سليمان: يقولون لي ابق تحت الخوف إما نقتلك.. ولن أسكت

ميشال سليمان

جميل جداً ان تكون في ضيافة «رئيسٍ سابق» في شرق الانقلابات العسكرية والرؤساء مدى الحياة وتوريث الكراسي والتربّع فوق الجماجم…فها هي «لعنة القصر» تتسبّب بدمار سورية وخراب العراق وانهيار ليبيا وتحطُّم اليمن ومعاناة مصر…وبخريفٍ يلفح لبنان.

جميل جداً ان يستقبلك «الرئيس السابق» كمواطنٍ، بلا ربطة عنق ولا ربطة لسان، ويحدّثك عن حنينه الى حياةٍ عائلية عادية والتبضّع في السوق والوقوف في الصفّ، وعن انه غير نادم على عناده برفض البقاء في القصر وفخورٌ بـ «رتبة مواطن».

هو فخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الذي غادر القصر يوم انتهاء ولايته في 24 مايو الماضي، من دون ان يغادر «صوته العالي» الحياة السياسية. يقيم الآن في شقة في أحد المباني السكنية المطلة على وزارة الدفاع في اليرزة والقريبة من القصر الجمهوري في بعبدا.

لم يكن اللقاء مع فخامته في جوار القصر الرئاسي، الذي صار مهجوراً يسكنه الفراغ منذ 169 يوماً، مبرْمجاً لحوارٍ سياسي او حديث ذكريات، لكن الجلسة مع «العماد» الذي كان قائداً للجيش لعشرة أعوام و«الرئيس» لستة أعوام، سرعان ما تحول «سين جيم».

من الكلام الكثير عن تمديدٍ لولايته «لم يبصر النور» بسبب رفضه مبدأ التمديد الى ملابسات انتخابه، ومن تجربته العسكرية في لحظة انقسامٍ سياسي لا سابق له الى خلاصات عهده الرئاسي، ومن مواقفه «المثيرة للجدل» الى المواقف منه ولا سيما الحملات عليه، عناوين كانت حاضرة على الطاولة.

أوّل الكلام كان سؤاله عن شعوره كـ «رئيس سابق» وحصانته من «لعنة القصر» التي أصابت سواه…فردّ الرئيس سليمان قائلاً: «ربما لا يدرك أحد كم كنتُ فرحاً ومسروراً وانا أغادر القصر الجمهوري. قد يظن البعض انني مريض او أعاني من مركّب خاطئ لانني سُعدت بمغادرة القصر عندما انتهت ولايتي ولم أستجب لمداخلات من الخارج والداخل لإقناعي بالعدول عن موقفي برفْض تمديد ولايتي».

وبعفويةٍ ومن دون ديبلوماسية، مضى ابن الـ 66 عاماً الذي كان التحق بالجيش اللبناني ايام نكسة الجيوش العربية في العام 1967، في كلامٍ ربما لم يكن مباحاً من قبل: «غالباً ما تكون العلاقة بين الأب وبناته اكثر حناناً، ففي أحد الأيام شعرتُ بان ابنتيّ تخشيان ان أكون منزعجاً لانني سأغادر القصر (…) والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كان ارسل لي مَن يقنعني بالتمديد وعاتبني عندما عدتُ والتقيتُ به لإصراري على موقفي».

وبصراحةٍ يذهب الرئيس سليمان الى «البدهيات» في تظهير موقفه: «كدتُ أشعر بأن إصراري على ترْك القصر مع انتهاء ولايتي موقف مرَضي رغم انني وبكل بساطة اشتقتُ لحياة المواطن العادي بعدما أمضيتُ عشرة أعوام كقائد للجيش وستة أعوام كرئيس للجمهورية…أريد ان أنزل الى السوق وأشتري وأتنزه وأمارس حياتي العادية وفي شكل حضاري وأفرح مع عائلتي».

ولهذا حرص رئيس الجمهورية على مغادرة القصر ظهر يوم 24 مايو: «تركتُ في وضح النهار بعدما ألقيتُ خطاب نهاية الولاية. لم أعدّد إنجازاتٍ بل تحدثتُ عن قضايا تحتاج الى متابعة وتصحيح في إدارة الحكم. لا أحب الكلام عن إنجازات، ما من أحد صنع انجازاً في لبنان، وجميعنا ما زلنا من دون استحقاق مراكزنا. ومَن يظن انه يستحق مركزه فليرفع يده. ما زلنا أدنى من السقف الذي يستحقّه لبنان».

وبلهجةٍ ممزوجة بكبرياء ومرارة، أكمل «فخامة العماد» كلامه: «خرجتُ بموكبٍ رسمي وجئتُ الى هذه الشقة التي قالوا، وقبل ان أسكنها، انها قصر وهي في مبنى سكني مأهول، وعندما لم ينطلِ الأمر على الرأي العام، سبقوني الى فرنسا يوم ذهبتُ لتطبيب أحد أفراد أسرتي وقالوا إنني اشتريتُ فيلا ضخمة مع انني استأجرتُ شقة لمدة شهر (…)».

«فخامة الرئيس ألا تحنّ حقيقة الى قصر بعبدا غير البعيد من هنا؟»…أجاب سليمان وهو يؤشر بيده الى مبنى على مرمى العين من سكنه الحالي: «لا…لا أحنّ الى القصر، أحنّ الى هذا…وزارة الدفاع، ولهذا السبب يمكن ان ترى مبناها وبسهولة من على شرفتي، أما القصر الجمهوري فرغم قربه، الا انه خارج الصورة».

