الإمام الحسين العالمي وقد بات محصورا في الإجراءات الأمنية

عاشوراء
ما هو سر المبالغة في الاحتفالات بذكرى عاشوراء هذا العام؟ ولماذا يستخدم الشيعة الامام الحسين كأنّه يخصّهم دون غيرهم؟ ولماذا يؤطّرون ثورته في الإطار المذهبي؟ وهي بقية اللبنانيين مجبورون بالتعطيل لأيّام بسبب هذه الذكرى؟

خلال الأيام التسعة والليالي العشرة الماضية لم يألُ الشيعة في لبنان جهدا للتعبير عن الاندفاعة القوية في اظهار شيعيتهم من خلال عدد من الامور التي اخذت هذا العام مظهر التحدي والتعصب اكثر من اي وقت مضى. وأول هذه المظاهر:

-الارتداء المفرط للاسود بدءا من المواليد الجدد الذين لا يتعدى اعمارهم الايام، وصولا الى العجائز دون مبالغة.

-الاصرار على تلبيس الحيطان والشرفات والمحال والسيارات بالقماش الاسود.

-كثرة طبخ وتوزيع الحلويات والهريسة رغم الوضع الاقتصادي السيْ لعموم الناس إلى درجة أنّ الطعام الذي يُرمى يطعم قرى بكاملها.

– كثرة المجالس في الأحياء والمناطق إلى درجة أنّه في الحيّ الواحد تُقام مجالس عديدة.

– ازدحام السير غير الطبيعي على الطرق بسبب مشاركة الناس في إحياء المجالس العاشورائية وبسبب الإجراءات الأمنية المعقّدة.

– انتشار امني كثيف وغير معهود. فبين كل شاب وشاب يقف شاب على الطرق. وقد استدعى حزب الله عددا كبيرا من الشباب من مختلف المناطق الى ضاحية بيروت الجنوبية فأقاموا في أحد المدارس وتكفّل بإطعامهم ومنامتهم إلى حين الانتهاء من مراسم عاشوراء.

– انتشار موديلات من الاقمشة والبلوز والفولارات والتيشرتات السوداء المكتوب عليها (313) وهذا يذكرنا بالقبعة التي انتشرت بعيد اغتيال الحاج عماد مغنية.

– التعبئة العامة السياسية الموحدة، حتّى انتفت الاشكالات التي كانت تحصل بين جماهير حركة امل وجماهير حزب الله.

– الاعداد الهائلة للمشاركين في المجالس إلى درجة ملفتة وغير مسبوقة.

– مبيع كنزات تحمل رسم “كفّ العبّاس” ونصوصا من كلمات الامام الحسين في المحال التجارية.

– تأسيس فرق فنية شبابية كتلك التي تحمل اسم (فرقة 313- انصار المهدي) وهي اشبه ما تكون بفرق النجوم stars . فقد اورد احد المواقع الخبر التالي: “شاركت اليوم من ضمن hg تشكيلات فرق كشافة الامام الامام المهدي في مسيرة عاشوراء.

– باتت البلديات تعلن عن انشطتها العاشورائية عبر المواقع الالكترونية وكأن البلديات انتقلت من عملها الانمائي الى عمل الهريسة بإشراف رئيس البلدية (كما يظهر موقع بلدية كفررمان الجنوبية)

– وبات للرقم شهرته غير المسبوقة هذا العام إذ باتت تباع تيشرتات بخمس دولارات أميركية فقط، مطبوع عليها (313 رافضي)..

في ظل الاجواء هذه نادرا ما نجد اشخاصا لا يلبسون الاسود. حتّى الفتيات غير المحجبات وجدن للفولار الاخضر طرقا متنوعة للتحايل على الموضة اليومية وارتدائه. ويعتبر اللباس الاسود تعبيرا عن شيعية الشخص.

