ما هي حسابات عون.. ولماذا تبرّعت «القوات» بالتغطية؟

سمير جعجع

كتبت “السفير” تقول : لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السادس والستين بعد المئة على التوالي.

ولبنان أيضا بلا مجلس نيابي ديموقراطي وسويّ، بعدما قررت الطبقة السياسية المترهلة أن تمدد لنفسها من تلقاء نفسها، حتى العام 2017، في أكبر عملية تزوير لإرادة الناس، من دون أي وجل أو خجل.

أمس، فاض النصاب عن الحاجة، وحضر 97 نائباً الى المجلس النيابي للمشـاركة في فضيحة التمديد، بينما يتعذر تأمين النصاب، عندما يتعلق الأمر بهموم الناس، أو حتى بمشاريع قد تحفظ للنواب قليلاً من ماء وجوههم (الموازنة على سبيل المثال لا الحصر).

وكما في التمديد السابق، طُبخت صفقة التمديد فوق الطاولة وتحتها، ثم أقرّها المجلس في وضح النهار، وعلى عينك يا تاجر، بأكثرية 95 نائباً ومعارضة اثنين فقط، في مصادرة فجّة ومكشوفة لإرادة الشعب اللبناني الذي كان قد أعطى النواب وكالة لأربع سنوات فقط، فإذا بها تمتد الى ثماني سنوات على مرحلتين، من غير أن يرفّ جفن للمتشدّقين بالديموقراطية والدستور.

ذرائع كثيرة يمكن أن يتسلّح بها النواب الممدّد لهم لتبرير فعلتهم، بدءاً من الشغور الرئاسي مروراً بالوضع الداخلي الصعب وصولاً الى الظروف الاستثنائية التي تواجه المنطقة. لكن، ما فات هؤلاء أن هذه الاعتبارات بالذات كانت تستوجب إجراء الانتخابات النيابية لتجديد الحياة السياسية، وبالتالي لتحسين شروط المناعة الداخلية في مواجهة كل التحديات، وكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها لبنان منذ وقت طويل، في حين أن التمديد لا يعني سوى إطالة أمد الأزمة الحالية وإقفال أي أفق للحل الحقيقي.

وأغرب ما في التمديد الثاني انه يمنح مكافأة مجانية وعبثية لنواب عاطلين عن العمل، كان يُفترض ان تتم مساءلتهم ومحاسبتهم، وليس تجديد إقامتهم في المجلس لسنتين وسبعة أشهر ، مع ما يعنيه ذلك من تحميل الخزينة واللبنانيين أعباء رواتبهم ومخصصاتهم وحصانتهم وبطالتهم المتمادية ( أظهرت الدراسات المتخصصة ان المجلس الحالي هو الأضعف إنتاجية).

وأخطر ما في هذا التمديد انه كاد يمر مرروا عاديا لولا الحركة الاعتراضية الرمزية لبعض الناشطين في المجتمع المدني. لم تكن حركة الشارع أمس بحجم الكارثة، وكأن اللبنانيين الذين لم يحرّكوا ساكنا اصيبوا بمرض اليأس الجماعي، وباتوا مستسلمين للامر الواقع الى حد تطبيع العلاقة معه بدل التمرد عليه.

والمفارقة ان التمديد تم بحجة تفادي الفراغ الشامل، وكأن عجز المجلس الممدّد له عن انتخاب رئيس للجمهورية، ووضع قانون للانتخابات النيابية، وبت سلسلة الرتب والرواتب، وإقرار الموازنة، ودفع الرواتب في موعدها.. ليس بدوره فراغا مدويا وفاضحا، يدين النواب ولا يحميهم.

والأرجح، ان طهاة التمديد استفادوا من انشغال الناس بخطر الإرهاب وهاجس “داعش”، ليمرروا صفقتهم بأقل تداعيات ممكنة، بعدما تفوقت أولوية الأمن والاستقرار على ما عداها، في هذه المرحلة الدقيقة. ولكن ماذا لو طال الصراع في سوريا المجاورة، واستغرقت الحرب على الإرهاب في لبنان والمنطقة سنوات؟ هل يعني ذلك ان حجة التمديد المقبل في العام 2017 باتت جاهزة منذ الآن؟

والملاحظ ان التمديد تم هذه المرة في ظل صمت إقليمي – دولي واضح، ما يؤشر الى قرار خارجي بالحفاظ على “الستاتيكو” اللبناني الحالي وعدم الدفع في اتجاه الإخلال به.
الحسابات المسيحية

أياً يكن الأمر، فإن موقعة التمديد-2 أفرزت تعديلا موضعيا في الاصطفافات السياسية المعتادة، لا يمكن المبالغة في تفسيره والبناء عليه، من قبيل التوهم بأنه قد يكون مدخلا الى حلف “رباعي جديد”، إنما لا يصح في الوقت ذاته تجاهله والقفز فوق دلالاته، لا سيما على مستوى الشارع المسيحي الذي، وكما في الانتخابات النيابية، كان المسرح الوحيد تقريبا لمعركة سياسية واعلامية شرسة حول خيار التمديد بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”.

