عون :الانتخابات الرئاسية ستحصل عندما يقر جميع شركائنا في الوطن بأن للمسيحيين الحق

نظمت هيئة المحامين في التيار الوطني الوطني الحر حفل عشائها السنوي في فندق الحبتور في سن الفيل، وشارك فيه إلى جانب رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون، نواب ووزراء حاليين وسابقين، وحشد من المحامين والمحازبين والمؤيدين للتيار الوطني الحر.

عون
وتخلل العشاء كلمة للعماد عون، قال فيها: ” نلتقي اليوم ولبنان يعيش أجواء مقلقة متأتية من انعكاسات الأزمات التي تعم العالم العربي من الخليج إلى المحيط، أما المعالجون لهذه الأسباب فقلة عاجزة عن اتخاذ القرارات السياسية والأمنية في الوقت المناسب؛ فتتفاعل الأحداث، وينفعل معها الناس سلبا بسبب غياب الموقف الوطني المرتكز على دراسة موضوعية وتحليل صحيح للأخطار الحقيقية التي تهدد الوطن ووحدة مجتمعه.
فكيف تعاطى المسؤولون اللبنانيون مع الأحداث التي عمت المنطقة؟ وهل تنبهوا إلى تطورها في الداخل اللبناني، وقد بدأت مؤشراتها تظهر مع بداية الألف الثالث؟ بالطبع لا، وعلى عكس ذلك، أغدقت تراخيص النشاط لمختلف الحركات الأصولية المتطرفة المعروفة مسبقا بتعاليمها التكفيرية، فقد زادت أعداد هذه الحركات من 125 حركة في العام 2000، الى 536 في العام 2006، وأهملت مراقبتها من قبل السلطة التي تلقت العلم والخبر بإنشائها، حتى تجرأ بعض أربابها على تكفير الناس على شاشات التلفزيون، ما شجع الكثيرين على هذا السلوك فاتسعت رقعة نفوذهم مصحوبة بالعنف في نواح كثيرة من لبنان.

إن المادة 9 من الدستور تنص ما يلي: “حرية الاعتقاد مطلقة. والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى، تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام وهي تضمن أيضاً للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية”.

في الوقت الذي تقوم الدنيا ولا تقعد على إثر حادث فردي في قصر العدل، لم تؤكد تفاصيله بعد أمام القضاء، نجد أن تكفير الشعوب وقتلها لم يحرك المؤسسات الرسمية الضامنة تنفيذ واحترام المادة 9 من الدستور، كما لم نسمع صوت المجتمع المدني.
فهل صارت الجريمة وجهة نظر؟ وهل هناك جريمة أكبر من انتهاك الدستور في مادة يشكل انتهاكها خطراً كبيراً على وحدة وطنية متصدعة في هذه الظروف الصعبة؟ لقد صح فينا قول الشاعر:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن قضية فيها نظر
إن الأموال الخارجية والتراخي الرسمي، المتعمد أحياناً، في النيابات العامة وباقي المؤسسات المعنية، والإعلام الهادف، والتغطية السياسية لبعض الفئات، جميع هذه العوامل، شجعت، بشكل أو بآخر، على صعود الخطاب التكفيري التحريضي.
أما في ما يتعلق بإحدى قضايا العصر، لما فيها من تعقيدات وصراعات، عنيت بها الحرب على سوريا، التي كان سقفها دولياً، وأرضها سوريةً، وباطنها بترولاً، وعصبها البترودولار، فقد أعلنت الحكومة اللبنانية النأي بالنفس عن أوزارها، ونحن أكدنا تأييدنا عدة مرات لهذا “القرار الحكيم”، ولكن ما نفع القرار إن لم يحترم، ولم يفرض تنفيذه على مختلف الأراضي اللبنانية؟ لقد تحول النأي بالنفس الى نأي عن الأراضي اللبنانية وعن المواطنين، وتركت الحدود سائبة بين لبنان وسوريا يجتازها من يشاء ذهاباً وإياباً وينقل ما يشاء. كما فقدت الدولة سيادتها على مناطق لبنانية بكاملها، فأصبحت مناطق عازلة كما أرادتها بعض الدول الكبرى، لتتحول قواعد تموين وتدريب.
وهكذا تنازل لبنان عن المادة الثامنة من ميثاق جامعة الدول العربية التي تنص على أن “تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقا من حقوق تلك الدول، وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي الى تغيير ذلك النظام فيها.”

