الصهيونية عنصرية رغم إلغاء القرار الأممي 3397

بتاريخ 10/11/1975، أصدرت الجمعية العامة للأمم القرار رقم 3379 الذي ينص على أن “الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، وقد صوَّت لصالح القرار 73 دولة، بينما صوتت 35 دولة ضد، وامتنعت 32 دولة عن التصويت. إلا أن اللوبي الصهيوني ومن خلال نفوذه السياسي في الأمم المتحدة وبالتعاون مع حلفائه لا سيما أمريكا، وخلال 16 سنة من العمل المستمر، استطاع إجبار الجمعية العامة وفي خطوة غير مسبوقة، على إلغاء القرار واستبداله بالقرار رقم 8646 لتاريخ 16/12/1991 حيث صوت لصالح الإلغاء 111 دولة، وعارضته 25 دولة، وامتنعت 13 دولة عن التصويت، وتغيبت 17 دولة عن الحضور، وجاء قرار الإلغاء في كلمات معدودة صاغها نائب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك لورنس إيغلبرغ؛ “تُقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة نبذ الحكم الوارد في قرارها رقم 3379”.

وبعد 16 سنة على إلغاء القرار وحتى يومنا هذا، يكاد لا يختلف إثنان من أن صفة العنصرية لا تزال ملازمة للصهيونية، فما الذي يدفع دولاً صادقت على قرار بهذه الأهمية الإستراتيجية في سياق الصراع مع الإحتلال للتراجع، فهل تغيرت الصهيونية مثلاً ولم تعد شكلاً من أشكال العنصرية؟ أوليس إصدار قوانين مصادرة أراضي الفلسطينيين والبناء عليها بعنصرية، أوليست محاولات تهويد القدس والأقصى سواءً على مستوى الحجر أو البشر بعنصرية، أوليس مطالبة الإحتلال بشطب قضية اللاجئين وحق العودة والطلب للفلسطينيين والعالم بالإعتراف بيهودية الدولة بعنصرية، أوليس إحتلال أرض الغير وطرد أهلها منها وارتكاب المجازر بحق سكانها الأصليين وتغيير إسمها، واستجلاب ملايين اليهود ليسكنوا نفس البيوت بعنصرية، أوليس اعتبار القرى والبلدات المهجرة داخل فلسطين المحتلة عام 48 مناطق مغلقة وعسكرية وتابعة “للدولة” وأهلها مُهجَّرون يسكنون بالقرب منها ويُمنع عليهم حتى زيارتها بعنصرية؟،.. وهذه الأمثلة ليست بحصرية..

في نهاية خمسينيات القرن الماضي، وربما لأول مرة تم وصف الصهيونية بالعنصرية، ذلك من خلال مؤتمر دولي عقد في القاهرة بتاريخ 26/12/1957 لتضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية، فقد تم تبني الفقرة الأولى من تقرير الأوضاع في فلسطين والذي قدمه الوفد الفلسطيني المشارك؛ “من الواضح أن مشكلة فلسطين إنما تبنع من مؤامرة إمبريالية صهيونية هدفت إلى طرد السكان الأصلييين من وطنهم بحيث يمكن إنشاء دولة تجسد المصالح الإمبريالية، لها مخططات الصهيونية التوسعية العنصرية العدوانية”. خلال حوالي العشرين سنة بقي مصطلح وصف الصهيونية بالعنصرية مُتداولاً وبشكل محدود في الأروقة الثقافية والفكرية والأدبية والسياسية، ولم يتخذ شكله القانوني إلا في العام 75، حينها لم يتمالك ممثل الكيان الإسرائيلي في الأمم المتحدة حاييم هرتسوغ نفسه، ليقف أمام ممثلي الدول الأعضاء وليمزق نص القرار قائلاً؛ “الأمم المتحدة التي صاغت القرار هي نفسها من سيُلغيه”. ومنذ أن اتخذ القرار شكله التشريعي، تغيرت مواقف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من الصهيونية والإحتلال لصالح حقوق الشعب الفلسطيني.

استشعر القادة الصهاينة الخطر الداهم على مشروعهم الإستراتيجي وما الذي يمكن أن يحققه القرار الأممي في الوعي واللاوعي الرسمي والشعبي الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي الذي يُمكن أن يُمهد لزوال دولة الإحتلال عن فلسطين، لتبدأ معركة جديدة من معارك الدهاء والخبث السياسي والدبلوماسي والعلاقات العامة للكيان الصهيوني وأمريكا باستهداف الدول التي أيدت القرار وممارسة الضغط السياسي والإقتصادي بانتظار الظروف المناسبة للمطالبة بالإلغاء، فأول ما طالب به الإحتلال من الرئيس المصري أنور السادات بعد زيارته لفلسطين المحتلة عام 1977 بأن يساعد دولة الإحتلال على شطب القرار، وهددت أمريكا بمعاقبة الدول التي تستمر في التأييد، وفي العام 1985 طلب الكونغرس الأمريكي من الحكومة الأمريكية القيام بخطوات جادة لإلغاء القرار، وفي الذكرى الأربعين لإنشاء الأمم المتحدة وجه الرئيس الأمريكي رونالد ريغن كلمة إلى المنظمة الدولية يبلغها فيها رسمياً بأن “القرار 3379 أبشع قرار اتخذته الأمم المتحدة في مجمل تاريخها”، وطالبها بإلغائه، واتخذت آلاف المنظمات غير الحكومية قراراً بضرورة إعادة الإعتبار للقرار 3379، وذلك خلال مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية الذي عُقد في جنوب أفريقيا، وفي ليلة 31/8 – 1/9/2001، تحوَّل الحدث إلى الخبر العالمي الأول، ترتب عليه إنسحاب “إسرائيل” وأمريكا من المؤتمر.

انتهت حرب تحرير الكويت في أواخر شباط/فبراير 1991 وفي أوائل آذار/مارس بدأت التحضيرات لعقد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، استغل الكيان الصهيوني الفرصة واعتبرها الظرف المناسب، مبدياً الشرط الرئيس لمشاركته في المفاوضات إلغاء القرار، حملت واشنطن المقترح للدول العربية والإسلامية المعنية التي “تفهمت” المقترح، واقتنعت منظمة التحرير الفلسطينية بضرورة القبول بإلغاء القرار ثمناً لمطلبها بأن يكون لها إسهام في مؤتمر مدريد وكان موقفها؛ “نقبل البحث في مبدأ إلغاء القرار، إذا ثبت صدق نوايا إسرائيل في بلوغ السلام”!، عُقد مؤتمر مدريد في 31/10/1991 وأُلغي القرار الأممي في 16/12/1991.

للأسف في الوقت الذي كان فيه اللوبي الصهيوني وحلفائه يسعى للإلغاء، لم يكون هناك على التوازي حراك فلسطيني وعربي وإسلامي ودولي لتثبيت القرار وممارسة المزيد من التوعية والتعريف، بعد 39 سنة على صدوره وحوالي 23 سنة على الإلغاء، يمكن إعادة الإعتبار وإحياء القرار من جديد فالظروف الموضوعية والعلمية قائمة، والشواهد تكاد لا تحصى، لكن بحاجة إلى إرادة سياسية رسمية وأدوات شعبية مُحرِّكة وفاعلة..

 

السابق
القيسي بعد ميرازي تترك «العربية» احتجاجاً
التالي
زيارة الرئيس ميشال سليمان لطرابلس واحداث 7 ايار: للعبرة أم لماذا؟