أبو فاعور: مستشفيات تسقط من الدرجة الأولى

لا يثق اللبنانيون في وزارة الصحة العامة، من ضمن عدم ثقتهم في الدولة. تتحكم شبكة مصالح ضخمة وفساد بين معظم القطاعات المعنية بصحة المواطن اللبناني من بعض الشركات المنتجة، وبعض مستوردي الأدوية، والمستشفيات وبعض الأطباء والصيادلة والوزارة. تحاول وزارة الصحة العامة، وعلى رأسها الوزير وائل أبو فاعور، كسر تلك الحلقة، وتعزيز الشفافية والسياسات الإصلاحية خدمة لصحة المواطن، من خلال إجراءات عدة بعضها قيد التنفيذ، وبعضها في انتظار النتائج المخبرية، بينما تغيب الرقابة الفعلية على بعض القطاعات والمسائل الصحية.

تم تخفيض أسعار الأدوية بنسبة 22 في المئة. ارتكزت معايير تسعير الأدوية، في السابق، على سعر بلد المنشأ، واعتماد المعدل الوسطي للأسعار في عشر دول، بينما يرتكز النظام الجديد على اعتماد السعر الأدنى. لذا، تم خفض نسبة أرباح المصنعين، ومستوردي الأدوية، وجعالة الصيادلة، ونسبة تخليص الجمارك.
يوفّر «مركز توزيع أدوية الأمراض المستعصية» في الكرنتينا الأدوية للمرضى غير المضمونين وتم تحديثه في عهد وزير الصحة السابق علي حسن خليل. يقول أبو فاعور إن الآلية السابقة لتوفير الأدوية للمواطنين ما زالت معتمدة اليوم مع الإشارة إلى وقف مهمات مندوبي الأحزاب والتشديد على الرقابة، كي يحصل المريض المستحق على الأدوية. يسجل نقص في الأدوية، في بعض الأحيان، إذ إن وزارة الصحة العامة تتكفل في بعض الحالات بمرضى الضمان، أو تعاونية موظفي الدولة. يقول أبو فاعور إن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يتحسس آلام المواطنين.
تشمل آليات الرقابة على نوعية الأدوية التفتيش في نقاط الجمارك، والمطار وفي الصيدليات من قبل المفتشين الصحيين التابعين لوزارة الصحة، مع الإشارة إلى وجود محاولات تهريب أدوية من سوريا وإليها.
وكان أبو فاعور، قد طلب، الثلاثاء الماضي، من إدارة الجمارك اللبنانية ومن «شركة طيران الشرق الأوسط» التشدد في التعامل مع شركات الطيران التي تشحن الأدوية والمواد الصيدلانية وعدم ترك الأدوية في باحات المطار، بل الحفاظ عليها في عنابر التخزين التي تراعي شروط الحرارة والرطوبة والنظافة. وطلب أبو فاعور من «نقابة مستوردي الأدوية» و«تجمع مصانع الأدوية» التشدد في التعامل مع المخلصين الجمركيين المعنيين بتخليص الأدوية والمواد الصيدلانية والطبية.
من جهة أخرى، تقوم اللجنة الفنية في وزارة الصحة بمهماتها في مراجعة ملفات الأدوية ومراقبتها. وتتوافر آليات لسحب بعض الأدوية من السوق في حال تم سحبها من الأسواق العالمية من دون وجود معطيات جديدة في شأن المختبر المركزي للأدوية.