كما نقضت الحكومة اللبنانية بند العلاقات اللبنانية – السورية من وثيقة الطائف التي تنص على “عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا، وسوريا لأمن لبنان في أي حال من الأحوال. وعليه، فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سوريا. وأن سوريا الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه لا تسمح بأي عمل يمس أمنه واستقلاله وسيادته”.
كان الأجدى بالحكومة التي أعلنت النأي بالنفس أن تحترم المواثيق والعهود التي قطعتها على نفسها، فلا تترك أرضها سائبة، ولا مواطنيها ينقضون موقفها بدون أن تردع أو تمنع. وهكذا تعرض جيشنا الى القتل على أيدي الإرهابيين، وشرعت أبواب الحدود أمام الأحداث التي نعالج نتائجها اليوم.

إن ما نتج عن هذه الحرب، وعن الإهمال في ضبط الحدود، وعدم الاستماع من قبل الحكومة الى النصائح التي تقضي بمراقبة النزوح الى لبنان، وعدم تحميله أعباءً تفوق طاقته المادية والسكانية، وأصبح يجول العالم يطلب المساعدات من دول كانت هي السبب في ما آلت إليه أوضاعه، والعناد غير المجدي في رفض التدابير التي اتخذت متأخرة اليوم، كل ذلك جلب على البلد كارثة إنسانية واقتصادية وأمنية، نأمل من الله ونضرع إليه أن يساعدنا في الحد من أضرارها وصولاً الى حلها.

وإن اختلفت النظرة الى الأسباب التي أوصلتنا الى حالة اليوم، فيبقى الخروج منها مسؤولية الجميع، وهنا يترتب على كل مسؤول في السلطة أو في السياسة إعادة النظر في مواقفه والتجرد من الأفكار المسبقة، وليكن واقعياً بتقديره الحالي للأحداث التي جرت وما زالت، ربما ساعد ذلك على بداية حوار بين الأطراف الفاعلة بلوغاً للحل.

أما في ما يتعلق بانتخابات الرئاسة فالأمر بسيط جداً، انطلاقاً من الواقعية التي دعونا فيها اللبنانيين الى التفكير بتجرد. إن الطوائف المسيحية حرمت من التمثيل في موقع الرئاسة الأولى منذ العام 1989 ولغاية 25 أيار 2013، ولتصحيح هذا الوضع اقترحنا قانون الانتخاب المباشر للرئيس من قبل الشعب، لأن الشعب هو مصدر السلطات، ولا يخضع للتجاذبات ولا للمصالح الخارجية. فلا يكون الرئيس مرهوناً إلا لشعبه الذي انتخبه.

كما أن قانون الانتخابات النيابية ليس عادلاً ولا منصفاً، ولا يؤمن صحة التمثيل وفعاليته لشتى فئات الشعب اللبناني، كما ورد في وثيقة الوفاق الوطني التي ترجمت اتفاق الطائف قرارات وتعديلات دستورية وقانونية، لذلك اقترحنا قانون اللقاء الأرثوذكسي الذي ينصف جميع الطوائف، ولكنه ما زال عالقاً في مجلس النواب.
للأسف، هناك بعض الشركاء في الوطن لا يزالون ينكرون حقوق الآخر، وينزعون لوضع اليد عليها.
إن الانتخابات الرئاسية ستحصل عندما يقر جميع شركائنا في الوطن بأن للمسيحيين الحق في صحة التمثيل في مجلس النواب كما في موقع الرئاسة.

السابق
العالم يحتفل بعيد الهالوين
التالي
جورج قرداحي سفيرا لحملة الانتربول