شيوعي نادم: جراح اﻷخوة أصعب من جراح العدو

وليم نصار
رفاقي في الحزب وجبهة المقاومة وأصدقائي في التنظيمات الفلسطينية المنقرضة يعرفون أنني لم أخف من الموت يوما، لكنني أصبحت فجأة متمسكا بكل ذرة من الحياة.هل أكذب عليكم وأقول أنني لست بخائف، كي أبقى في نظركم هذا الموسيقي الذي يترك الموسيقا ليصبح مقاتلا؟

مرت الذكرى التسعون للحزب الشيوعي اللبناني ولم أشارك بها بسبب المرض .
تذكرت الذكرى الستين، كنت مراهقا وفي أول مشواري الموسيقيي، ولم أستطع المشاركة بسبب إصابة برصاصة في الصدر تبعد عن القلب مليمترات قليلة .
لا تزال الرصاصة في جسدي وترن في كل مطارات العالم. وتسبب لي المشاكل مع أجهزة الأمن. مرت الذكرى التسعون وأنا على فراش المرض للمرة الثالثة خلال عشر سنوات ومن نفس المرض، اللوكيميا. لكني هذا العام لم ألق كلمة باسم الحزب في مهرجان، ولم أكتب مقالة، ونسيت حتى كلمات أغنية على طريق عيتات.
إلى الرفاق الذين غادرونا وإلى الرفاق القدامى والرفاق الجدد والرفاق الغاضبين، سأكتب وأقول:
ولدنا في حزب كان يعد الأرض بالتبغ والقمح والناس الطيبين ولم يزل رغم كثرة الغيم والوحول.
ولدنا في حزب علمنا كيف نصنع من رماد القلب أجنحة.
ألم يحن الوقت كي نعود وندفيء بعضنا باللهاث كما كنا نفعل بعد كل عملية لحبيبتنا جمول؟
الكل استراح، أحزاب طائفية، وأحزاب علمانية، حتى خالق البرايا استراح. وحدهم أصدقاؤنا الذين رحلوا لم يستريحوا ولم يخرجوا من العتمات، أولئك الذين ضغطوا اليد على الزناد وخبؤوا في القلب ياسمين الوطن.
في العيد التسعين لشيخ الشباب الشيوعي، لوقفتنا ينحني الرعد وتنكسر الساريات العوالي لنا، وهاماتنا لا تزال منتصبة وستبقى، أما وجوهنا فندية ممسوحة بصلابة الكادحين .
تمرالسنون ونزداد إصرارا على أننا وحدنا، نعم وحدنا، ورثة هذا الوطن. نضمه إلى الصدر الفسيح، رغم ضيق الطريق والأبواب المغلقة، لكن. من قال أن الملكوت يؤتى إليه من الباب الواسع؟
كل عام ونحن أجمل .
إعتراف
أنا سليط القلم عندما أنتقد، ولكن .
هل يستطيع شخص واحد أن يثبت أنني تفوهت لفظا وكلاما بكلمة بذيئة؟
إن كنت سأشتم الآن، فانني سوف أشتم الرفيق الياس شاكر والرفيق زكور في جريدة النداء سابقا، لأنهما لم يحسنا تربيتي كتابة،وتركوا قلمي على رعونته مذ كنت في الرابعة عشرة.
إلى رفيقي أحمد إسماعيل
في برامج إجتماعات الاحزاب الشيوعية، كان هناك بند اسمه النقد والنقد الذاتي.
كنا نترقب الاجتماعات بلهفة كي نمارس هذا البند، وعندما كنا ننتقد رفيقا لنا، كنا نصب عليه كل غضب الالهة منذ بداية الخليقة حتى اختراع الله.
