تونس أشّرت إلى العلمانية… فخاف حزب الله من «الإلحاد»

السيد حسن نصرالله
تونس أصدرت إشارتها. كان الأسرع لالتقاطها، قبل وليد جنبلاط هذه المرّة، الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله وحزبه، ومن ورائهما إيران. ففي حين كان جنبلاط يدعو الدروز للعودة إلى الإسلام، كان نصر الله يقرأ أن الموجة الجديدة ستكون "الإلحاد" وليس الإسلام. والأسباب واضحة جدا.

ليس عابرا ما خرج به قبل أيّام الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله عن الإلحاد. فهو قال بالحرف يوم 27 تشرين الأوّل الفائت التالي:

“الآن يوجد بدايات، وأنا لا أودّ تكبير الموضوع، ولكن في أكثر من بلد عربي، حتى في داخل السعودية، في مصر، في أماكن أخرى، هناك بدايات إلحاد، وهناك حديث عن موجة إلحاد، لماذا؟ لأنه سوف تصل الأمور إلى التشكيك بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهل هو نبي من الله أو ليس نبياً من الله، وصولاً إلى التشكيك بالله ووجوده أساساً. هذا بالتعبير العامي البسيط عندما نقول: سيكفّرون الناس بالإسلام. هو هذا الآن، توجد بدايات لهذا الأمر في أماكن عديدة. أنا لا أريد أن أتحدث عن تيار أو ظاهرة كبيرة، ولكن من باب الاحتياط، وإن كان يوجد معلومات تتحدث عن ذلك، ولكن من باب الاحتياط أقول هناك بدايات، بدايات خطرة وصولاً إلى أن حتى المؤمنين بالإسلام والمتدينين بالإسلام يأتي وقت نتيجة هذا التكرار على مدى أشهر وسنين مثلاً ـ يقصف الله أكبر يذبح الله أكبر يعمل عمايل الله أكبر ـ رويدا رويدا تصبح يودون إيصال الناس لمكان عندما يسمع الله أكبر يعني هناك قتل وذبح ومصيبة تحل في الناس في بلاد العرب وفي بلاد المسلمي”.

لنبدأ من هويّة القائل. هو نصر الله، قائد “حزب الله” اللبناني، الذراع الإيرانية العسكرية الشيعية في لبنان وسورية، وقليلا في العراق. وهو جزء من محور يسيطر حالياً على 4 عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء. ومحور استقطاب ناسه وبيئته وأهله هو “التشيّع”، بما هو “فرع” من “فروع” الدين الإسلامي. هذا الدين الذي يتقاتل أهل بغداد ولبنان واليمن والعراق على الأحقيّة بحمل رايته. فنرى “الشيعة” (أو من يدّعي النيابة عنهم) يقتلون ويصرخون “الله أكبر”، ومن جهة أخرى نرى “السنّة” (أو من يدّعي النيابة عنهم كذلك) يقتلون ويصرخون “الله أكبر”.

إذا “الإسلام” هو النبع الذي يغرف منهم “القتلة” على جانبي المجزرة العربية – العربية منذ أكثر من ثلاث سنوات على الأقلّ. وتحديدا في سورية والعراق ولبنان، بين “داعش” و”حزب الله” أو بين مجموعات الثورة السورية والنظام العلوي.

لكنّ الاستثناء الإيجابي جاء من خارج هذه الدول الأربعة. جاء من تونس. تونس البداية، التي منها انطلاقة شرارة “الربيع العربي” الغابر. وفيها ظلّت شعلة “التغيير” متّقدة. فلا دماء في الشوارع ولا أسلحة ولا حروب أهلية ولا ديكتاتورية جديدة من الفلول والعسكر.

ربّما يكون السبب الأكبر هو غياب “الشيعة” الذين يمكن أن “تستثمر” إيران فيهم، وغياب “النفط”، الجاذب لتدخّلات الدول الكبرى، وغياب “إسرائيل” عن حدودها. وأضف إلى كلّ ذلك الحضور الكبير للغة الفرنسية، بما هي حمّالة ثقافية تزرع “الاختلاف” و”الثقافة” الغربية في التوانسة، من حيث يدرون أو لا يدرون.

لكنّ هذه الأسباب، أو بعضها، أو كلّها مع غيرها مما غاب عن البال، أوصلت إلى أن تصدر تونس إشارة علمانية. إشارة إلى “بداية ملل” من الإسلام السياسي. ربّما ينقلب هذا إلى “عودة” الإسلام السياسي بعد سنوات قليلة، أو ربّما إلى “ضعفه” أكثر. لا أحد يعرف. علينا أن ننتظر ونرى.

لكنّ الأساسي أن تونس دائما “بداية” أو “إشارة”، منذ البوعزيزي إلى خسارة “النهضة” الانتخابات الأسبوع الماضي. وهذا ما قرأه نصر الله جيّدا، ومن ورائه بالطبع “حزب الله” واستطرادا إيران ومراكز دراساتها وأبحاثها العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.

هنا ليس غريباً أن تكون تونس “المورّد الأكبر” (http://janoubia.com/222809) للمقاتلين الأجانب إلى سورية، بحسب الدراسة التي أجرتها DailyPaul ونشرتها قبل أسبوعين. هذا يدلّ على انخراط جزء من المجتمع التونسي في “الإسلام السياسي”. فبلد قدّمت 3 آلاف عائلة منه 3 آلاف مقاتل “داعشي”، يخسر بالانتخابات الحزب الإسلامي الأكبر والحاكم فيه، فهذا يعني أنّ هؤلاء الآلاف الثلاثة لا يمثّلون مجتمعهم بقدر ما يمثّلون “خروجا” على هذا المجتمع. خروج أودى بهم إلى “خروج” فعليّ من البلد ليقطعوا آلاف الأميال، فيجدون “أنفسهم” في سورية، وليس في تونس.

تونس أصدرت إشارتها. ومن كان اسرع بالتقاط الإشاره هذه المرة قبل وليد جنبلاط، هو نصر الله وحزبه. ففي حين كان جنبلاط يدعو الدروز للعودة إلى الإسلام، كان نصر الله يقرأ أن الموجة الجديدة ستكون “الإلحاد” وليس الإسلام!

السابق
مجلّة المهدي لأطفال حزب الله: دليل الناشئة الحربي
التالي
واشنطن تدرس إمكانية الامتناع عن استخدام الـ’فيتو’ ضد الاستيطان