لماذا وزارة الدفاع؟ نسأله…وبحميمية يجيب: «نعم عيناي ليست على القصر انما قلبي في الجيش، كون هذه المؤسسة هي صمام الأمان الاساسي، وهو أمر لا يقلل من شأن المؤسسات الأخرى في البلاد، لكن وزارة الدفاع هي الرقم واحد بالنسبة لي، تركيبتها تشبه لبنان بصيغته وطبيعته ومزاياه».

كأنكم أقلّ حماسة لتجربتكم الرئاسية، قلنا لفخامته، الذي سرعان ما ميّز بين شغفه الذي لن يغادر وزارة الدفاع واعتزازه بما قام به في رئاسة الجمهورية: «رغم انني لا أحنّ الى القصر الجمهوري، فان الأمر لا يعني انني غير فخور بما حققتُه وبالقضايا التي وضعتُها على الطاولة وبالتعاون مع فريق العمل في الرئاسة او فريق العمل السياسي الذي يجسّده عادة مجلس الوزراء».

ورغم المصاعب والتحديات والأخطار التي واجهتْ الرئيس سليمان أيام القصر، فانه يملك من الذكريات الحلوة والمُرة ما يجعله شديد التعلق بتلك التجربة لا بالمكان (اي القصر)، وهو يحرص على تمضية «صبحيّة» كل يوم مع الستائر المفتوحة على المبنى المرقّط (وزارة الدفاع) ورجاله الأشدّاء أصحاب الجباه المرفوعة.

سألنا الرئيس سليمان: أكثر من طرف جاهر بتأييد التمديد لولايتكم، ألستَ نادماً لرفْضه وعدم قطع الطريق على الشغور الرئاسي عبر البقاء في موقعك كجزء من «الستاتيكو» الانتظاري الى حين التوافق على رئيس جديد؟ يجيب: «لستُ نادماً بالتأكيد. على المرء في بعض الاحيان، المبادرة الى الفعل بهدف تغيير واقع معيّن. وعندما قلتُ لا اريد التمديد هدفتُ لأمور عدة منها:

اولاً: الابتعاد عن موقع المسؤولية كي أستطيع التصرف بحرية أكثر على المستوى الوطني والسياسي.

ثانياً: إحداث صدمة تنهي نغمة التمديد والتمديد والتمديد…علينا ان نتذكّر انه حتى في قيادة الجيش جرى التمديد ايام (الرئيس) العماد اميل لحود ولمدة تجاوزت سنّ التقاعد وهذا خطأ، وجرى التمديد لرئيسيْن، ولذا قلتُ إنني أريد قلْب هذه الصفحة والخروج مع انتهاء ولايتي.

ثالثاً: وهو ربما الأمر الأهمّ، لقد اردتُ ان أعطي الرئاسة قيمتها التي تتجاوز التمسّك بالكرسي، اي الموقف الذي يليق بالموقع. كان عليّ الاختيار بين البقاء في السلطة وبين الموقف، واخترتُ الموقف. قيل ان البعض اقترح التمديد لستة أشهر – لم يجرؤ احد على طرح الامر عليّ – وها هي الستة أشهر مرّت (انتهت) وبقيت مواقف رئيس الجمهورية التي أعلنتُها وجاهرتُ بها بكل جرأة ومحبة. طبعاً بعض الأطراف لم يتعاطوا معها بمحبة، بل بكلام موصوف عن مؤامرات وخيانات وخدع، وهم يحاولون مسح هذه المواقف من أي أمر في الدولة، في الداخل او في السياسة الخارجية لانهم أدركوا انني تركتُ الموقع لكن الموقف بقي».

واذ يكشف «ان أحد سفراء الدول الكبرى جاءني قبل اسبوع من نهاية الولاية وقال لي من جديد: نريد ان تمدّد»، يجيب فخامته حين سألناه: التمديد لسنتين؟ «لم يتحدّث عن المدة، قال لي بعدما أبلغتُ اليه رفضي…» قد ما بدك منمدد اذا كنتْ موافقا ولفترة قصيرة اذا بدك، «فكان ردّي الحاسم: لا اريد التمديد لانكم ستأتون اليّ في ما بعد لتقولوا لي عندنا أزمة لا يمكن الخروج منها إلا بالتمديد ايضاً، لذا ومن أول الطريق لا اريد التمديد، وهذا الامر كان يوم اثنين في 19 مايو الماضي».

وكشف الرئيس سليمان عن ان «دولاً كثيرة، تحدثت اليّ في شأن التمديد وكان جوابي النهائي» لا «كبيرة. والرئيس هولاند فاتحني بهذا الامر قبل عام ونصف العام وهناك دول خليجية تمنّت عليّ قبول الامر، لكنها أيقنت في ما بعد أن موقفي حاسم».

