من شاكر العبسي الى شادي المولوي: وينن؟

 

رغم اختلاف تواريخ الأحداث وتعدد سيناريوات المعارك التي استطاع الجيش أن يسكت فيها الارهاب وينقذ لبنان من مخططات جهنمية، كانت النهاية واحدة: انتشار الجيش في أرض المعركة، هروب قادة التنظيمات المعتدية والقاء القبض على عدد من المسلحين.

عام 2007، وبعد انتهاء معارك “نهر البارد” تمكن زعيم “فتح الاسلام” شاكر العبسي من الفرار تاركاً عناصره وحدهم في المخيّم، ليعود ويقتل. عام 2013، استطاع الشيخ أحمد الأسير وفضل شاكر الهرب من معركة “عبرا” وما زال الاول مجهول المكان فيما الثاني تقاطعت معلومات حول وجوده في منطقة التعمير الملاصقة لمخيم “عين الحلوة” في صيدا، ومنذ أيام أيضاً خرق شادي المولوي وأسامة منصور الطوق في طرابلس وتواريا عن الانظار، ولحق بهما من خلال الاسلوب نفسه الشيخ خالد حبلص في بحنين – عكار، لتبدأ التساؤلات نفسها بعد كل معركة محورها: “وينن؟”.

توزيع الذخائر والاموال قبل الفرار

ليس غريباً حصول عمليات فرار من معارك باتت خاسرة بالنسبة إلى الطرف المعتدي، خصوصاً عندما يحصل طوق للمنطقة، إذ “تهرب أولاً قادة التنظيمات ويلحق بها في ما بعد باقي المجموعات، وتخرج المجموعة الاولى التي تضم زعيم التنظيم أو الجماعة مستخدمة تقنيات التسلل والتخفي وتكون صغيرة حتى لا تلفت الأنظار، وبعدها “كل واحد يدبر حاله”، بحسب ما يشير العميد المتقاعد خليل الحلو، موضحاً: “عندما تشعر المجموعة المحاصرة أن هناك إطباقاً سيجري عليها رغم مقاومتها، يقوم العناصر أولاً بتوزيع الذخائر والاموال ويتمنى أحدهم للآخر التوفيق ويخرج القائد أولاً، ومن الممكن ان يخبرهم بنقطة تجمع ما او بوسيلة اتصال”.
ويذّكر الحلو بعملية فرار العبسي من “البارد”، كاشفاً عن أن “عناصر من “فتح الاسلام” توّزعوا على 13 مجموعة، خرجت الاولى بقيادة العبسي ليلاً، ولأنهم يعرفون المنطقة جيّداً، فكان من المرجح أنهم تتبعوا مجرى النهر الذي لا يمكن إغلاقه واتجهوا نحو منطقة عيون السمك في عكار، وهي منطقة تحتاج إلى عدد كبير من العناصر الامنية من أجل ضبطها”، وبحسب متابعته لتطورات المواجهات في بحنين الاخيرة، رجح الحلو أن يكون الشيخ حبلص قد اعتمد الاسلوب نفسه.
لا يستغرب الحلو حصول عمليات فرار، “لا تندرج في إطار المؤامرة، كما يجري التسويق لها لأهداف سياسية”، ويتفق مع هذا الامر رئيس لجنة الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان الدكتور محمد السمّاك الذي يستبعد حصول أي تسوية في كل هذه المعارك أفضت إلى خروج القيادات بآمان، ويقول: “انه هروب بعدما ادركت المجموعة أن المجتمع يرفضهم وأن القوى الأمنية الشرعية تلاحقهم”.

