مرضى قصور الكلى الفلسطينيين يستنجدون.. والأنروا تتنصَّل

فلسطينية
يبدو ان اعداد المرضى المحتاجين إلى غسيل الكلى، في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلى ازدياد واضح . وهو من الامراض المعروفة بالقصور التدريجي في وظائف الكلى على مدى شهور أو سنوات. ولكن ما هو موقف الأنروا ولماذا تتنصل؟ التفاصيل في مقال ينفرد موقع "جنوبية” بالتعاون مع مركز "تطوير" للدراسات بنشره ضمن أبرز المواضيع الواردة في التقرير الخامس للمركز (حلقة النقاش الرابعة).

يبدو ان اعداد المرضى المحتاجين إلى غسيل الكلى، في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلى ازدياد واضح . وهو من الامراض المعروفة بالقصور التدريجي في وظائف الكلى على مدى شهور أو سنوات. تترنح الفلسطينية فادية الاحمد (54 عاما) بين معاناتها من غسيل الكلى منذ 10 سنوات، وبين عجزها عن تسديد ثمن العلاج بسبب الضائقة الاقتصادية خصوصاً ان لا معين لها. و يشكل مستشفى “الهمشري”في صيدا ملاذا لها مع مئات المرضى الذين يعانون من قصور في الكلى دفعهم الى التآخي مع الالات الطبية في رحلة عذاب شبه يومية.

والاحمد التي تقطن في مخيم عين الحلوة، لا تستطيع تأمين ثمن الابرة البالغ 30 دولارا اميركيا، وتعتمد على اصحاب الأيادي البيضاء لتقديم يد العون لها بعدما اصيبت باليأس جراء تقديم طلبات مساعدة الى الجمعيات الانسانية والخيرية والاجتماعية لتقول “هذا قدر الله ولا اعتراض عليه، فالعين بصيرة واليد قصيرة”، لتضيف “ان العلاج هنا جيد ولا غنى عنه”.

ويعاني مرضى قصور الكلى من علاج قاس ومضن يمتد حينا على مدى شهور وفي معظم الاحيان على سنوات طويلة، ويزداد عددهم باطّراد. فالاحمد واحدة من 75 مريضا في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في صيدا وصور وبيروت، يتلقون العلاج في مستشفى “الهمشري”التابع لجمعية “الهلال الاحمر الفلسطيني” والذي يتميز بتأمينه هذه الخدمة الطبية، و يشكِّل المتنفَّس والملجأ الوحيد للمرضى الفلسطينيين ليضاف اليهم ايضا المرضى الفلسطينيون النازحون من سوريا، مخفِّفًا عن كاهلهم العديد من الأعباء المادية، في ظل غياب دور وكالة “الأونروا”وتجاهلها التام لهذه الشريحة من المرضى، لتحل “مؤسسة التعاون”و”جمعية الرعاية الصحية”بديلاً عنها بتمويل قسم غسيل الكلى.

داخل القسم، تحاول المريضة امل دياب التي أتت من مخيم الرشيدية في صور ان تخفي معاناتها اليومية مع المرض ومشقة الانتقال ونفقات العلاج معا، تقول “اقصد مستشفى الهمشري خمس مرات في الاسبوع اي انني زائرة شبه دائمة كي اتلقى العلاج وهذا الامر يرهقني جسديا ونفسيا واقتصاديا، لأن الجلسة تمتد من اربع الى خمس ساعات ويتوجب علي الحضور الى المستشفى مرتين في الاسبوع الساعة الخامسة صباحا وثلاث مرات التاسعة صباحا”.

ولا تتوقف معاناة دياب عند هذا الحد. فهي أرملة، ولديها ستة اولاد، الامر الذي يتطلب منها تأمين قوت يومهم ونفقاتهم لتزيد من ضنك عيشها سوء الاوضاع الاقتصادية، وتطالب “ادارة الاونروا بإنشاء قسم كلى في صور لتخفيف جزء من معاناة المريض الذي عليه أن يصل الى مستشفى الهمشري في صيدا”.

وتتوالى عذابات مرضى الكلى فصولا في رحلة بحث شاقة عن تأمين الدم بمعدل ثلاث مرات في الشهر، ويحتاجون كل فترة للخضوع لعملية تغيير جهاز الشريان الذي يستهلك او يصاب بالأعطال والتي تبلغ كلفتها مليون ليرة لبنانية.

وسط أصوات الالات الطبية، يصب النازح احمد سخنيني 31 عاما جام غضبه، بين نزوح قسري عن بلدته ادلب وبين معاناة غسيل الكلى وتكلفة الأدوية الباهظة التي تبلغ شهريا حوالي 450.000 ليرة لبنانية، إضافةً إلى كلفة المواصلات كونه قاطنا في منطقة صور، يؤكد “انني اترنح تحت المرض الجسدي والعجز المالي، فليس لدي وزوجتي اي معيل، وفي الوقت نفسه لست قادرا على العمل، بالكاد استطيع تنفس الهواء، واحتاج الى غسل الكلى خمس مرات اسبوعيا.

