أهمية سمُوّ القانون الدولي لحقوق اللاجئين على القانون الوطني

أكدت المعاهدات والقوانين الدولية وبشكل غير قابل للتأويل حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، هذا ما تحدثت عنه المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتاريخ 10/12/1948، وبعدها جاء القرار 194 لتاريخ 11/12/1948 ليؤكد هذا الحق، وكذلك المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لتاريخ 16/12/1966، والمادة 5 من إتفاقية حظر التمييز العنصري لتاريخ 4/12/1969، جميع هذه المواد جاءت لتؤكد على أن “للمرء الحق في أن يغادر إلى أي بلد وأن يعود إلى بلده ولا يجوز حرمان أحد من العودة إلى بلده تعسفاً”، وكذلك أكدت تلك المواد على حق اللاجئ الفلسطيني على العيش بكرامة وأن يحصل على حقوقه الإنسانية كاملة إلى حين العودة.

يكاد لا يختلف إثنان على أن حوالي ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني، موزعين في مناطق عمليات “الأونروا” الخمسة والشتات، مطلبهم الرئيسي والأساسي هو العودة إلى منازلهم التي هُجِّروا منها قسراً على أيدي العصابات الصهيونية إبان النكبة في العام 1948، كحل جذري لقضية اللجوء، لكن تتناقض وتختلف رؤية الدول المضيفة لتوفير الحقوق الإنسانية للاجئين وإن كانت بالفعل تساهم في توفير حق العودة أم العكس؛ فلبنان مثلاً والذي يستضيف 483,375 لاجئ مسجل حسب إحصاء وكالة “الأونروا” في الأول من كانون الثاني/يناير 2014، يعتبر توفير تلك الحقوق يساهم في توطين الفلسطينيين، والتفسير السياسي من قبل معظم الكتل البرلمانية لما جاء في مقدمة الدستور اللبناني التي تدعو الى عدم التوطين، يدعو إلى عدم إعطاء الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للاجئين من الحق في العمل والتملك والإستشفاء والتعليم وتشكيل المؤسسات.. مخافة الذوبان في المجتمع اللبناني، أو الخوف من التسبب بخلل ديموغرافي سياسي ورجاحة كفة التوازنات الطائفية الواحدة على الأخرى كما يرى الكثيرون من المؤيدين للحقوق الإنسانية للاجئين في لبنان، إلا أن إستطلاعاً علمياً أجرته منظمة “ثابت” لحق العودة عام 2009، كانت نتيجته بأن رفض 87.6% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان معادلة ” توفير الحقوق المدنية والإجتماعية يساهم في التوطين ونسيان حق العودة”.

في المقابل فإن هذا الأمر يختلف مع كل من سوريا والأردن، ففي سوريا التي تستضيف حالياً 569,645 لاجئ مسجل، صدر القانون رقم 405 لتاريخ 25/1/1949 الذي نص على إستحداث “مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين العرب” بهدف إحصاء وتنظيم شؤون اللاجئين وتوفير إحتياجاتهم الضرورية، أما القانون رقم 260 الصادر بتاريخ 10/7/1956 فقد نص على اعتبار جميع الفلسطينيين المقيمين في سوريا كالسوريين أصلاً في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم مع إحتفاظهم بجنسيتهم الأصلية، وفي تاريخ 15/9/1958 صدر القانون رقم 1130 المتضمن تعديل للقانون 450 بالحاق مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين العرب بوزارة الشؤون الإجتماعية بدلاً من وزارة الداخلية السورية، ولم يكن توفير تلك الحقوق إلا ليساهم في العيش الكريم للاجئين، ولم يكن يوماً عاملاً مساعداً سواءً بالإنصهار والذوبان في المجتمع السوري أو على حساب إستمرار اللاجئين بمطالبتهم بعودتهم الى قراهم الأصلية في فلسطين.