القائد يهرب أولاً

في العادة، معروف أن القائد الذي يعتبر قدوة لباقي العناصر يبقى في أرض المعركة حتى النفس الأخير ويضمن حياة باقي العناصر ويخرج مع المجموعة الاخيرة، ويصف الحلو هذا “القائد بالاخلاقي والعسكري وصاحب المسؤولية، لكن ما جرى في عبرا و”التبانة” و”البارد” و”بحنين” أن القائد كان متأملاً بأن يعود إلى الساحة مرة جديدة لتأسيس خلايا أخرى وأن يزاول نشاطه من جديد”، ويربط السمّاك الأمر بـ”القضية”، بالقول: “عندما يكون هناك قضية ما يغرق قائد المعركة مع سفينته ويكون آخر واحد ينزل من السفينة قبل غرقها، لكن عندما تغيب القضية تهرب القيادات أولاً”.
بعد فرار هؤلاء، دارت تساؤلات عدة في شأن امكانية عودتهم من جديد، لكن الحلو يؤكد أنه بعد الفرار “تصبح امكانياتهم ضعيفة، ولا يستطيعون الاقدام على الأذية كالسابق، ومثلاً يكون قد تم كشف السيارات المفخخة وصودرت أسلحة وذخائر كثيرة”، معتبراً أن “امكانية عودتهم ترتبط بتأمين اتصال بمجموعات خارج لبنان او داخله، غير معروفة، لتمويلهم من جديد واعطائهم وسائل التمدد، ليبدأ الزعيم تعبئة جديدة يستهدف فيها الذين سيقتنعون بعقيدة المجموعة”.
ويذكّر بما جرى في الصومال حين حاول الاميركي الدخول إلى مقديشو وكان يريد انذاك رأس محمد فرح عيديد، عارضين مكافأة على من يكشف معلومات عن مكان تواجده، ورغم ذلك استطاع أن يهرب ولم تستطع أميركا القاء القبض عليه وانتهى الامر بتسوية معه، ويعتبر الحلو ان هذا “الامر غير مستغرب في حرب العصابات”، كما يضرب المثل بما حصل بين السوفيات في الشيشان وقادة المجموعات المسلحة في غروزني، حيث القي القبض على عدد وهرب عدد آخر.
بالنسبة إلى السمّاك، فإن فرار قادة المجموعات “دليل على أن رفض المجتمع لهم وهم يعرفون ان المجتمع لن يحميهم”، لافتاً إلى أن “هؤلاء لا يفرون من البندقية الشرعية فحسب بل من الرفض الاهلي لهم، ولو كان مجتمعهم يحتضنهم لما كانو فروا بل احتموا فيه”.

الأسير من عبرا إلى “تويتر”

عجز الاسير حتى اليوم عن اعادة احياء حركته فالتزم بـ”تويتر”، وبعد أن استطاع الجيش ازالة هذه الظاهرة الشاذة من جذورها، يتابع اليوم بعمليات الدهم القضاء على فلولها، ويرى الحلو ان “الاسير لن يستطيع إعادة حركته لأن هناك نشاطاً مخابراتياً هائلاً، وكل من هو على علاقة معه او مرّ بجانب منزله فهو مراقب والاسير يعلم هذا الامر فيأخذ احتياطاته ويتنقل من مكان الى آخر”، مذكراً بما جرى مع الرئيس العراق السابق صدام حسين، بالقول: “حين دخل الاميركي عام 2003، بقيَ لسنتين يبحث عن صدام إلى ان القى القبض عليه، علماً ان اميركا تملك طائرات ووسائل تنصت أكثر تطوراً مما نملك، وحتى اليوم لا تزال أميركا تبحث عن مساعد صدام”.
ويعود إلى قضية الأسير من جديد، لافتاً إلى أن “من يعرف صيدا وعبرا والتداخل بين التعمير ومخيم عين الحلوة الذي يضمّ 75 الف فلسطيني وعشرات التنظيمات، لا يستغرب أن يكون للأسير تواصل ما عبر احد التنظيمات وليس مستغرباً أن يحضر عملية فراره مسبقاً لأنه ليس هناك من شخص يصل إلى حال الاسير من دون تحضير عملية فرار مسبقة”.

بيئة حاضنة او رافضة

بعد كل المعارك التي خاضها الجيش، لم تستطع أي خلية أن ترفع صوتها من جديد، وكان واضحاً عدم حصول أي معركة جديدة في عبرا او “البارد”، ويوضح الحلو أنه “بعد كل معركة، تضع القوى العسكرية يدها على المنطقة وتنصب الحواجز والنقاط العسكرية”، معتبراً أن “انسحاب الجيش اليوم من التبانة والاسواق مستبعد ولا يمكن ذلك إلا عندما يقوم الجيش بمسح تام يضمن فيه ان السكان في الداخل لا علاقة لهم بالقضية وان لا ارهابيين بينهم وانهم اعتادوا بسبب وجود الجيش على الدولة والعسكر، فضلاً عن قيام المخابرات بتركيب شبكات من المدنيين”، ويضيف: “عندما يحصل عمل مخابراتي لا يعود هناك حاجة للقوة العسكرية ولا مجال للتنظيمات ان تعود لأنه لم يعد هناك بيئة حاضنة لهم”.
من دون بيئة حاضنة، تبقى المجموعة الشاذة ضعيفة في رأي السمّاك الذي يشدد على أن “عدم حصول المعركة من جديد يعود إلى غياب أي بيئة للمجموعة وفكرها ولو كانت تحتضنه وتوفر له الحد الادنى من الامان كان عاد إليها، لكنه يعلم ان هذه البيئة رفضته، لهذا يبحث عن زاوية اخرى يلجأ اليها”.

السابق
60 ملياراً من الحكومة والحريري لطرابلس والشمال
التالي
هكذا أوقفت دورية من الاستخبارات الموفد القطري في قضية المخطوفين العسكريين