى تطابقها مع شروط السلامة. وبعدها وفي حال استمرار عدم المطابقة ووجود مخالفات يصار إلى إبلاغ المراجع القضائية والنيابة العامة.

وتحتوي السلع المصادرة أو تلك التي توقف التعامل بها حتى تسوية أوضاعها أربعة انواع من البكتريا المضرة بالصحة العامة، أبرزها “سالمونيلا” والبكتيريا الناجمة عن استخدام المياه الآسنة المستعملة في غسيل اللحوم وبعض منتجات الدجاج.
وقد ارتكزت الفحوص المخبرية على تقارير من مركز البحوث العلمية الزراعية، ومن معهد البحوث الصناعية التابع لوزارة الصناعة (بالنسبة للسلع المستوردة والمنتجة محلياً)، الأمر الذي كشف عن فضيحة أخرى، تتمثل في غياب المختبر المركزي الذي يعاني من تقصير وقلة تجهيز منذ سنوات، في إطار الفحوص ذات الصلة بالموضوع الغذائي والاستهلاكي.

ولئن كان النائب وليد جنبلاط قد بادر الى تأمين مظلة الحماية للوزير ابو فاعور، فإن المأمول هو أن ينتقل زعماء الطوائف والأحزاب من ساحة التعبئة المذهبية والسياسية الى ساحة المبارزة في محاربة الفساد.

جنبلاط: المعركة حتى النهاية

وقال جنبلاط لـ”السفير” إنه يغطي الوزير أبو فاعور “بالكامل في المعركة التي يخوضها ضد الفساد الغذائي، وأنا سأستمر في تغطيته”، مشيداً بما “كشفه أمس في مؤتمره الصحافي، لكن المهم الاستمرار حتى النهاية بحيث لا يقتصر الامر على ضجة عابرة”، لأن “صحة المواطن في خطر، خصوصاً مع تزايد الامراض السرطانية”.

وشدد على أهمية التكامل بين الجهات المختصة، مؤكداً ضرورة ان يؤدي القضاء دوره في الملاحقة والمعاقبة، وان يتحمل المجتمع المدني مسؤولياته، وان تُفعّل مصلحة حماية المستهلك حضورها، وأن يواكب الاعلام هذه الحملة من دون ان يغطي أحداً، لافتاً الانتباه الى ان التجار اقوياء ولديهم سلطة.

وأكد ضرورة مواجهة الفساد، “وتكفي زيارة لمسلخ بيروت لمعرفة عما أتكلم”، مشيراً الى عدم النجاح حتى الآن في تحديث هذا المسلخ، فهل هذا مقبول؟
وأوضح انه طلب من وزير الزراعة أكرم شهيب الكشف عن الفضائح الموجودة بحوزته، مشيراً الى ان من بينها انه يتم ري الخضار بمياه المجارير!

أبو فاعور: حملتنا تتوسّع

وأكد ابو فاعور لـ”السفير” أن الفحوص المخبرية غطت العديد من القطاعات في العديد من المناطق، من صور الى عكار وما بينهما، موضحاً انها شملت وستشمل المطاعم ومحال بيع اللحوم والأفران ومحال السوبر ماركت وآبار ومراكز بيع المياه، والنتائج ستظهر وتُتابع بشكل أسبوعي.

وأوضح أن العمليات ستتوسع في اتجاه الخضار والفاكهة والأجبان والألبان وكل السلع التي تعني المواطن، أما مراقبة المعلبات فليست من صلاحيات وزارة الصحة وهي تقع ضمن صلاحيات وزارة الاقتصاد والتجارة، كما ان مسألة الحلويات مشتركة بين وزارتي السياحة والاقتصاد .

واشار الى “أن الاقسام التي أعلن عن وجود مواد مخالفة فيها من لحوم ودجاج ومواد غير صالحة وغير مطابقة للمواصفات، وحدها ستتوقف عن العمل لتسوية أوضاعها، على أن تعاد الفحوص المخبرية والتأكد من سلامتها خلال اسبوع أو عشرة أيام في السوبرماركت والمحال التجارية المختلفة، بمعنى أن التدابير القانونية ستتخذ فقط في حق الأقسام المخالفة وليس في حق المؤسسة ككل”.

وبالنسبة الى الضغوط السياسية التي قد يتعرض لها، قال ابو فاعور إنه تلقى تعليمات من المرجعية التي يمثلها “وأعني وليد جنبلاط بعدم الاستماع أو الرضوخ لأي ضغوط سياسية أوغير سياسية توصلاً إلى إنجاح الخطوة المغطاة كلياً من الحزب الذي أنتمي اليه”.

السابق
الحريري للراعي: لن أنسى!
التالي
حزب الله يستعين بالتجنيد في«سرايا المقاومة»