المغالاة في ذكرى عاشوراء.. على عكس وصاياها

الحسين

في بلدتي الواقعة في جنوب لبنان، طرحت سؤالا ً على بعض المتباكين تزلفا ً في “عاشوراء”، لماذا “عاشوراء” فقط للإمام الحسين )ع)، علما ً أنّ والده أمير المؤمنين الإمام علي (رضي الله عنه) قتل قبله غدرا ً على يد سيئي النوايا، وكانت مصيبة الأمة به أعظم، وشقيق الحسين الإمام الحسن (ع) قتل هو الأخير أيضا مسموما ً على فراش المنايا، ثم لماذا الطائفة العلوية الكريمة في لبنان وسورية وتركيا لا يحيون ذكرى “عاشوراء” باللطم، والندب، والضرب على الرأس، ومجالس عزاء، كما نفعل نحن؟ فتم تأنيبي من قبل الذين سألتهم واتُهمتُ بأني من أهل “الدواعش” و”النصرة”.

واذا التفتنا حولنا، لوجدنا عشرات الأقوال العالمية عن مآثر الحسين:
“لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة”، العالم الآثاري الإنكليزي وليم لوفتس.
“إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي”، الباحث الإنكليزي، جون أشر.
“لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين”، المفكر السوري انطوان بارا.
“لقد قتل الحسين بوحشية، والشهادة التي عرفتها كربلاء تجرح في الصميم كل المؤمنين الذين يحبون أهل البيت”، رئيس وزراء تركيا، رجب طيّب أردوغان.
“عاشوراء”، هذه الذكرى الأليمة التي حصلت على أرض كربلاء بحق سيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، الذي استشهد مظلوما ً مفتديا ً روحه وجسده من أجل الإصلاح، ونصرة للحق، ووأد الفتن بين المسلمين، وسيرته النضالية التي اتسمت بالجهاد من اجل الحق، وملحمة في الشجاعة والعنفوان، ونورا ً وإلهاما ً يهتدي بها كل الأحرار المظلومين الذين يناضلون من أجل الانتصار على الباطل، تماما ً كما قال الزعيم الهندي الراحل غاندي عن الإمام الحسين، “تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما ً فانتصر”.
اليوم واقعة كربلاء هذه في ذكرى “عاشوراء”، أصبحت تترجم من قبل ناس مأجورين، يدّعون أنهم على خطى الحسين سائرون من اجل الحق على الباطل، بعد تشويههم لها تارة ً ببدع وطقوس فولكلورية غريبة ضالة، كالرايات والشعارات السوداء والحمراء والخضراء، معلقة على شرفات المنازل والحسينيات، وعلى أعمدة الإنارة في الطرقات، وايضا موضة التباهي في لبس الثياب باللون الأسود، والمغالاة في الحزن والبكاء نفاقاً، وطوراً بالكذب على الناس ضمن قصص وحكايات وروايات غريبة من نسج الخيال، استحضرت خصوصا ً من الخارج من أجل تضليل الناس وصغائر العقول، وهم في الحقيقة بعيدون كل البعد عن مفهوم “عاشوراء”، ولا علاقة لهم بالسيرة الحسينية.
هؤلاء المأجورين الذين يدّعون محبتهم للإمام الحسين (ع)، الفارضين أنفسهم وبالقوة كأمر واقع على الطائفة الشيعية المغلوب على أمرها، شوهوا مسيرة كربلاء الحسينية النبيلة، التي تتسم بثقافتها الإنسانية وحولوها إلى مزايدات سياسية من على المنابر الحسينيات، بخطابات فقط للشتم والفتن وإهانة الآخرين، وتحريك النعرات الطائفية، ناهيك عن كل هذا، المواكب السيّارة التي تجول في الشوارع، تصدح منها أصوات الندبيات عبر مكبرات للصوت، والأجمل من كل هذا موضة الباعة المتجولة على “العرابيات”، المنتشرة داخل شوارع وأزقة الضاحية الجنوبية، تشوه صورة “عاشوراء”، عبر بيعهم لأشرطة “كاسيت” وأقراص “CD” مسجل عليها ندبيات لمجالس تعزية، باصوات ولهجات ركيكة تشمئز منها الآذان عند السمع، ناهيك عن قرّاء مجالس التعزية ومستوى ثقافة خطابهم الهابط، واحترافهم في تأليف القصص وروايات التعزية، وحكاياتها الأسطورية والخيالية عن الإمام الحسين، وهي لا تمت للحقيقة او الواقع بصلة.
وعلى سبيل المثال قولهم إنّ “الحسين عندما قطعت يده اليمنى، إستلّ سيفه باليد اليسرى، وقتل 400 من اتباع يزيد”، المترافقة مع بكاء خافت من قبل القارئين، طبعا ً ليس من أجل مصيبة الإمام الحسين، بل من أجل مبلغ المال الذي سيتقاضونه عند انتهاء موعد العزاء، ولا ننسى ايضا موضة نشر الصور المفترض أنّها تصوّر الإمام الحسين، والبدع الضالة غير الحضارية لمجسمات من المفترض أن تكون لرأس الإمام الحسين (ع) وهي ملطخة بالدماء، ليكتمل المشهد بتحريف مسيرة ذكر “عاشوراء” من الحضارة إلى الضلالة.
ان دمعة البكاء الهادئة، على الإمام الحسين يرق لها القلب، وتصفي الروح، وتسقي أحاسيس الإنسانية والخير، الموجودة في أعماق الجسد، لتثمر وتنمو مشاعر لإنسان حرّ مناصر من اجل الحق لا يأتمر إلا بقرارة نفسه.
سيدي ومولاي الحسين يا مصباح الهدى أنت، يا حبيبي يا قرّة عيني أنت، قلبي بكى على مصيبتك يا إمام المظلومين، يا سيد الشهداء انت يا أبا الأبرار، لن ألطم على صدري، ولن أشقّ رأسي، ولن أرتدي السواد وأذرف الدموع والنواح حزنا ً عليك، بل سأفتخر باستشهادك وأزفك للعالم شهيدا ً مناصرا ً من أجل المظلومين، يا حرّاً يا أبا الأحرار أنت، يا مناصر الحق والإصلاح في أمة جدك محمد رسول الله.

السابق
عن العولمة والسلفيات الجهادية
التالي
حمادة: الافتراءات لن تنال لا من السعودية