المشكلة ان ثمة مَن أراد إضعاف الموقع ام تطويع الموقف؟…«انهما مرتبطان بعضهما ببعض»، بحسب الرئيس سليمان، الذي قال: «الموقع لا يعود موقعاً اذا لم يكن مقترناً بالموقف، ولذا فان الذين يتحدثون الآن عن الرئيس القوي والرئيس الضعيف نريد ان نسألهم عن معنى القوة والضعف» «8 مارس» تعتبر ان «الرئيس القوي هو مَن يقف مع النظام السوري وحلفائه، والآخرون يقولون إن الرئيس القوي كذا وكذا…انا لم أكن مع هؤلاء ولا مع اولئك. لم أنتمِ الى الحلف المؤيّد للنظام في سورية ولا الى الحلف المناهض له، ايران وتركيا وسواهما حاولت دعوتنا للانخراط في تكتلات ومحاور فلم أقبل. نحن علاقاتنا المميزة، بحسب اتفاق الطائف، هي مع سورية كلها وليس النظام، نحن مع الشعب السوري والمجتمع السوري والجغرافيا السورية والتاريخ السوري. لذا ليس بسهولة يمكن ان نمشي مع نظامٍ ضد الشعب او مع الشعب المنقسم ما بين مؤيد ومعارض للنظام، ولذلك فضلتُ السياسة التي اعتمدتُها، أي»إعلان بعبدا«، وهم كانوا يريدون مني إما إلغاء الموقف وإما تبني موقف آخر على ذوقهم، وهو امر غير وارد بالنسبة إليّ».

كان من الطبيعي ان يخرج الرئيس سليمان من القصر الجمهوري مع انتهاء ولايته، رغم ان هذا الأمر يكاد ان يصبح غير مألوف مع التمديد لرئيسين سبقاه (إلياس الهراوي وإميل لحود) ورغبة البقاء في القصر التي راودت أكثر من رئيس في تاريخ لبنان…أما غير الطبيعي وغير المألوف وغير الجدير بما تبقّى من «ديموقراطية لبنان» هو ان يتسلم ميشال سليمان الرئاسة من فراغ ويسلّمها الى فراغ في مفارقةٍ لم تعرفها الجمهورية من قبل، ولذا سألناه: ماذا يعني ذلك، هل يؤشر الى ما يدور همساً عن ان توازنات الأمر الواقع، او واقع الأمر في لبنان قد تحرم المسيحي من الرئاسة وسط كلام عن انك قد تكون آخر رئيس ماروني؟ لم يكن الرئيس سليمان يحتاج الى عناء تفكير ليقول: «لا طبعاً، ان مجريات الأحداث في لبنان والدول العربية تدلّ على عكس ذلك…لبنانياً، وإسلامياً تحديداً، وعربياً ثمة إرادة كبيرة جداً وحاسمة ببقاء المسيحي في سدّة الرئاسة رغم ان المسيحيين يشكون بين الحين والآخر من مسألة الصلاحيات».

وفي تقدير الرئيس سليمان «ان المسلمين أرادوا واجهة لبنان مسيحية قبل المسيحيين، وثمة كبار قالوا: لقد أوقفنا العدّ، وكثر هم الذين قالوا لن نتخلى عن المناصفة، ولكن للأسف ان تصرفات الاطراف المسيحية هي التي تؤدي أحياناً الى التخلي عن الدور الريادي للمسيحيين مقابل محاصصة سياسية».

وبدا فخامته كمَن يريد «بقّ البحصة» بعدما كان موقفه في سدة الرئاسة يملي عليه «المداراة»، فقال: «اخترعوا لنا قصة التمثيل المسيحي والتمثيل غير المسيحي. ألم يحجّمنا (مشروع قانون الانتخاب) الأرثوذكسي لدى طرحه؟ ألم يأت البابا يوحنا بولس الثاني الى لبنان ليقول لنا إنكم رسالة؟ لمَن وجّه رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم قاطبة هذا الكلام؟ أليس الى المسيحيين الذين خرج من بينهم مَن يقول ان على المسيحيين تمثيل أنفسهم بمعزل عن شركائهم؟».

وسأل هذا الرجل الآتي من الموقعيْن المارونييْن الأوّليْن: الرئاسة وقيادة الجيش «مَن يقول ان المسيحي الذي ينتخبه المسلم ليس مسيحياً؟ هل انتخبوه لاعتبارات تتعلق بهويته الشخصية أم لما يجسّده من قيم حضارية؟ عندما قال المسلمون اننا نريد حفظ المناصفة هل احتكموا الى العدد ام الى ما يمثّله المسيحيون من حضارة وحداثة وتاريخ وريادة؟ هل المسيحي الذي يختاره المسلمون ولم يشاطر هذا الفريق او ذاك مواقفه السياسية يفقد مسيحيته؟ اذا مثّل المسيحي 80 ألف مسلم يكون غير ممثِّل واذا مثّل 10 آلاف مسيحي يكون ممثِّلاً؟ هل يريد هؤلاء ان يمثّل «داعش» السنّة في لبنان؟ هل يقبلون بوجود 64 نائباً مسيحياً تختارهم الزواريب المسيحية مقابل 5 من «داعش» في البرلمان؟ هل هذا ما نريده وهل هذه هي رسالة البابا يوحنا بولس الثاني الى المسيحيين ام ان رسالته هي حضّهم على العيش الواحد على الأرض وليس بالأنظمة والقوانين فحسب؟».

