الصراعات سنّية – سنّية أم سنّية – شيعية؟

لا أحد يستطيع إلاّ أن يوافق الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في اعتباره أن العالمين العربي والإسلامي يعيشان حاليا حرباً سنّية – سنّية.

ففي مصر الصراع الدائر حالياً هو بين “الإخوان المسلمين” والملايين من شعبها الذين أخرجوها من السلطة بمساعدة من الجيش. ويشكل المسلمون السنّة الغالبية الساحقة فيه. وفيها أيضا حرب بين النظام ومنظمات إسلامية أصولية “تكفيرية وإرهابية” سنّية. وفي فلسطين المسلمة السنّية بغالبية شعبها يدور صراع بين “منظمة التحرير” بزعامة فتح والسلطة الوطنية وبين “حركة حماس” الأصولية. وهو صراع مزمن اتخذ في مرحلة معينة شكل الحرب التي جعلت من الضفة الغربية وقطاع غزة “كيانيْن” متصارعين على سلطة وهمية في دولة وهمية. وفي ليبيا السنّية بكاملها حرب محتدمة بين تياراتها الإسلامية الأصولية والأخرى المعتدلة تكاد أن تقسمها دولا أو ولايات غير متحدة. وبدأ ذلك بعد إطاحة النظام السابق وزعيمه القذافي، وسببه الفعلي لم يكن تطبيق الشريعة كما يقول فريق أو إقامة دولة مدنية وديموقراطية دينها الإسلام كما يقول آخر، بل الاستئثار بالسلطة وخيراتها. وفي باكستان حرب محتدمة بين الاسلام المعتدل والآخر الأصولي المتشدد والثالث الإرهابي والتكفيري. واللائحة تطول.
لكن أحدا لا يستطيع إلا أن يعترف بشيء تجاهله الأمين العام لـ”حزب الله” رغم معرفته العميقة به، وهو ان العالميْن العربي والإسلامي يعيشان أيضا حرباً سنّية – شيعية في عدد من دولهما، وفي عدد آخر منها صراعاً سنّياً – شيعياً قابلاً لأن يتحول حرباً. ففي مملكة البحرين الصراع سني – شيعي بتأكيد مستمر من “الحزب” وحلفائه الإقليميين في كل وسائل إعلامهم. وفي العراق حرب سنّية – شيعية طاحنة حالياً بعدما كان مسرحا في أيام نظام صدام حسين وأسلافه لحروب عربية – كردية متقطعة ولكن دامية. ولا يمكن طبعا إنكار جانب سنّي – سنّي من الحرب المشار اليها تمثل في إقدام “داعش” على قتل مئات السنّة وفي استعداده لقتل آلاف منهم إذا لم يقدموا له البيعة والولاء والطاعة. لكنه هامشي أو ثانوي لأن “داعش” قتل آلاف الشيعة ويهدد بقتل آلافٍ أخرى منهم وباجتياح مناطقهم، ولأنه سيحافظ هو أو من يخلفه (غصبا عنه) على المنطقة السنّية ويخلصها من ما يعتبره أهلها سيطرة شيعية ساعدت إيران الشيعية في فرضها عليهم. وفي سوريا تحولت الثورة السلمية حرباً أهلية يغلب عليها الطابع المذهبي. ذلك ان عجز نظام الأسد عن إخمادها في البداية دفع بإيران الى مساعدته بالمال والسلاح والخبراء من عندها وبالمقاتلين من لبنان والعراق وغيرهما. ووسائل الإعلام تشهد على مذهبية الحرب. ولا يفيد هنا إخفاء ذلك بالقول انها حرب أميركية – صهيونية. فعندما بدأت الثورة كان “السيد” أحد القائلين بأن أميركا فوجئت بها. لكن ربما صارت كذلك إلا أن هذا التحول اضيف الى طابعها المتجذر الذي كانت تخفيه الأجهزة الأمنية والعسكر اي المذهبي، ولم يكن على حسابه.
الى ذلك كله لا يستطيع أحد تجاهل وجود معسكرين إقليميين متخاصمين ومتحاربين بالواسطة أي بالوكالة. معسكر عربي – إقليمي عماده مجلس التعاون الخليجي بزعامة المملكة العربية السعودية وتركيا والأردن وقسم من لبنان ومعسكر عربي – إقليمي آخر تقوده إيران الإسلامية وفيه نظام الأسد في سوريا، “حزب الله” وحلفاؤه في لبنان. ولصراعهما وحروبهما جانب سلطوي يتمثل في اعتزام معسكر إيران التحول زعيماً للمنطقة كلها وفي رفض المعسكر المقابل له ذلك، ولهما أيضا بعد مذهبي مضافاً الى البعد القومي المأزوم منذ قديم الزمان بين العرب والفرس وخصوصا بعد نزول الإسلام. ومن يسمع رجال الدين في المعسكرين او بالاحرى كلامهم يعرف هذا البعد. مع العلم أن إيران قد تكون أكثر براعة في اخفاء المطامع ومذهبية الصراع بإبراز المواجهة مع أميركا وإسرائيل، وهي حصلت. وفي لبنان كانت إحدى معاركها.
وأخيراً لا يستطيع مطّلع ومتابع إلا أن يحمّل إيران مسؤولية ايقاظ التيارات الإسلامية الاصولية السنّية من سباتها ودفعها الى التحرك اقتناعا منها بقدرتها على السيطرة عليها، لكن المذهبية فعلت فعلها. فخرجت بغالبيتها عن الطاعة. تماما مثلما فعل “المتشدد” منها مع أميركا ثم السعودية اللتين رعتا ولادتها إذ تخلت عنهما بعدما اشتد عودها. لماذا إثارة هذا الموضوع اليوم؟

http://newspaper.annahar.com/article/187962

السابق
التمديد أو عدمُهُ سيّان: النظام قوي والمسيحيّون ضعفاء
التالي
المشرق بعد سايكس ـ بيكو