من الضنية الى طرابلس: الحلّ العسكري سينقلب على منفّذيه

الجيش اللبناني
التطرف ليس حكرا على احد... اغلب القوى السياسية في لبنان متطرفة. لم تتعاطَ الدولة مع ملف طرابلس الا بالطريقة الامنية متناسية الحاجة الاقتصادية للبيئة التي ولد فيها هذا التطرف.

حقق الجيش اللبناني أمس إنجازاً بتشتيت المجموعات الإسلامية المتطرفة التي كانت تنتشر في منطقة الضنية وطرابلس. هذا الإنجاز لا يشكل سوى خطوة صغيرة على طريق معالجة نمو التنظيمات والتيارات الإسلامية المتطرفة، لأن العنف وحده لا يعالج المشكلة. كما ان استخدام هذه الوسيلة لا يتعدى معالجة نتائج المشكلة، التي سرعان ما ستعاود الظهور لكن بطرق مختلفة. التصدي لهذه التيارات المتطرفة والموجودة في الطوائف كافة تتطلب أساليب عمل متنوعة لم يجر استخدامها أو اللجوء إليها خلال العقد الماضي. شهد لبنان أحداثاً عام 2000 في الضنية وعام 2007 في نهر البارد، ولم يطرح احد حلاً سوى استخدام الاسلوب العسكري والأمني فحسب. الوقوف في وجه نمو الاتجاهات المتطرفة يتطلب رؤية مختلفة مثل السعي وراء دولة مدنية يعيش فيها مواطنون يشعرون بحقوق متساوية، وخطط تتناول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية. وهذا ما افتقرت إليه السلطات المتعاقبة منذ أكثر من نصف قرن.
على الصعيد السياسي، ما زال زعماء الطوائف يتحكمون بالمسار السياسي للبلد، ويصرون على بقاء مشروع الدولة معلقاً والسلطة الرسمية هي الأضعف بين السلطات الطوائفية القائمة، حتى لو أدى ذلك إلى التلاعب بالكيان وصولاً إلى إنهائه. فالزعماء عاجزون عن التوصل إلى تسوية سياسية فيما بينهم، وربطوا مصيرهم ومصير طوائفهم بعوامل خارجية أقوى منهم، تستخدمهم وهم يتوهمون أنهم مركز الكون، يتصارعون من أجل الهيمنة على السلطة، ولعل تجربة المارونية السياسية لم نتعلم منها وها هي السنية السياسية والشيعية السياسية.
كل مكون منها يتصرف وكأنه يمتلك الحقيقة المطلقة لوحده، يهاجمون داعش وكلهم دواعش. ممثل الشيعية السياسية، حزب الله، خرج إلى سورية تحت شعار الدفاع عن المقامات المقدسة. وهي مهمة النظام السوري ثم تحول وجوده الى الدفاع عن الأسد، ليتحول إلى شعار محاربة “التكفيريين”، بحجة درء خطر انتقالهم إلى لبنان، فإذا بحزب الله يعطيهم المبرر بمهاجمة لبنان وجيشه والعبث بأمنه، ليعود ليربط قراره بالقرارات الإقليمية سورياً وإيرانياً. والسنية السياسية العاجزة عن فرض تسوية مع حزب الله، تحاول استخدام المجموعات السنية المتطرفة التي أصلاً تملك مشروعها الخاص، وتربط سياستها بالسياسة الإقليمية سعودياً او تركياً. أما المارونية السياسية وهي تتوهم أنها حجر الرحى، فإذا بها باتت ألعوبة بأيدي طرفي النزاع الأساسيين. وتنزلق إلى موقف يؤدي إلى عدم انتخاب رئيس جمهورية مسيحي وهذا ما يمكن أن يضعف المكون المسيحي أكثر وأكثر. غياب التسوية يؤدي إلى نمو الاتجاهات المتطرفة من كل الجوانب وبالتالي يعلو الخطاب لمحاربتها وهي أحد أسباب نموها الأساسيين.
على الصعيد الاقتصادي والإنمائي، تغيب المخططات التوجيهية العامة، ويتحول الاقتصاد إلى فوضى وميدان لتحقيق الأرباح الهائلة غير السمسرة وإقامة المشاريع غير المفيدة لكنها تؤمن المداخيل الهائلة للزعماء. يتحدثون عن الاتحاد وتأمين فرص العمل وأهالي مناطق الشمال والبقاع لا يجدون أمامهم سوى الفتات الذي يلقيه إليهم الزعماء والذي لم يعد يسد جوعهم، أليست كل هذه الوقائع تدفع بالمواطنين إلى التطرف والانقلاب على السلطة. كل هذا الحديث لا يعني تأييداً للاتجاهات المتطرفة لأيّ طرف انتمى، لكنه لتحديد المحاور التي تشكل المدخل لوقف نمو التطرف.
ومن ينام على حرير التقاتل على السلطة، والتفرد بالقرارات المصيرية والنجاح في ضرب هذه المجوعة المتطرفة أو تلك، سيفيق عن حوادث في أكثر من مكان، وعندها لا يفيد القول: لو….

السابق
إعدام ريحانة.. أو كيف تجعل الناس تصدّق أيّ شيء
التالي
عون من عين التينة: الانتخابات غير واردة وهناك تمديد للمجلس