فراغٌ بعد فراغ في رئاسة الجمهورية، هل يتحمّل المسيحيون المسؤولية ام ثمة عطْب ما يحول من دون انتخاب الرئيس؟ يجيب سليمان: «إنه التفسير الخاطئ للديموقراطية. فالديموقراطية تقوم على الأكثرية والمعارضة والوسط، وتالياً على الجميع النزول الى البرلمان والاحتكام الى الديموقراطية في انتخاب رئيس جديد. أما القول ان عليكم انتخاب ممثل المسيحيين فهذا امر غريب. أقنِعني اولاً انك انتَ ممثل المسيحيين. وانا أعتقد ثانياً ان اختيار المسلم للمسيحي هو افضل من اختيار المسيحي للمسيحي على مستوى التمثيل، فمَن يختاره المسلمون هو أكثر تمثيلاً لأنهم هم أكثر عدداً في لبنان، وتالياً يجب إخراج عملية التمثيل من المعايير الطائفية والمذهبية والاحتكام فيها الى النسبية مع المحافظة على المناصفة، اي يفترض وضع قانون انتخاب يُبعِد الطائفية. هذا هو الحل الوحيد لترجمة إلغاء الطائفية السياسية التي نصّ عليها اتفاق الطائف، اي إلغاء قاعدة الاختيار الطائفي مع الحفاظ على المناصفة الطائفية والحؤول من دون مجيء مجلس نواب من «طائفيين» مسلمين ومسيحيين. وبهذا الخيار نتحرر من عبء العدد ونضمن الإفادة من غنى الطوائف كجماعات حضارية وثقافية».

ويعرب الرئيس سليمان عن اعتقاده ان خياراً من هذا النوع (النسبية) يشكل حلاً يتماشى مع روح العصر وأزماته وظواهره، ويقول: «يخرج علينا مَن يقول ان هذه الصيغة لم تنجح في اي دولة من دول العالم، وهؤلاء يتجاهلون ان لكل دولة تركيبتها وظروفها. وعلينا ان نسأل هل ديموقراطية العالم بتقاليدها المعروفة والقائمة على العددية ما زالت صالحة؟ في رأيي انها لم تعد تصلح لإدارة شؤون الناس خصوصاً بعد ظهور جماعات كـ «القاعدة» و «داعش» وسواهما، لأن مثل هذه الظواهر قد يكون سببها غياب العدالة. ومع التطور التكنولوجي الهائل واتساع مناخ العولمة وتشعُّبه، لم يتطوّر النظام الديموقراطي وبقي على قاعدة حكم الـ 51 في المئة لـ 49 في المئة، وهو أمر غير عادل، ولذلك عِوَض ان تنتج من تلك الاختلالات حرب عالمية ثالثة تقليدية كانت حربا عالمية ثالثة عن طريق الإرهاب، فتحرّكت الجيوش من دول الى دول وسقط ضحايا وتمّت السيطرة على موارد إستراتيجية كالنفط والمياه، حتى ان ما كان يقال عن خطر سيطرة تنظيم إرهابي على سلاح نووي يكاد الا يكون مستبعداً اليوم، وهذا كله لأن النظام في العالم يحتاج الى مقاربة جديدة».

وبانتقاله الى لبنان «المعوْلم بشعبه» يرى رئيس الجمهورية السابق «ان لبنان يتمتع بنظام مختلف عن الأنظمة العددية الديموقراطية ويؤمّن المشاركة، ولكن هناك سوء تطبيق من قبلنا، علماً ان نظامنا هو الأًصلح للعالم الجديد عند حُسْن تطبيقه».

ويقر سليمان بالحاجة الى تحسين النظام الانتخابي في لبنان «المطلوب وعيٌ أكثر من الناس ورفْض تجّار السياسة وعدم السماح بعودة الإقطاعية السياسية التي اعتقدنا انها انتهت، وإذ بنا نفاجأ بإقطاعيين جدد، بعضهم أتى الى السياسة من مؤسسات غير إقطاعية وفيها من كل الناس وكل الطوائف وكل المناطق، وتجده أكثر اقطاعيةً من اقطاعيي الزمن البائد ونسمعه يقول: صهري وابني وابنتي، فنشعر بأن الخيارات صارت محكومة بالمصالح الشخصية والعائلية والمال، وهذا ما يجب ان يرفضه الشعب ويتجاوز الخوف».

ويؤرق سليمان «مناخ الخوف» فـ «المواطن يخاف من فقدان وظيفة او خسارة سنَد سياسي، اما المسؤول فيخاف الا يبقى في السلطة والا يؤمن استمرارية سلطوية لأولاده او ان يقتلوه ويشتموه ويفبْركوا له الفضائح، كما يفعلون معي».

ويضيف الرئيس سليمان: «قلتُ كلمتين في ميفوق (في منطقة جبيل) وما لبثتْ ان انطلقت حملة الشتائم ضدي والفبركات، وهذا يعني انهم يقولون لي ابق تحت الخوف، إما ان نقتلك وإما ان نفبْرك لك الفضائح. المواطن مقيّد من حيث لا يدري وعليه ان يتحرر. انا مواطن وتحررتُ من الخوف، وغالباً ما كنتُ أستغيب مستشاريّ عندما ينصحونني بالتهدئة فأطمئنهم لكنني أعود وأقول ما أريد قوله».

وعندما نقول له ان انتخابات الرئاسة في لبنان لها طبقتان، واحدة محلية قائمة على التوازنات الداخلية، وثانية اقليمية مقرِّرة، وتحديداً على مستوى السعودية وايران، وان انتخابه رئيساً العام 2008 لم يأت الا نتيجة التسوية الاقليمية في الدوحة، يجيب: «أسألكم ما الموقف الخارجي الذي أُملى عليّ؟ ولماذا في رأيكم انتخبوني كشخص؟ هناك محطات عدة في مسيرتي ساهمت في اختياري، منها: التصدي للإرهاب في الضنية ونهر البارد (شمال لبنان) بداية العام 2000 وصيف العام 2007، وتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في مايو الـ 2000، والذي هو إنجاز للمقاومة لا أريد أن أجيّره، ولكن الجيش طبعاً كان مواكباً وداعماً، وبعدها عودة الجيش الى الجنوب بعد غياب 36 عاماً في أعقاب حرب يوليو 2006، وهذا الأمر كان قراراً، فمنذ ان ضرب العدو الاسرائيلي مركزاً للجيش قلتُ للعسكريين لا تخافوا ستذهبون الى الجنوب وستكونون الحل، وإذا انهارت معنوياتكم سقط الحل».