لكن لم نمارس يوما النقد الذاتي حتى وإن أخطأنا …
هل تشتاق مثلي للرفيق أبو جورج قصابلي؟
هل تشتاق لكاتيا؟
هل تشتاق للنكات عندما كانت تنفذ منا الذخيرة بعد تنفيذ عملية كي نواسي بها خوفنا، لنموت ضاحكين نكاية بالعدو إذا ما عرف مخبأنا؟
ليس مهما أي عدو، كنا نعتقد أن العدو خلف ذاك الجبل فقط. لم نعتقد يوما أنه سيلقانا ويطلق النار علينا ونحن عائدين.
جراح الأخوة أصعب من جراح العدو.
إعتراف آخر
رفاقي في الحزب وجبهة المقاومة وأصدقائي في التنظيمات الفلسطينية المنقرضة يعرفون أنني لم أخف من الموت يوما، لكنني أصبحت فجأة متمسكا بكل ذرة من الحياة.
هل أكذب عليكم وأقول أنني لست بخائف، كي أبقى في نظركم هذا الموسيقي الذي يترك الموسيقا ليصبح مقاتلا؟
نعم أنا خائف، رغم خوضي التجربة للمرة الثالثة، ورغم معرفتي بأسرار هزيمتها وتحقيق الانتصار .
نعم. أنا خائف .
خائف إلى درجة البكاء بصمت، مع مراعاة عدم إظهار الدمع الأحمر لأي شخص .
قلت لحسان اليوم، بي رغبة في البكاء، لكني أفتقد حضنا أرتمي به لأبكي خوفي .
بي رغبة في البكاء، لكني في لحظة اندهاش حقيقية أعود وأقول “كس إخت السما”. إذا كان مكتوبا لي أن أرحل، فأريد أن أرحل بكامل الكبرياء والعنفوان. لن أدع عزرائيل يفرح باغتصاب روحي .
أنا خائف، ولن أخفي ذلك.
قلت للطفل المشاغب في داخلي، يا ولد، هل ستضمن الانتصار في تلك المعركة؟
في الأربعينات من العمر، فقدت لعنة المقاومة، وفقد جسدي القدرة على الرفض.
احتجت أن أقول بأني خائف، فقلتها عبر صفحتي الفايسبوكية بطريقة “يسارية بطولية منقرضة”، لكني لم أعترف بأني خائف.
وحدهم من يعرفونني يشعرون بلعنة الخوف التي تملكتني.
رفيق البدايات الموسيقية بسام ضو، اسماعيل حيدر، بطرس روحانا ، فايق حمصي.
رفيق البندقية والأيام الصعبة نادر عواد، حسان الزين، أحمد عقل، بومدين الجردي، أحمد اسماعيل، سيلفيا، يسرا، الأب القائد فاروق يعقوب، حسين زرقط، داهج اسماعيل، وغيرهم الكثير الكثير. لم تعد تسعفني الذاكرة على تذكر الأسماء . لكن الوجوه محفورة في القلب. وأصدقاء إفتراضيون لا أعرفهم من مختلف الملل والمذاهب والأحزاب والتوجهات والجنسيات فتحوا شبابيك الضوء لقلبي وروحي كي أنتفض وأقول لا.
لكنني لا زلت موجوعا والوجع بحاجة إلى حضن دافيء تبكي عليه.
هل جرب أحدكم الوجع؟
وجع الجسد والتلوي على الأرض كعصفور يذبح، أخف من وجع الروح؟
وجع الروح أن يصلي لك في لحظات انتظار الأطباء ليقولوا لا نستطيع فعل شيء، من تعتبرهم أعداءك التاريخيين، مؤلم إلى حد الحب.
شكرا للقوات اللبنانية في كندا لصلواتهم وأخص بالذكر رفيقي في المواطنية والانسانية إيلي سعادة.
الله
لم أحب الله يوما لكني في لحظة اندهاش سوداء، اكتشفت أني أحب الله من كل قلبي .
نعم . الله. هذا الذي يتصارع على ملكيته النصارى والصابئة من قريش وأبناء عمومتهم اليهود.