أما في الأردن الذي يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين، 2,154,486 لاجئ مسجل، فقد وفَّرت الحكومة الأردنية الحقوق الإنسانية والسياسية وأصدرت القوانين التي ساوت فيها بالحقوق والواجبات بين الأردني والفلسطيني بعد نكبة العام 48؛ فقد صدر عن الحكومة الأردنية القانون رقم 56 لعام 1949 والذي ينص في مادته الثانية على أن “جميع المقيمين عادة عند نفاذ هذا القانون في شرق الأردن أو في المنطقة الغربية التي تدار من قبل المملكة الأردنية الهاشمية ممن يحملون الجنسية الفلسطينية يعتبرون أنهم حازوا الجنسية الأردنية ويتمتعون بجميع ما للأردنيين من حقوق ويتحملون ما عليهم من واجبات”، وهذا كان قبل ضم الملك عبد الله الأول الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية بناءً على قرارات المؤتمر الشعبي الذي عقد في 24/4/1950، وقد مُنح هؤلاء الجنسية الأردنية وكافة حقوق المواطنة الأخرى من إقامة وعمل وتملك وبناء وتعليم وإستشفاء.. والمشاركة السياسية في الحكم التي تشمل حق الترشح للمجالس النيابية وممارسة حق الإنتخاب وتولي المناصب الوزارية والعامة.. ولم يكون هذا يوماً سبباً في التفكير بما يسمى “الوطن البديل” للفلسطينيين أو إنكفاء للفلسطينيين عن التمسك بحقهم في العودة..

أما في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث وجود 914,192 و 1,307,014 لاجئ مسجل على التوالي، فيتساوى في الحقوق والواجبات كل من اللاجئ والمواطن الفلسطيني بحيث تكاد لا تلمس الفرق باستثناء إرتباط اللاجئين بالمخيمات كعنوان للعودة وما تقدمه وكالة “الأونروا” من خدمات ولم يكن توفير تلك الحقوق إلا إستحضار لعناصر القوة للمزيد من الأنشطة والإبداع المؤسسي الذي يدعو للتمسك ولحماية حق العودة عدا عن العيش الكريم للاجئ.

جاء بروتوكول الدار البيضاء الخاص بمعاملة اللاجئين الفلسطينيين الصادر عن جامعة الدول العربية والمصادق عليه من قبل الملوك والرؤساء العرب في 11/9/1965 بمثابة الرابط الأخوي والمعنوي الإنساني بتوفير كل ما يلزم من احتياجات، وفي المعنى السياسي بالحفاظ على قضية اللاجئين وحق العودة من خلال عدم تجنيسهم ومنحهم وثائق سفر موحدة حفاظاً على هويتهم الخاصة، تحفظت على البروتوكول كل من لبنان والكويت وليبيا، إلى أن صدر قرار مجلس الجامعة العربية في دورته السادسة والأربعين المنعقدة في تونس من 5 الى 12/8/1991 بالموافقة على توصيات تقرير مؤتمر المشرفين على شؤون الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة الذي انعقد في دمشق من 21-27/7/1990،  كتحول إستراتيجي في التعاطي مع اللاجئين؛ فقد اعتمد مجلس الجامعة “تنفيذ بروتوكول معاملة الفلسطينيين وفق النظم والقوانين المعمول بها في كل دوله”، وبهذا لم يعد معاملة اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة وفق إجماع عربي في التنفيذ والتقييم والتطوير أوالمتابعة، بل أصبح وفق ما تراه كل دولة مناسباً، وبعد مرور حوالي 23 سنة، لا نعتقد أن هذا التعديل في القرار قد زاد من إحترام كرامة اللاجئ الفلسطيني، وتوفير كل ما يلزم من أجل تمكينه من حقه بالعودة.

أكد القضاء الدولي، أن قواعد القانون الدولي سواءً كانت إتفاقية أو عُرفية تتقدم وتسمو على سائر قواعد القانون الداخي، أيّاً كانت تلك القواعد، “دستورية أو تشريعية أو لائحية أو أحكام قضائية حيث استقرت المحاكم الدولية على تغليب قواعد القانون الدولي على قواعد القانون الوطني عند التعارض بينهما”، وعلى الرغم من هذا فلا أولوية نافذة للقانون الدولي على الدول المضيفة للاجئين فيما يتعلق بالحقوق الإنسانية المشروعة، لا سيما مفهوم الحماية الشامل على المستوى القانوني والإنساني والجسدي، وهذا يحتاج إلى ضغط رسمي فلسطيني وإرادة سياسية من الدول النافذة في الأمم المتحدة سواءً عربية أو غير عربية.

بقي أن نشير إلى أن الفلسطينيين الذين اضطروا لأن تكون دول الغرب عموماً ملاذاً آمناً لهم سواء على المستوى الأمني أو الإقتصادي، وحصلوا على حقهم الإنساني بالعيش الكريم، والسياسي بحصولهم على جنسيات الكثير من تلك الدول، وبعد عقود من الزمن فلا هم ذابوا في المجتمع الغربي ولا هم نسوا فلسطين من بحرها إلى نهرها.

السابق
في أربعين السيد هاني فحص
التالي
الضاحية: شائعات خلوية وإجراءات احترازية