ويعيد الرئيس سليمان الى الذاكرة احدى المحطات الحساسة التي نجح في إدارتها بحكمة وحزم عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري اي «التظاهرات الكبرى في العام 2005، وتحديداً في 14 مارس والتي استوقفتْ العالم كله، وجاء بعدها قادة جيوش و وزراء دفاع وسألوني كيف استطعتَ حفْظ لحمة الجيش في تعاطيه مع هذه المحطة، وكيف استطعتَ تفادي الاحتكاكات بين الناس، وكيف تمكّنتَ من التمرد على القرار السياسي وبقيتَ عسكرياً في الوقت عينه؟ فكان جوابي ان القرار السياسي له الأفضلية على القرار العسكري، لكن الأول لا يمكن ان يتجاوز الدستور الذي يكفل حرية التعبير، وهو اي القرار السياسي يمنع التظاهرة بقصد حفظ الأمن لا منعاً لحرية التعبير، وأنا قلتُ لهم سأضمن الأمن ونفذتُ القرار السياسي بما يضمن حرية التعبير. واتخذنا التدابير اللازمة في مكان التظاهرة وكنتُ كل يوم أنزل الى القاعدة البحرية وأنبّه العسكريين الى ضرورة تلافي وقوع اي احتكاكات مع المتظاهرين او حصول إطلاق نار عن طريق الخطأ».

ويضيف: «سئلت من وفود اجنبية كيف ان العسكري نفسه ترسله لمحاربة اسرائيل وفي الوقت نفسه هو يحارب الارهاب ويحفظ المظاهر الراقية لحرية التعبير، اي كيف يقوم بكل هذه الامور فيحفظ الديموقراطية ويتصدى للارهاب ويحارب اسرائيل ويدعم المقاومة؟ فقلتُ: نعم هذا عسكر. فكان الجواب: هذا عسكر متنوّع، وفي جيوشنا ومع انه عسكر منسجم نعطي أوامر وأحياناً يرفض بعض العناصر التنفيذ، فكيف يقبلون معك؟ وكان ردّي ان العسكري يجد طموحاته داخل المؤسسة العسكرية، وقرارات الجيش تلبي 60 او 70 في المئة من الطموحات السياسية لكل عسكري ومنطلقاته الدينية وطموحاته العائلية والوطنية».

وحين نتوقف عند محطة 7 مايو 2008 اي العملية العسكرية التي نفذها «حزب الله» في بيروت ومحاولته اقتحام الجبل يوم كان قائداً للجيش يقول: «حسناً 7 مايو حصلت. ولكن هل الجيش اللبناني هو الذي يحمل عبء 7 مايو؟ كنتُ أقول اننا عندما تقاتلنا مع غير لبنانيين قمنا بدورنا ونجحنا، ولكن عندما اصطدم اللبنانيون ببعضهم لم نستطع الاضطلاع بما علينا. وليس صحيحاً ان الجيش وقف في 7 مايو على الحياد. الجيش استُبق و«فاتو الناس ببعضهم» وصاروا داخل البيوت. طبعاً هي محطة بشعة جداً وهذا لا يعني ان الجيش كان على الحياد، ولكن حصل انفلات وكانت حفلة مدبّرة في ليل وخرجوا وأصبحوا في البيوت وبات التصدي للأمر من سابع المستحيلات. ومع الوقت ولو طال الأمر لكانت حصلت اشتباكات مع الدولة…هم باتوا في المنازل والأحياء قبل ان يعرف الجيش ما الذي يحصل».

ويضيف: «ما حصل في 7 مايو هو ضدّ العقد الاجتماعي، وعندما يفعل البعض هذا، فمعنى ذلك انهم لا يريدون الدولة ولا يعترفون بها. ترون الجيش ماذا يفعل اليوم مع الارهابيين، هو يحارب حتى النهاية». ويتابع: «7 مايو مؤسفة جداً وتحتاج الى الكثير لنتمكن من محوها من تاريخ لبنان، اي ان هناك فريقاً يرتضي لنفسه ان يفعل ما فعله بفريق بآخر ولو مهما كانت عنده قوة، فهذا معناه انه رفض العقد الاجتماعي، ولكن الجيش لم يحيّد نفسه».

