بعدما خرست أصوات المعارك في طرابلس

طرابلس
طرابلسي .. أيها الفقير، أيها الطيب، أيها الكريم، أيها البشوش، أيها المظلوم، من إهمال وخيانة مسؤوليك اكتسبت المناعة، ومن نسيان دولتك تعودت اللامبالاة وعدم الاكتراث، ومن ضخامة الوعود الكاذبة نَمَت لديك موهبة السخرية بكل ما يدور في فلكهم.

وخرست أصوات المعارك، وصمتت أفواه البنادق والمدافع، هدأت ساحات الوغى واستكانت آلة الحرب . ومن بين الضباب المنتشر خلف الهضاب، عادوا، نفضوا الغبار وأزالوا الردم، ومن بين الحجارة المنثورة على الأرض، وداخل المخازن مرمية، فرشوا بضاعاتهم، وفتحوا الأبواب ومن بين شروخ الجدران والسقف المتشقق ومن بين آثار حروبٍ عادت من سنين منسيةٍ، تسلل نور الشمس.
بائع القهوة أشعل نيران فحماته، وبسحر رائحة البن المخلى سبيلها من داخل المصبات الطرابلسية بدء صباحنا وصباحه!
من بين الردم تعودنا الاستيقاظ، ومن بين الدمار اعتدنا أن نشتغل، واجهنا الإهمال بأسواقنا، أم الفقير العتيقة .. سوق القمح جمع فقر التبانة والزاهرية ببضاعتها الرخيصة أسعارها، وأسواق التاريخ العظيم للمدينة جمعتنا، من باب الرمل لقبة النصر لساحة النجمة وأبي سمراء والميناء الشامخة.
فيحاء، أنت التي حطّمت غازيك، شُلّ الغزاة وما شلّت أياديك! حاولوا أن يكسروا شوكتك على مر الأيام وغابر التاريخ، فجروك، حاصروك، دمروك، أحرقوكك، وأشعلوا فيك الحروب والجولات .. ثم فجروك ثانيةً ثم جعلوك أرضاً خصبةً للمعارك والحروب. وكما كنت في كل حالاتك، تليني ولا تنكسري، تنحني لتمر العاصفة. فإذا مرّ غبارها واندثرت آثارها، انتصبت واقفةً مرفوعة الرأس.
لم يزعجها جُرحٌ غائرٌ في وجهها لم ينتقص من جمالها أو إصابة رمحٍ استقر في صدرها ولم يقتلها لم يزعجها صمت أولياء أمرها، ولا بكاء أبنائها، لم يزعجها جحافلٌ زحفت نحوها لعملية استئصال ولم يأتي نحوها يومٌ أحد منهم ليزرع فيها الفرح والحياة والأمل.
لم تكن بحاجة لكل وسائل إعلامهم الأصفر، فلونه لون المرض، مرض التشويه والتزوير والتزييف، لحقيقة هذه الأرض الطيبة أرض الخير والكرامة أرض التقوى والسلام.
أقدامهم وأجسادهم تتحسس من أخبارها الطيبة من نجاحها من طيبها من أشعة النور فيها، تتحسس من رابطٍ إجتماعي متين، يجعل من تواجد في أقصى شرقها يعرف أخاه الموجود في أقصى غربها، وكل من نال شرف الانتماء لها، يعرفون بعضهم البعض، هي الأم الكبرى التي تجمع ولا تفرق، توحد ولا تشتت، حتى إذا أصابها عارضٌ غريب عن طبعها، زحفوا نحوها بعيون آلاتهم الحاسدة، يبحثون عن قوت يوم أقلامهم، يأتون طمعاً في موضوعٍ يجذب الأنظار ويلفت الإنتباه إليهم، ولا يأبهون لكرامة وعفة هذه الطاهرة التي ستدنسها حروفهم.
طرابلسي .. أيها الفقير، أيها الطيب، أيها الكريم، أيها البشوش، أيها المظلوم، من إهمال وخيانة مسؤوليك اكتسبت المناعة، ومن نسيان دولتك تعودت اللامبالاة وعدم الاكتراث، ومن ضخامة الوعود الكاذبة نَمَت لديك موهبة السخرية بكل ما يدور في فلكهم.
عودتنا أننا كلما محونا غبار الحرب عن مدينتنا، إستقبلتَ نهارك بابتسامة بسيطة، وأسواقنا التي حُرقت، ومساجدنا التي فجّرت، وشوارعنا التي استبيحت، بخبطة أقدامك وأقدامنا سنعود لنحييها وبتكاتف أيادينا وأياديك سنعيد بناءها وبابتسامة صادقة من وجوه أبنائها المتصببة عرقاً وكرامة، سنوزع ابتسامة الحياة لكل من أرادها وسنرسلها لكل من طلبها، فرفقاً بها، رفقاً بها يا أبناءها قبل الغرباء، وسلاماً لكم .. من طرابلس الفيحاء!

السابق
الراعي يقفل مزايدات التمديد: من يرفض التمديد فليستقل
التالي
«مرسال المراسيل» بين اوباما والخامنئي