تصنيف جديد للمستشفيات

بلغت نسبة التزوير في الفواتير في بعض المستشفيات أربعين في المئة. ارتكز نظام التدقيق القديم على التدقيق عشوائياً ويدوياً في عشرة في المئة فقط من الفواتير. بينما يعتمد النظام الإلكتروني الجديد، الذي يضم المستشفيات الحكومية والخاصة، على التدقيق في جميع الفواتير بطريقة إلكترونية ما يساهم في الحد من الهدر وفي إعادة تصويب الفاتورة الصحية وتصنيف المستشفيات وتعزيز حق المواطن في الحصول على الخدمات الاستشفائية.
يشمل النظام الجديد لاعتماد المستشفيات وتصنيفها «Accreditation» معايير حديثة. في السابق، كانت أسس التقويم تقنية فحسب، بينما تراعي المعايير الجديدة رضا المرضى. فتقوم الشركة الموكل إليها المهمات بمقابلة المرضى ومعرفة مدى رضاهم، وتحديد وجود عناية فائقة أو عدمه، وإن كان المستشفى يقوم بعمليات جراحية معقدة أو لا. يشدد أبو فاعور على أن العنصر الأساس في آلية التصنيف الجديدة يرتكز على صدقية المستشفى والشفافية في الفواتير. ويعاد نظام الاعتماد كل ستة أشهر ما يسمح لبعض المستشفيات بتحسين أوضاعها.
يظهر التصنيف الجديد الصادر عن وزارة الصحة العامة أن سبعة مستشفيات من الفئة الأولى أصبحت من الفئة الثالثة، وأكثر من سبعة مستشفيات من الفئة الأولى أصبحت من الفئة الثانية، بينما سجلت خمسة مستشفيات من الفئة الثانية تحسنا فأصبحت في الفئة الأولى.

هدر وشفافية

ارتبط في ذهن كثيرين أن الطبيب المراقب هو موظف لدى المستشفى يصدر ملفات وهمية، غير أن أبو فاعور قام بصرف 14 طبيبا مراقبا وطلب من مجلس الوزراء صرف عدد آخر والتعامل مع مراقبين جدد، ومفتشين على المراقبين لتعزيز الشفافية.
يشير أبو فاعور إلى أن تلك الإجراءات من تغيير أسس تسعير الدواء، وأسس التدقيق والاعتماد في المستشفيات ليست إجراءات آنية بل طويلة الأمد، إذ لا يمكن للوزارات اللاحقة أن تعدل في تلك الإجراءات. بلغ معدل الهدر العام في الوزارة، قبل تلك الإجراءات، نسبة عشرين إلى ثلاثين في المئة. ويتوقع أبو فاعور أن تنخفض تلك النسبة إلى النصف بعد تنفيذ الإجراءات المتخذة من دون تسجيل ضغوط سياسية على تنفيذ تلك القرارات. وتبلغ كلفة الاستشفاء 466 مليار ليرة سنوياً.

احترام المواطن

تعاني المستشفيات الحكومية، وفق أبو فاعور، خللاً بنيوياً بسبب التوزيع والتوظيف السياسي. تصرف الميزانيات المخصصة لتلك المستشفيات على الطواقم الإدارية ما يحد القدرة على تطويرها. تضم بعض المستشفيات الحكومية عدداً من الموظفين يفوق الحاجة. طلب أبو فاعور من مجلس الوزراء تغيير مجالس الإدارة في بعض المستشفيات. في المقابل، تعتبر بعض المستشفيات الحكومية الموجودة مثلا في طرابلس، النبطية، الضنية، سبلين، والتي تحظى بغطاء وإرادة سياسيين أفضل من المستشفيات الخاصة. وسيتم افتتاح، في الفترة القريبة، مستشفى حكومي في صيدا، وآخر في شبعا.
يشكل احترام المستشفيات لحق المواطن في الصحة وللحفاظ على المال العام الهاجس الأكبر لأبو فاعور، وذلك من خلال تطبيق تلك الإجراءات الجديدة التي ستجبر المستشفيات على التعاطي بشكل أفضل مع المواطنين وعدم السماح بأن يموت أحدهم على بابها. مع الإشارة إلى أن أبو فاعور يعمل على إعادة فتح ملف البطاقة الصحية.
تعاني وزارة الصحة العامة نقصاً بنسبة سبعين في المئة من الكادر البشري الإداري. ويعوّل أبو فاعور على المدير العام الدكتور وليد عمار في السياسات الإصلاحية ويعتبره من أحد أبرز الخبراء في السياسات الصحية في المنطقة.

كفاءات

ما زالت الكفاءات الطبية في لبنان من الأفضل في الشرق الأوسط، يقول وزير الصحة وائل أبو فاعور، غير أن بعض دول الخليج تتفوق علينا في التجهيزات والمعدات التقنية. يهاجر بعض الأطباء اللبنانيين إلى الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال يعيش مئتا طبيب في مدينة هيوستن. ويكثر، في الآونة الأخيرة، عدد المرضى الذين يأتون من العراق للاستشفاء في لبنان.