ونسأله: لكن ثمة انطباعاً بان 7 مايو فتحت الطريق أمامك الى قصر بعبدا، فيجيب بلغة حازمة: «هل لديكم شكّ في أنهم كانوا سينتخبونني رئيساً بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود الممدَّدة؟ الحقيقة انه كان ثمة اتفاق على انتخابي رئيساً. وقد زارني (النائب) سليمان فرنجية وجبران باسيل الذي لم أكن أعرفه قبلها. وتحدّث معي فرنجية بشروط مسبقة قبل الرئاسة فقلتُ له: «انا لا ألتزم، وسليمان (فرنجية) انت تحدّثني وانا قائد جيش ولم أصبح بعد رئيساً للجمهورية». وذهب فرنجية بعدها الى سورية والتقى الرئيس بشار الاسد وقال له (وهذا عن لسان فرنجية) «هذا الزلمي مش ماشي معنا»، فأجاب الاسد: «كيف؟ أعطيْنا كلمة وكل العالم ذاهب لتنتخب وهناك دول وارتباطات؟»…فقال له فرنجية: «من الأفصل تأجيل الانتخابات»، فأجاب الأسد: «اصطفلو» اذا كان هذا ما تريدونه». وعاد فرنجية وقال لي: «انا أجّلتُ الانتخابات»، فأجبتُه: «يعطيك العافية» هل طلبتُ منك ان تؤمّن انتخابي، كنتَ تضع عليّ شروطاً مسبقة عن تشكيل الحكومة وغيرها فقلتُ لك لا ألتزم. «وتأجلت الانتخابات. وبعدها حصلت 7 مايو، اي ان أحداث 7 مايو وقعت لانه لم تحصل انتخابات رئاسية وليس ان الانتخابات الرئاسية جرت لان أحداث 7 مايو وقعتْ. لا احد يخطئ في ذلك ويعطي براءة ذمة لأحد. كنت أقول ان القنبلة بين يديْ وأخشى ان تنفجر، وانفجرت في 7 مايو وقبلها بأشهر في الضاحية الجنوبية في مار مخايل على خلفية موضوع الكهرباء وحصل ذلك الاحتكاك مع الجيش».

ويضيف: «الفارق بين اليوم والمرة الماضية انه في المرة الماضية كانوا قالوا نريد الرئيس سليمان، وكانت هناك تصريحات معلنة وقبول، وفي اللحظة الاخيرة «فرطت» نتيجة عدم التزامي معهم، حتى انهم دخلوا معي في أسماء مَن سيتمّ توزيره في الحكومة وقالوا لي: فلان ستأتي به؟ لا نقبل، فقلتُ لم أعِد أحداً ولا أعِدكم ولا اقول لكم او لغيركم نعم او لا فأنا لم أصبح رئيساً…وتحدثوا ايضاً معي في الثلث المعطل وغيره، وقلت: هذا لا يجوز ويجب ان تكون لديّ قدرة على إدارة شؤون البلاد…ثم أبلغتهم ان هذا الموضوع كله ليس في بالي ولا أرغب في أن أكون رئيساً».

ويلفت الى انه «حتى لو حصل ما يشبه 7 مايو اليوم (لا سمح الله) فمَن يأتي رئيساً؟ هل هناك اتفاق على احد؟ لا يوجد. حينها كان هناك اتفاق عليّ وتأخّر، ولكن كنتُ حاضراً في ذهن الناس والدول وحصل كلام في الخارج والداخل وصدرت تصريحات على العالي»، ويضيف: «(الرئيس) سعد الحريري تحدّث معي في الرئاسة قبل سنة من انتهاء ولاية لحود وقلتُ له: سعد، الناس لم يعودوا يريدون قائد جيش، وأشكرك على الثقة. وأتمنى ألا تدخل في هذا الموضوع كي لا تخرج خاسراً (شعبياً) الموضوع ليس في بالي».

ونبادره: «تحدثتَ عن النظام اللبناني والعولمة فيما هذا النظام يأكل ضربة على رأسه، والاربعاء حصل تمديد ثان للبرلمان»، فيجيب: «لكن النظام لا يقول هكذا بل هذا مردّه الى الممارسة السيئة. ولو كانت ممارستنا سليمة فان النظام يؤمن المشاركة في القرار التي هي مبدأ أساسي في القيادة في كل مجال. والمشاركة تجعل النظام الديموقراطي أكثر إنسانية. وأعتقد ان الدول الكبرى عليها مسؤولية مراجعة النظام السياسي والاقتصادي وان يتحسبوا لعشر او 20 سنة الى الامام». ويضيف: «مؤسف وصول البلاد إلى الخيار الأصعب بين التمديد لمجلس النواب وتفريغ المؤسسات بعد تعطيل العملية الانتخابيّة الأهمّ التي أبقت البلاد من دون رئيس للجمهورية، وعدم السعي الجدّي لإقرار قانون انتخابي عادل».

ونسأله تبعاً لذلك: «لبنان بلا رئيس، ونحن امام حكومة فيها 24 ميشال سليمان ومجلس نواب يمدّد لنفسه للمرة الثانية…والمنطقة امام عصْف سني – شيعي تحضر تردداته في لبنان…ما المخرج لانتخابات الرئاسة وكسْر هذا المأزق؟ فيقول: «اكيد ثمة فسحة امل «وما أضيق العيش لولا فسحة الامل». هناك أمور يجب ان نديرها ونعيش معاً، هل نبقى هكذا؟ أعتقد انه سيأتي وقت يقتنعون ان هناك ديموقراطية توجب الحضور الى البرلمان والانتخاب…والحل الثاني يكون بالاتفاق على واحد من الذين يقولون «نحن او لا احد»…وحسناً اذا قبِل الآخرون يكون هذا خياراً. اما البقاء بلا رئيس فغير مقبول ولا احد يعرف ماذا يمكن ان يحصل في ظل التحديات الكبرى التي نواجهها».

ونقول له: نفهم انك مقتنع بانه يمكن ان تحصل دينامية داخلية تفصل الملف الرئاسي عن الموازين الاقليمية والاشتباك الاقليمي؟ فيجيب: «يجب ان يحصل ذلك».