هذه العصبوية الحادة تضع المخالف في موقف سلبي ينزع صفة العمومية عن ثورة الامام الحسين الذي ناهض الباطل لاجل “تقويم ما فسد من أمة جده محمد) كما قال خلال انتفاضته.

ففي سجال مع عدد من الصبايا نكتشف أنّ ردودهنّ على سبب التشدد الحاصل هذا العام في اظهار الحزن خلا أيام عاشوراء ولياليها: “كنّا غير مدركات لأهمية الالتزام بذلك، أما الآن فداعش آتية إلينا”.

وعلى ما يبدو أنّ للتشدد اسبابه السياسية والامنية لان الامام الحسين ثار منذ اكثر من ألف عام.. والسر في قوة الاحياء والاحتفال يبقى في اسقاط مفاهيم الثورة على العصر الذي يعيش فيه الشيعة.

هذا الوعي المفتعل لدى شيعة لبنان هذا العام يرتبط بشكل كبير بالاحداث في المحيط العربي. فبثّ الخوف بينهم كطائفة أقلوية في عالم سني أكثري يثير انتباه الآخر على أصوله العقائدية المتشددة ايضا. ويبدأ البطش باسم الاسلام بكل من المسيحيين والايزيديين والشيعة وكل من خالفهم ولو كان سنيا، وما حصل مع عشيرة (البونمر) في العراق خير دليل.

هذه المخاوف جعلت من شيعة سوريا يتحركون ويُحيون- وبدفع من النظام السوري وللمرة الاولى- مراسم عاشوراء بعلانية تامة في العاصمة السورية دمشق أمس وقبله. ففي السابق ورغم وجود مقام السيدة زينب في الشام كان الشيعة يحيون المراسم داخل المقام فقط، وطبعا بعد دعم ايراني قوي مقابل اموال ترد من الزوار الى الاجهزة الامنية في محيط المقام.

وفي بيروت ستقفل كالعادة صباح الثلاثاء الطرقات المؤدية الى ضاحية بيورت الجنوبية وتقطع المنافذ و تسريبات اعلامية تقول انّ حزب الله سيعمد الى إخراج جميع “الغرباء” من الضاحية وأولهم نواطير الابنية وسيرفع شبابه جميع انواع السيارات بدءا من مساء الاثنين.

وقد قررت المدارس الخاصة التوقف عن الدراسة لاسباب احترازية تتعلق بالزحمة. فهل هذه الزحمة المهولة سببها ان الامام الحسين استشهد هذا العام؟ لا طبعا. ولكن جميعنا يعلم ان الخوف من اي تفجير امني دفع جميع المؤسسات الى اتخاذ قرار بالاقفال لأنّ هناك من يود البقاء خارج بيروت، فتم وصل العطلة الاسبوعية من مساء الجمعة الى مساء الثلاثاء لأن الخروج من بيروت ظهر أو مساء الاثنين أو نهار الثلاثاء سيكون أشبه بالمغامرة الجحيمية.

فهل كان من داع لمثل هذه الاجراءات؟ ولماذا أصر الشيعة على المبالغة في الإحياء رغم المخاوف الكبيرة من اي عمل امني محتمل؟ ألم يكن الاجدى اختصار هذه المظاهر اتقاءا للضرر على كل الاصعدة؟ ولماذا تجنبّ المعنيون التجمعات في شهر رمضان ولم يتجنبوها في عاشوراء؟

الثورة واهدافها القيّمة باتت مظاهر لاثارة النعرات المذهبية حيث انه سابقا كان السنيّ والدرزي والمسيحي والايزيدي يتحدث عن الثورة الحسينية التي تناولها اهم المفكرين والثوريين بالعالم.. اما الآن فمن يجرؤ أو يطيق ذلك، بعد ان تمّت مصادرة “الإمام الحسين” في مذهبية حادة ومفتعلة؟

السابق
ابو فاعور اعلن نتائج تصنيف المستشفيات: هدفنا اصلاحي
التالي
سامي الجميل: الوقت ليس مناسباً «للنكايات»