النازحون السوريون

ما زال الوضع الصحي للنازحين السوريين في لبنان تحت السيطرة، وذلك بفضل جهود وزارة الصحة بالتعاون مع «منظمة الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسف»، و«منظمة الصحة العالمية». ولم يسجل لبنان حتى الآن أي حالة شلل أطفال. وتم صرف تسعة مليارات ليرة لتغطية استشفاء النازحين السوريين في «مستشفى رفيق الحريري الجامعي» خلال ثلاث سنوات. وتبلغ كلفة الأدوية للنازحين التي تغطيها وزارة الصحة خمسة مليارات سنوياً.

فضائح في سلامة الغذاء

بدأت وزارة الصحة العامة، منذ 15 يوماً، حملة شاملة على الأفران والملاحم وغيرها من المراكز لمراقبة سلامة الغذاء. يتم إجراء فحص العينات في مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية. وتكشف بعض النتائج الأولية فضائح خطرة مثل أن تحتوي بعض أنواع اللحمة على بكتيريا مضرة، أو تساؤلات في احتواء بعض أنواع الخبز على مادة «الأمونياك». ويشدد أبو فاعور على أنه سيتخذ إجراءات صارمة، بعد ظهور النتائج، للحفاظ على صحة اللبنانيين.

مواجهة إيبولا
لم يسجل لبنان حتى اليوم أي إصابة بفيروس إيبولا. واتخذت وزارة الصحة والقطاعات المعنية الاستعدادات اللازمة لمواجهة خطر انتشار هذا الفيروس. يشير أبو فاعور إلى أن بعض المستشفيات قطعت مرحلة كبيرة في التجهيزات وتحظى جميع المستشفيات بمهلة أسبوعين لتعزيز قدراتها وتجهيزاتها. وترتكز الإجراءات الأخرى، وفق أبو فاعور، على التشدد في إصدار التأشيرات للوافدين غير اللبنانيين من الدول الموبوءة. وتقوم فرق التمريض بالصعود إلى الطائرة وفحص جميع الركاب. وتم تجهيز غرفة عزل على المدرج الغربي حيث تهبط جميع الطائرات الآتية من الدول الموبوءة، وتم إلغاء خدمة امتياز الشرف «VIP» في المطار.

تستّر ومصالح
تتعاون «نقابة الصيادلة»، وفق وزير الصحة وائل أبو فاعور، تعاونا ممتازا مع وزارة الصحة. بينما تظهر بعض الخلافات بين «نقابة الأطباء» ووزارة الصحة، كالتستر على بعض الأخطاء الطبية، وعدم الشروع في تطبيق الوصفة الطبية الموحدة. يقول أبو فاعور إن مجلس «نقابة الأطباء» يعترض على الوصفة الطبية الموحدة التي تضر بمصالح الأطباء مع شركات الأدوية. وفي حال عدم الاستجابة، سيحيل أبو فاعور الموضوع إلى القضاء.

قطاعات من دون رقابة
لا يوجد رقابة، وفق وزير الصحة وائل أبو فاعور، في المستشفيات المتخصصة للأمراض النفسية والعصبية. ويعاني نظام الطوارئ في لبنان خللاً كبيراً. وتدرس الوزارة مشروعاً جديداً لتحسين نظام الطوارئ والإسعاف في لبنان.
وما زالت مشروبات الطاقة التي تحتوي على الكحول موجودة في الأسواق اللبنانية بالرغم من اتخاذ القرارات من الوزارات المعنية بسحبها. ويمهل مراكز التجميل غير المرخصة فترة شهرين للحصول على الترخيص، ويمهل الحضانات غير المستوفية الشروط مهلة ثلاثة أشهر لتسوية أوضاعها.
ويتم، اليوم، فحص عينات من الأعشاب والمتممات الغذائية في «مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية»، وتظهر النتائج الأولية وجود مواد مسرطنة في إحدى العينات. ويلفت أبو فاعور إلى أنه سيتخذ الإجراءات المناسبة فور صدور النتائج النهائية.
وقد حصلت بعض مراكز تخزين الخلايا الجذعية على موافقة وزارة الصحة، بينما تم إقفال البعض الآخر. وتحاول الوزارة تعزيز الرقابة على مراكز التقنيات المساعدة للإنجاب، التي لا يُراعي بعضها المعايير الضرورية.

السابق
مدير عام وزارة الخارجية: اللبنانيون في بوركينا فاسو بخير
التالي
طعمة : لا بد من التمديد للمجلس النيابي