وحين نستوضحه مَن يتحمل مسؤولية التعطيل؟ يقول بوضوح: «الذي لا يذهب الى الجلسات للانتخاب. لا اوافق كثيراً على ان يتفق المسيحيون مع بعضهم البعض مسبقاً على اسم الرئيس، بل على ان ينزلوا الى مجلس النواب للانتخاب…الديموقراطية هي انتخاب إما مع او ضد…او امتناع…لا أجد اليوم ماذا يؤثر لو اخترنا اي اسم من المطروحين وانتخبناه. ماذا يؤثر ذلك على اميركا او فرنسا او السعودية او مصر او…ربما هناك أسماء تُعتبر انها ستقف في ممانعة معينة، اي هناك أسماء ستبقي «اعلان بعبدا» وأسماء تريد إلغاءه. هذا الفارق السياسي. واعلان بعبدا لمصلحة البلد، ومَن يتضرر من اعلان بعبدا؟ هل اميركا او فرنسا او السعودية؟ لا».

وعندما نشير الى ان «اعلان بعبدا» كنص يبقى قائماً «ولكن على الارض تجاوزه الامر وحتى المجتمع الدولي أقرّ بضرورة الحفاظ على الاستقرار في لبنان بمعزل عن مشاركة حزب الله في سورية»، يقول: «نحن مع الاستقرار في لبنان ونقول انه لاكتماله يجب تطبيق اعلان بعبدا وان ينسحب حزب الله من سورية».

ونسأله: هل تشاطر مَن يحمّلون العماد عون مسؤولية تعطيل الاستحقاق الرئاسي ومنْع لبْننته وإبقاءه رهن المسار الخارجي؟ فيجيب: «لا، ولا ومرة آخذ العماد عون في هذا السياق اي انه لا يريد لبْننة الاستحقاق. ولكن طبعاً هو مسؤول عن جزء من التعطيل لانه مصرّ على انه هو يمثّل المسيحيين وحده».

ومَن الشخصية التي يعتبرها الرئيس سليمان تصلح لهذه المرحلة رئاسياً؟ وهل يفترض ان يكون الرئيس من خلفية عسكرية او ديبلوماسية او مصرفية اي ماذا عن «بروفيل» الرئيس؟ يقول: «يجب ان يكون لبنانياً بالكامل ويتحلى بمواصفات كل من يتولى المسؤولية. اما قضية ان تكون لديه كتلة نيابية وشعبية، ففي رأيي ان هذا ليس ضرورياً. واذا كانت لديه شعبية فهذا لا يعني انه نجح. وهذا لا يمنع ان يأتي رئيس لديه شعبية، وطبعاً يجب ان نعرف اين سيضع شعبيته. واذا وضعها بتصرف دولة خارجية يكون ذلك مؤذياً اكثر. فلو أراد رئيس لا يتمتع بشعبية ان يتآمر او ينصاع لدولة خارجية ربما هو لن يقدر على ذلك، ولكن ماذا لو ان الرئيس صاحب الشعبية أراد ان ينحاز لمحور؟ فانه سيكون قادراً على ذلك وعندها سيتسبب بأخذ البلاد الى حرب أهلية. وبالنسبة لي، ان تكون لدى الرئيس شعبية ام لا فهذا ليس معياراً…بالعكس شعبيته يمكن ان تضرّ كما يمكن ان تفيد. ولذلك مَن ليست لديه شعبية ويأتي من خامة مؤسساتية او اقتصادية او سياسية او قانونية او ديبلوماسية ويكون شخصاً مطلعاً في الشأن العام ومدركاً وصاحب ضمير وسيرة طيبة وحر التصرف، يمكنه إدارة شؤون البلد بكل سهولة، وهذا هو الاساس. اما ان تكون لديه شعبية فأحياناً هذا الامر، كما قلتُ، يمكن ان يودي بلبنان الى محور معيّن ويجرّ الى حرب اهلية…اما اذا جاء الى الاعتدال فعظيم «يكون زيت وزيتون» ولكن المشكلة انه اذا كان مرتبطاً من قبل فكيف سيأتي الى الاعتدال؟ هناك ارتباطات وأحلاف موجودة مسبقاً»…ويضيف: «مش الأصل يا أولتي…الأصل يا أخرتي».

ولا يمكن الحديث مع سليمان من دون التطرق الى العلاقة مع «حزب الله» التي تدرّجت من «حفظ المقاومة برموش العين» الى «المعادلة الخشبية» (جيش وشعب ومقاومة). وهنا يشير الرئيس السابق الى ان العلاقة «كانت من الاساس جيدة ولكن من طرف واحد اي من طرفي…ولم اقابَل بأي انسجام مع مواقفي».

نسأله لماذا؟ فيجيب: «في السياسة، اي في التنفيذ كان دائماً عندهم حلف سياسي هم ملتزمون به. وحين كنتُ أحتاج لدعمهم في اي قرار في مجلس الوزراء كانوا يقولون لي: معك حق ولكن نحن ملتزمون بحليفنا او حلفائنا (داخليين)».

وانطلاقاً من ذلك نسأله: ماذا عن وضعيّة حزب الله الاقليمية وسلاحه؟ فيقول: «عندما كنا نحرّر الجنوب لم نكن ننظر الى هذا الموضوع. وحين قلنا اننا سنضع استراتيجية دفاعية وصارت الممارسات تتعرقل على الأرض، أصبحنا نتناقش…وحين جرى التدخُّل في سورية حصل ابتعاد كبير جداً في الرؤية والنظرة للمصلحة العامة…هم يرونها من خلال القتال في سورية وانا أراها من خلال العودة الى الوطن».