في الاساس، اتجهت الانظار نحو هذين القطبين المسيحيين منذ ان طرح الرئيس نبيه بري إشكالية “الغطاء الميثاقي”، مشترطا ان تصوّت إحدى الكتل المسيحية الرئيسية الثلاث ( “تكتل التغيير والاصلاح”، “القوات”، و”الكتائب”) الى جانب التمديد، حتى تستقيم جلسة إقراره.

أصر العماد ميشال عون على رفض التمديد انسجاما مع نفسه وامتدادا لموقفه من التمديد الاول، وإن تكن مسألة حضور تكتله للجلسة العامة بقيت ملتبسة، وسط تأكيد بري انه كان قد تلقى إشارات الى نية التيار البرتقالي الحضور والتصويت ضد التمديد، ونفي أوساط بارزة في التيار لهذا الأمر، مؤكدة ان عون لم يقدم لرئيس المجلس أي التزام من هذا النوع.

وإذا كان إصرار البعض على مشاركة الجنرال في جلسة أمس، برغم المعرفة المسبقة بمعارضته للتمديد، قد طرح علامات استفهام وتعجب في الرابية وخارجها، فان من بين التفسيرات التي تم تداولها هو ان هناك من تعمد تضخيم عامل الميثاقية والنفخ فيه، لدغدغة مشاعر “القوات” واستدراجها الى دعم التمديد، بعد الإيحاء لها بأنها أصبحت الوحيدة القادرة على تغطيته ميثاقيا، مع ما يعنيه ذلك من اعتراف بحيثيتها السياسية وصفتها التمثيلية.

بعدما انقطع الامل في إمكانية تبديل موقف عون، برغم مداخلات “حزب الله” معه، تحرك بري على خط “القوات” والتقى نائبها لشؤون عين التينة جورج عدوان، شارحا له وجهة نظره حول ضرورة تأمين مظلة ميثاقية مسيحية للتمديد.

على خط مواز، كان “تيار المستقبل” يستخدم رصيده لدى معراب لإقناع سمير جعجع العائد مؤخرا من السعودية بضرورة تأييد التمديد. وبالفعل، قرر “الحكيم” ان يؤدي حزبه أحد أدوار البطولة في الجلسة النيابية، لكنه كان يحتاج الى الاخراج المناسب الذي يخفف عليه وطأة الإحراج في الساحة المسيحية عموما وامام جمهوره خصوصا. وعليه، لم يكن ثمة خيار لديه سوى ان يعقد خلال 24 ساعة مؤتمرين صحافيين تبريريين، يضاف اليهما مؤتمر آخر لزوجته النائبة ستريدا جعجع ومؤتمر رابع لعضو كتلة “القوات” النائب إيلي كيروز.

ولئن كان جعجع ينتظر من حلفائه، وربما خصومه أيضا، ثمنا سياسيا بحجم “التضحية” التي بذلها لتمرير التمديد، فان عون يشعر بانه المنتصر ولو خسر الجولة نظريا.

وأغلب الظن، ان أي استطلاع رأي يجري اليوم في الساحة المسيحية سيُبين ارتفاعا ملحوظا في شعبية الجنرال الذي استطاع ان يقدم معركته ضد التمديد باعتبارها معركة ضد تهميش دور المسيحيين والخلل المزمن في التوازن، لاسيما ان الاحصاءات المتوافرة بحوزة التيار تظهر انه لو جرت الانتخابات النيابية لكانت لديه فرصة فعلية لإحداث اختراقات في الاشرفية وزحلة والكورة والبترون، وبالتالي تحسين التمثيل المسيحي في المجلس واختصار طريق الجنرال الى قصر بعبدا.

وفي كل الحالات، يدفع الخيار الذي اتخذه عون الى طرح التساؤلات الآتية:

– إذا كان الجنرال قد دفع في 13 تشرين ثمن وقوفه ضد الطائف، فهل ستكون كلفة وقوفه ضد التمديد في 5 تشرين مرتفعة عليه رئاسيا أم أن خطوته محسوبة؟

– وبمعنى آخر، هل التمديد سيُصعّب أكثر فأكثر انتخابه رئيسا للجمهورية، بعدما وضع معظم الكتل المؤثرة في ظهره؟ وكيف يمكن للجنرال بعد اليوم أن يقبل أصلا بانتخابه رئيسا من قبل مجلس ممدد له، يعتبره منقوص الشرعية الميثاقية والصفة التمثيلية؟

– وهل الخلاف مع حلفائه حول التمديد سيترك آثاراً سلبية على علاقته بهم، أم أن الخيارات الإستراتيجية المشتركة أقوى من أن يهزها تباين موضعي، علماً أن مصادر بارزة في “8 آذار” أكدت لـ”السفير” متانة التحالف مع عون، برغم ما جرى، على قاعدة أن “غداً يوم آخر”.

– وماذا عن مستقبل الحوار مع الرئيس سعد الحريري، بعدما جاء التمديد ليزيد من عوامل الافتراق بينهما؟

السابق
 التمديد «القاهر»: لا فراغ ولا رابحون خلطة تحالفات واشتعال قواتي عوني
التالي
التمديد.. لـ«إجر» خالد الضاهر و«خرا» رياض رحّال