لحظتها أدركت أن الوطن والحرب والحزب سرقوا طفولتي، وزعرنات المراهقة، رغم أنني فقدت عذريتي وأنا في الثالثة عشرة من عمري، ولم أعرف لماذا ارتجفت وأصبت بالقشعريرة على تنورة مدرسة الرياضيات عندما كنت آخذ دروس تقوية خصوصية في منزلها. ولم أعرف أن تلك الرجفة تسمى رعشة إلا بعد أربع سنوات .
لكنني لا زلت حمارا في الرياضيات .
ربما من أجل ذلك اخترت الموسيقا .
والله أعلم .
أخطاء وخطايا
هنالك فرق بين الخطأ والخطيئة …
الخطأ أن ترتكبه وتعترف به .
الخطيئة عندما ترتكب خطأ بنفخ بالون، فيفقع في وجهك.
خطيئتك أنك أنت من نفخ هذا البالون .
عم سمير. إني أسامحك. فأنا أعلم أنك أخطأت بدافع الحب. لكنك لم ترتكب خطيئة.
فأنا مؤمن أن أهمية الشخص تكمن في نوعية الأخطاء التي يرتكبها. وليس في كميتها.
أشياء متأخرة
الأشياء الجميلة تتأخر في طرق نوافذنا، وغالبا ما تأتي بعد فوات الوقت، حين تكون أرواحنا وأذرعنا مثقلة بالحزن، وأغنياتنا بلا بريق ومفعمة بالمرارة والسكينة.
ليس مهما أيها العشاق الحديثو الولادة أن يكون الزواج هدفا نهائيا لعشقكم، الأهم أن تبقوا عشاقا. وأن تحموا هذا العشق بالروح قبل القلب وقبل العقل .
ليس مهما أن تحلموا كم من الأطفال ستنجبون، الأهم هو أن تحلموا في كم من المسرة وحدائق الأطفال والألعاب هيأتم لهم . وكيف ستعملوهم العشق الذي لا يتغير بتغير الطقس والمكان والزمان.
فقدت عادة التخيل، لكني لا زلت كلما أشتهي نجمة تصير حبيبتي، وكلما اشتهيت حبيبتي تصير وطن. فأشتهي الوطن فيصير البحر جميلا كرغيف خبز طازج .
هل بقي بحر في بيروت؟
جاءتنا الحرية وجاءنا التطور من عصر البلح، لكني غادرت طوعا وخوفا بحر بيروت لأني رفضت تلك الحرية وذاك التطور القادم على ظهر ناقة .
هل أنا نادم على ترك الوطن؟
نعم. أنا نادم. إن كان ذلك سيرضي غرور تساؤلك يا راغدة هاشم.
أنا نادم ولذا سأعود إلى بترومين.

صلي لي كي أعود، متأبطا ذراع سيدة الياسمين الجريح، فبي رغبة لأن أوغل بالغناء في وادي قنوبين إلى أقاصي الله.
صلي لي كي أقتل خوفي . فبي رغبة أن أروي نبتة منزلية، وأن أزرع حوضا من الحبق، وأنتظر المطر الأول.
يحدث الآن
عندما أصرخ من الوجع. ومن القهر. أفكر بأنني أهملت الموسيقا على حساب العمل الحزبي،أحب الخوف والوجع والقهر الذي أعيشه هذه الأيام .
البارحة، قررت أن أقتل الوجع بالموسيقى. دخلت الاستديو وسجلت موسيقا أغنية بحبك كأـنك حمص.
أنتظر بضعة أيام كي يخرج صوتي من صدري كي أسجل النص.
فكرت بأن أطلب من أحدهم أن يسجلها بصوته بدلا عني لكني وعدت يسرا، وهاني يموت وعبد الكريم أن أسجلها بصوتي رغم التعب والخوف والقهر الواضح به.
عن مدونة الكاتب.

السابق
15 الف أجنبي من 80 بلدا يقاتلون في سوريا والعراق
التالي
واشنطن تتعاون مع اربيل لوقف تهريب النفط