وينوه مسؤول قسم غسيل الكلى في المستشفى الدكتور أحمد جنداوي بالتأهيل الذي طال القسم، ويوضح “أفضل تغيير يكمن في الكراسي الجديدة المخصصة لمرضى الكلى وذلك لتوفير قدر أكبر من الراحة لهم ولتسهيل حركتهم خصوصاً أن بعضهم يعاني انخفاضا في الضغط بعد جلسة الغسيل، ناهيك عن زيادة عدد وحدات غسيل الكلى من 14 إلى 17 وحدة تعمل بصورة دائمة، فيما هناك وحدتان إلى ثلاث وحدات تبقى جاهزة في حال حدوث أي طارئ . وحاليا لا نواجه اي مشاكل في عملية علاج المرضى”.

ويستقبل القسم نحو 75مريضا شهريا من مختلف المخيمات والمناطق اللبنانية، ويتجاوز معدل الجلسات التي تُجرى في القسم الـ ـ600 جلسة شهريا، وفق ما يشير الدكتور جنداوي، وهناك حاليًا 62 مريضا يلازمون المستشفى، بينهم 12 فلسطينيا نازحا من سوريا، ومريضان سوريّان وهذا يتناسب مع خطة المستشفى التي تعمد الى برمجة مواعيد المرضى اي تصنيف المرضى حسب احتياجاتهم لاجراء عملية الغسيل بشكل يومي او يوما بعد يوم. وبهذا التقسيم، يمكن للأجهزة المتوفرة في المستشفى تلبية الحاجات الاستشفائية للمرضى، بعد تقسيم العمل الى فترات وهي من الخامسة صباحا لغاية الرابعة بعد الظهر.

ويواجه مرضى قصور الكلى الفلسطينيون صعوبات جمة، اذ ان المريض يصنَّف ضمن حالات الأمراض المزمنة ويحظى بالتالي، في جميع دول العالم، بعلاج مجاني تتكفَّل به الحكومات، في حين أن المريض الفلسطيني يُصنَّف وفق ما تراه وكالة الأونروا ب “الدرجة الصحية الثالثة”،
وبالتالي ترفع يدها بالكامل عن مساعدته سواء أكان من ناحية كلفة العلاج أم الأدوية الباهظة وذلك منذ عام 1982، علما أن كلفة جلسة غسيل الكلى تبلغ نحو مئة دولار اميركي.

ورغم محدودية إمكانيات الهلال الأحمر فقد تكَّفل بالتعاون مع جمعية الرعاية الصحية بعلاج أي مريض فلسطيني يحتاج لجلسة غسيل مجاناً، الأمر الذي يُشكِّل عبئا على المستشفى أحيانا، إذ إن تكلفة علاج المرضى الشهرية تتخطَّى 50 الف دولار اميركي.

وتقول مديرة جمعية الرعاية الصحية بهيجة مياسي: “يكمن دور الجمعية الأساسي في تقديم خدمة غسيل الكلى المجانية لمرضى الفشل الكلوي، والإشراف على القسم ومتابعة سير العمل فيه وإدارة المشروع مباشرة عن طريق تأمين المواد الطبية الاستهلاكية الشهرية وبعض اللوازم الطبية للقسم، إضافةً إلى تغطية حوافز بسيطة للكادر الطبي في مستشفى الهمشري تشجيعًا وتقديرًا لجهودهم.

وتضيف “أن الجمعية مسؤولة عن صيانة آلات غسيل الكلى وتكرير المياه وجهاز تجميع الكهرباء، وقد تبرَّع بها المرحوم الطبري وتضاعفت بعد التبرع السخي من مؤسسة التعاون التي نرفع لها تقارير دورية باحتياجات القسم وحالته والمستجدات بخصوصه وتأتي الميزانية بناء على دراسة الاحتياجات. كذلك تعاونا مع مؤسسة النداء الفلسطيني وهي مسؤولة عن تمويل القسم بالاحتياجات المدنية، علاوة على بعض الهبات العينية من جمعية “أنيرا”. وتستدرك بالقول : ومع ذلك تبقى هناك بعض الصعوبات التي تطرأ أحيانًا لغياب التمويل المنتظم، ولكننا نحاول قدر الإمكان تغطية ما يحتاجه المركز.

وتبذل المستشفى والجمعية قصارى جهدهما لضمان الحد الأدنى من الراحة للمرضى، ولا يترددا عن توجيه النداءات المتعددة إلى الممولين والمعنيين من أجل دعم ومساعدة هذه الشريحة من المرضى عبر تغطية كلفة المواصلات أو الأدوية نظرًا لارتفاع كلفتها، أو دعم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لشراء الحقن والأدوية، أو أي مساعدة من شأنها ضمان استمرار عمل القسم..

لكن قضية مرضى غسيل الكلى تبقى قضية تضاف الى مشكلات الشعب الفلسطيني الطبية والاستشفائية وغيرها من القضايا التي تقف الاونروا متفرجة عليها، وكأنها غير معنية بايجاد الحلول الجذرية لها كي تقي شعبنا ذلَّ السؤال والوقوف على باب المؤسسات لاستجداء الاستشفاء.

السابق
رؤية مختلفة للتاريخ
التالي
حكي جردي: ومن شاءَ منكم فـَلـْيَجْـتَرّ