إعدام ريحانة.. أو كيف تجعل الناس تصدّق أيّ شيء

ريحانة
تحيط بقضية ريحانة جبري الكثير من الالتباسات، وبحسب أحد المقيمين والمطلعين على الوضع الإيراني، فإن المعارضة الإيرانية تبنت قصة الاغتصاب (أي أن ريحانة ارتكبت جريمة قتل دفاعا عن النفس بحقّ مغتصبها)، بينما لم يبرر القضاء الإيراني أو يوضح أسباب الجريمة. فالمرأة هي "كلمة السر" القادرة على دغدغة المشاعر، والغرب المناصر لحقوق المرأة يعرف كيف ينتج منظومة دفاع عن نساء الشرق الأوسط من دون أن يكترث مثلاً أو يتدغدغ لمشهد آلاف السوريات المشرّدات بسبب الأحداث السورية.

لم تكد تنتشر الرسالة الّتي تفطر القلب، الّتي قيل إنّ ريحانة جباري وجّهتها إلى وسائل الإعلام، حتّى سلّم معظم المتابعين بأن هذه الرسالة حقيقية. والرسالة هي إمعان في إظهار النظام الإيراني كنظام غير عادل ولا يدافع عن المرأة ولا يحترمها.
المرأة هي “كلمة السر” القادرة على دغدغة المشاعر، والغرب المناصر لحقوق المرأة يعرف كيف ينتج منظومة دفاع عن نساء الشرق الأوسط من دون أن يكترث مثلاً أو يتدغدغ لمشهد آلاف السوريات المشرّدات بسبب الأحداث السورية.
تحيط بقضية ريحانة جبري الكثير من الالتباسات، وبحسب أحد المقيمين والمطلعين على الوضع الإيراني، فإن المعارضة الإيرانية تبنت قصة الاغتصاب (أي أن ريحانة ارتكبت جريمة قتل بسبب الاغتصاب)، بينما لم يبرر القضاء الإيراني أو يوضح أسباب الجريمة.
وريحانة التي تبلغ من العمر 27 عاما، قالت في جلسات التحقيق، إنها قتلت الطبيب دفاعاً عن نفسها بعد أنّ حاول الاعتداء عليها، لكنّ الأدلة التي نقلت عن تحقيقات السلطة القضائية في إيران، والتي نشرت في وقت سابق، تقول إنّها كانت تعرف الطبيب، كونها كانت آخر المتصلين به قبل وقوع الجريمة، فضلاً عن شرائها سكيناً من أحد المحال الواقعة شمالي العاصمة طهران قبل يومين من حادثة القتل، ليصبح محامو ريحانة غير قادرين على إثبات براءتها.
ويعاقب القانون الإيراني على جرائم القتل العمد بالإعدام، إلا في حالة عفو ذوي المجني عليه، عن المتهم، استناداً للشريعة الإسلامية، وحاولت عائلة جباري الحصول على هذا العفو دون فائدة، رغم تأجيل موعد إعدامها ثلاثة أسابيع تقريباً. وطالبت منظمات حقوقية دولية السلطات الإيرانية بإلغاء حكم الإعدام الصادر بحق الفتاة، وحاول المدافعون عنها التركيز على صغر سنها الذي لم تكن تبلغ التاسعة عشرة وقت وقوع الجريمة، فضلاً عن قيامها بهذا الفعل بداعي الدفاع عن نفسها، كما تقول، رغم اعتراف عائلتها بأنها على معرفة بالطبيب.
لا أحد يبرأ إيران هنا، ولكن هل هناك ما يكفي لبناء مسلسل “اعدام سنية بعد قتلها لمغتصب شيعي”، ومن أين ظهرت الرسالة فجأة؟ منذ فترة أيضاً انتشرت قصة وفاة مراسلة press tv سيرينا سحيم في ظروف ملتبسة في تركيا وأتت الحادثة بعد ما أشيع عن تهديدات المخابرات التركيّة لها لإتهامها بالتجسس. ومن الطبيعي أن وسائل الإعلام التي أضاءت على الحادث وطرحت الأسئلة حول كونها مريبة كانت المقربة من المحور الإيراني. وأيضاً في قضية ريحانة، أتى التنديد من المحور السعودي، الّذي انتقد ايران لتدخلها في قضية الحكم بالإعدام تعزيراً على الشيخ السعودي المعارض نمر نمر.
فهل تكفي رسالة غير مثبتة لصناعة الرأي العام؟ وسائل الإعلام هي السلطة الرابعة لكنّها صارت أيضاً تشبه “نسوان الفرن”. “خبرية” ضرب رجل لزوجته مثلاً تنتشر أسرع من النار على الهشيم في التأويلات وقد تتحول إلى ألف رواية من دون أن يعرف أحد الحقيقة، وهكذا بات الإعلام لا يستند على الوقائع على قدر “دغدغة المشاعر” بهدف إحداث تأثير معيّن.
قضية الاغتصاب مرفوضة ومدانة لكن أليست حالة فردية، وهل يجوز التباكي؟ وإن كان الغرب الغيور على الشرق متألماً بسبب إعدام من غير المؤكد فيه أن الفتاة مغتصبة، فماذا عن سياسة غضّ النظر عن جرائم مروعة أكثر ترتكب بحق فلسطينيين وجرائم ترتكب بحق نساء أخريات وهي مثبتة فعلياً. الرسالة معبرة من دون شك، وهي تعبر عن واقع الحال، لكنها ليست إلا جزءاً من هشاشة الصورة التي تقدّم عنا كشعوب متأخرة، ليتها تكون أكثر من صناعة للرأي العام لأهداف سياسية غالباً.

السابق
قاسم: داعش خطر يمكن ان ننتصر عليه ونكسره بتعاوننا ووحدتنا
التالي
من الضنية الى طرابلس: الحلّ العسكري سينقلب على منفّذيه