فضائيّة «السوري الحرّ» صارت… «منارة الخلافة»

منذ بداية الأحداث في سوريا، قبل أربعة أعوام، شهدت الساحة الإعلامية في البلاد حالة «انفلاش»، إن جاز التعبير، لتنشأ عشرات المواقع والقنوات، لكلّ منها أجندات ومصادر تمويل. وبرغم تشعّب توجّهات وسائل الإعلام الناشئة، أخذت القنوات ذات الطابع الديني والمذهبي المساحة الأكبر على خريطة وسائل الإعلام المعارضة، تاركة مساحة صغيرة للمنابر التي تمحور خطابها حول المناداة بشعارات العلمنة، والثورة السلميّة.

ومع مرور الأيام، ووسط طغيان التطرّف والسلفية الجهادية على ميدان المعارك في سوريا، وتقاسم الفصائل الإسلاميّة النفوذ على المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، بدأت القنوات «الثوريّة» بالانقراض تدريجياً، حالها كحال الراية التي رفعها المتظاهرون في بداية الأحداث، أي العلم ذي النجوم الحمراء الثلاث، وكان مستخدماً خلال حقبة الانتداب الفرنسي.
تبثّ قناة «الجيش السوري الحر» على «نايلسات»، وتسوّق لـ«جيش حرّ يسعى لبناء سوريا الحرة التي تجمع مختلف الأطياف». ولكن يبدو أنّ القناة تتجه لتغيير حلّتها، نتيجة خلافات داخلية ظهرت مؤخراً للعلن، بعد تناقل ناشطين بيانات صادرة عن مؤسسي القناة والعاملين فيها، وأبرزها بيان منسوب لممول القناة الكويتي فهد العجمي، يعلن فيه نيته إنهاء قناة «الجيش الحر» على «نايلسات»، واستبدالها بقناة قرّر أن يطلق عليها اسم «منارة الخلافة».
ربما لا يبدو غريباً أن يتمّ وأد منبر إعلامي لفصيل انقرض من ساحات القتال، ويبقى مثيراً للاستغراب ذلك الانتقال من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين في فكر المؤسسة الإعلامية. مع العلم أنّ القناة كانت تنشط دوماً لملاحقة وعرض نشاطات الفصائل المتطرفّة، وإن كانت تبثّ تحت مسمّى علماني.
ويؤكد مصدر إعلامي معارض لـ«السفير» أن القناة في طريقها للتغير الجذري والانتقال من مسمى «الجيش الحر» إلى اسم «منارة الخلافة»، موضحاً أن مالكي القناة والعاملين فيها يتبادلون اتهامات بالسرقة والتلاعب والفساد.
ومما جاء في البيان المنسوب للعجمي، والذي لم يعرف تاريخ إصداره بدقّة: «تأسست قناة «السوري الحرّ» في الكويت بشكل سرّي، ولكن اختلفنا في الآونة الأخيرة لأسباب تتعلّق بفضائح تمّت من دون علمي، إذ استغلّ شركائي القناة، وأعلنوا عن رقم وصندوق دعم للجيش الحرّ، ولكنّهم كذبوا، وغشوا المسلمين والداعمين، ولم يبعثوا من أموال الداعمين للجيش الحرّ أي شيء». وأضاف: «أعلن انشقاقي منذ اليوم عن القناة، وتأسيس قناة جديدة باسم «منارة الخلافة» (…)، وأكتفي بدعم الشعب السوري والجيش الحرّ عن طريق اللجان الخيرية في الكويت».
من ناحية أخرى، أصدرت مجموعة تحمل اسم «العاملين في قناة السوري الحر» بياناً آخر أكّد ما جاء في بيان العجمي، كما تداول إعلاميو المعارضة السورية بياناً منسوباً لأبي حسين الديري، وهو أحد الشركاء في المحطّة، تحدّث فيه أيضاً عن تفاصيل التلاعب المالي، وسرقة أموال التبرعات، إضافة إلى اتهامه إدارة القناة بـ«العمل على تزويج قاصرات سوريات من خليجيين»، وفق تعبيره.
يستمرّ تبادل الاتهامات بالفساد بين كوادر القناة، مع العلم أنّها تبثّ من أستوديو متواضع جداً، وتعمل على نشر تسجيلات للمعارك داخل سوريا، وإعداد تقارير «بدائيّة الصنع». يلاحظ في هذا السياق، تركيز أطراف الخلاف على الجانب الديني للقناة، وما ذهب إليه العجمي حين أشار إلى نيته العمل على قناة «منارة الخلافة». كأنّ الشعارات «الثوريّة والعلمانيّة» التي رفعتها القناة كمنبر إعلامي لـ«الجيش الحرّ»، كانت مجرّد شماعة تسيّر وفقها المصالح على الأرض… ويبدو الآن أنّ تلك الشعارات فقدت سوقها على حساب موجة «الخلافة» التي ركبها معظم المعارضين في سوريا الآن. اختفاء قناة «السوري الحرّ» أو بالأحرى التعديل في هويّتها، يبدو إيذاناً بانتهاء زمن شعارات «الحريّة والعلمانيّة والديموقراطيّة» التي كانت تشكّل عماداً لخطاب المعارضة الإعلامي، لصالح صعود شعارات الخلافة ورايتها السوداء.

السابق
رئيس جمعية «الجنوبيون الخضر» هشام يونس: نراهن على إشاعة الوعي
التالي
السيد نصر الله وظهور الامام المهدي: تصويب وتصحيح لمفاهيم خاطئة