ونبادره: ولكن قيل انه لو لم يكن «حزب الله» في سورية لكان البغدادي يفعل في لبنان ما فعله في العراق، فيجيب: «قبْلها قالوا لولانا لكان «داعش» نصب حواجز في جونية. وأشكر السيد حسن نصر الله عندما قال ان داعش كان ليفعل في لبنان اي ليس في جونية…لانه لو كان سينصب حواجز في جونية فهذا يعني انه يجب ان ينصبها قبلها في البقاع او الضاحية قبل ان يصل الى جونية…يجب الا يشعر احد في لبنان بأن احداً مُفْضل عليه، واذا كان كذلك فأهلاً وسهلاً به فليعمل شغله».

ونقول له: «اي انكم غير مقتنعين بان ما يقوم به «حزب الله» في سورية يحمي لبنان رغم ما فعله «داعش» الذي احتلّ أجزاء في العراق وسورية والهجوم في جرود بريتال؟ فيأتي الردّ: «مَن واجه الارهاب في طرابلس؟ هل «حزب الله» ام الجيش اللبناني؟ سبق ان قلت في ميفوق انهم (داعش) يريدون ممراً في الشمال الى البحر وانه سيكون ممرّهم الى جهنم، وهذا ما حصل فعلاً، ولكن مَن الذي منعهم؟ هل «حزب الله» ام الجيش؟ وفي عرسال مَن الذي تصدى لهم؟ أليس الجيش ايضاً؟ وفي بريتال تعرّض «حزب الله» لهجوم وقام بالدفاع، واي منطقة لبنانية تتعرض لهجوم سيدافع أبناؤها عن أنفسهم ويجب ان يفعلوا ذلك اذا كان الجيش غير موجود».

وهل يشاطر مَن يعتبرون ان مشاركة «حزب الله» في الحرب في سورية استدرجت الاخطار الى لبنان؟ يجيب:«لا أريد الدخول في هذا الجدال، وما أودّ قوله ان قتال «حزب الله» في سورية أضعف المناعة الوطنية ضد «داعش» وأخواتها من زوايا عدة».

وحين نذكّره بأن أكثر من حكومة في عهده تبنت ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» الى ان وصل الأمر الى اعتبارها «ثلاثية خشبية»، فهل يعتبر ان بقاء سلاح الحزب على ما هو لم يعد صالحاً؟ يجيب: «حتى يكتمل تسليح الجيش اللبناني، ووفق الاستراتيجية الدفاعية التي قدّمتُها، دعوتُ الى ان نتوصل الى ترتيب للاستفادة من قدرات المقاومة، على ان ندرس مسألة الإمرة. وعندما قلتُ هذا الكلام، لم اكن أعلم ان الدعم السعودي سيأتي وهو أتى من خلال هبة الثلاثة مليارات دولار ثم المليار الاضافية. ومع توقيع العقد بين فرنسا والسعودية تَبدّد كل الغبار الذي حاول البعض إثارته على الهبة، فقط لأنها ترتبط بميشال سليمان. والسعوديون صبرهم طويل، وأكيد انهم انزعجوا مما قيل وكُتب لكن القرار الكبير الذي اتخذوه بتسليح الجيش في نهاية العهد الرئاسي هو للمصلحة العامة وغير مشروط وفيه فائدة لكل مَن يتصدون للإرهاب».

وعندما نثير معه وجود بعض الملاحظات حول أداء الجيش لدى فئة لبنانية تعتبر ان ثمة معايير مزدوجة اذ تتم ملاحقة بعض الناس على «بارودة» فيما هناك حزب لبناني يدخل الى سورية ويعود ومعه ترسانة من السلاح، يقول: «مَن الذي وضع الجيش في هذه الإحراجات؟ هذا سببه عدم تطبيق «إعلان بعبدا». وهذا الإعلان وُجد في الاساس ليس ضدّ «حزب الله» بل ضدّ الذين كانوا يذهبون الى سورية للقتال مع المعارضة وصدر أمر للجيش بتوقيفهم ومواجهتهم، وهو اصطدم معهم أكثر من مرة في عكار. وكان «ماشي الحال». وبعدها كان انخراط «حزب الله» في الحرب السورية. ورغم اعتراضنا هل كنا لندخل بحرب أهلية لمنْعه؟ أصبحنا نحاول في السياسة».

الرئيس سليمان الذي يبقى حاضراً بقوة في المشهد السياسي رغم مغادرته «القصر»، لم يحسم بعد خياره لجهة الإطار الذي يريد عبره ممارسة العمل الوطني، سواء عبر حزب او تيار او «جبهة وطنية»، او من خلال الاكتفاء بتثمير «الحالة» التي بات يشكّلها، وهو يقول: «انا لم أحسم خياري بعد في هذا الإطار، ولكن يهمني ان يبقى صوتي عالياً، رغم علمي ان المطلوب إلغاء صوتي وإسكاتي نهائياً، لكنني لن أسكت، وما داموا يهاجمونني هكذا حتى اليوم فهذا يعني ان تأثيري أكبر من حزب».

السابق
السياسة: قهوجي رئيساً للجمهورية في شباط أو أذار
التالي
سليمان يجول في طرابلس: اثبتت تعلقها بالدولة