الجيش يتصدّى لإرهابيين مرتبطين بالنصرة

على رغم ما يمكن وصفه بـ”ليالي الشمال الحزينة” خصوصا في طرابلس التي ما إن تنتهي من جولة من المعارك حتى تعود الى دائرة الاستهداف مجدداً، فإن إصرار الجيش اللبناني على المضي في حربه على الارهاب ينقذ لبنان من حلم اقامة إمارة اسلامية ومن جره الى المستنقع السوري، وجعله اسير تدخل “النصرة” و”داعش” في شؤونه. وقد ظهر جلياً ارتباط الارهابيين الذين يعتدون على الجيش بـ”جبهة النصرة” تحديداً، اذ هددت الاخيرة باعدام الجندي المخطوف علي البزال ما لم يفك الجيش الحصار عن المسلحين في طرابلس. وبعد تراجعها موقتاً، عادت الى تأكيد تهديدها بتنفيذ الاعدام الخامسة فجر اليوم. ولاحقا بثت وكالة “الأناضول” صوراً للعسكريين اللبنانيين الأسرى لدى “النصرة” في اطار رسالة حذروا فيها من أن حياتهم مرهونة بوقف الجيش لما سمته الحملة ضد أهل السنّة.

واعتبر الناطق باسم “كتائب عبدالله عزام” سراج الدين زريقات عبر “تويتر” ان “قتل أهل السنة المتكرر من صيدا إلى طرابلس، وقبلهما في بيروت، لن يمر مروراً عابراً، بل هو أكبر محرض للانفجار السنّي المقبل”.

كذلك سقط صاروخان مصدرهما المجموعات المسلحة في جرود بلدة عرسال، أحدهما في سهل بلدة اللبوة والآخر بين بلدتي اللبوة والنبي عثمان، وقد تبنّت “جبهة النصرة” عبر “تويتر” العملية، وقالت إنّ إطلاقهما جاء “نصرة لطرابلس الشام”.

واذ ابلغت مصادر عسكرية “النهار” ان الوضع الميداني في طرابلس جيد رغم تحصن المجموعات المسلحة بالمدنيين مما يحول دون الحسم السريع، علمت “النهار” ان قائد الجيش العماد جان قهوجي حازم في قرار ضرب الخلايا الإرهابية ولن تتوقف العمليات قبل القضاء عليها، مرجحاً أن تستمر يوماً آخر أو يومين. في المقابل يبدي قهوجي، بحسب سياسي يواظب على الإتصال به، تجاوباً كاملاً عندما يبلغه طلباً لوقف النار من أجل إخراج المدنيين والجرحى على سبيل المثال، وقد لبى هذا النوع من الطلب مرتين على الأقل عندما تلقاه من الرئيس سعد الحريري، ثم من الرئيس تمّام سلام.

ولعل الاهم من إصرار قيادة الجيش على التصدي، الغطاء السياسي الذي توافر للحرب الدائرة على المجموعات الارهابية في طرابلس والمنية وكل الاماكن الاخرى التي تستوجبها هذه الحرب، ومنها المخيمات الفلسطينية التي شدد الجيش الاجراءات في محيطها امس. وأكد لـ”النهار” سياسي شمالي من “المستقبل” تابع التطورات الأمنية والإتصالات في شأنها، أن الموقف السنّي الداعم للجيش “ممتاز”، سياسياً من خلال رئيس الحكومة تمام سلام، والرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة اللذين كانا يطلعان على ما يجري أولاً بأول من خلاله، وأيضاً بقية قيادات الطائفة وشخصياتها، وهذا العامل مهم جداً، وهو داعم شعبياً على ما أظهرت مجموعة واسعة من الإجتماعات تولاها السياسي مع رؤساء بلديات وفاعليات في عكار وطرابلس والضنية.

وقال: “أجزم أن أكثر من 95 في المئة من أبناء الطائفة السنية في الشمال يقفون مع الجيش إذا اصطدم بأي مجموعة مسلحة أياً تكن هويتها. يجب تقدير هذا الموقف الجامع”.
وعلمت “النهار” ان الرئيس سلام، الذي بقي امس على اتصال مع القيادات السياسية والدينية والامنية في الشمال عموما وطرابلس خصوصا، أكد أمام زواره ان لا تراجع عن مواجهة الارهاب من أجل حماية الدولة والامن والنظام ودفاعا عن المواطنين الذين يستحقون أن يعيشوا بكرامة ولا يعبث بأمنهم أي عابث. ولفت الى ان إنهاء ظاهرة الارهاب ليس سهلا لأنها معقّدة لكن العمل لانهائها لا عودة عنه . واوضح ان الاحداث بدأت عندما جرت عمليات الدهم في بلدة عاصون وما لبثت أن امتدت الى اسواق طرابلس.

وقد لجأ المسلحون الى التمترس في كنيسة في طرابلس ثم في مسجد في المنية. وعندما
استطاع الجيش حسم الموقف تحركت مجموعات في باب التبانة مدعومة بـ”جبهة النصرة”.وشدد على ان قرار المواجهة لفرض النظام متخذ وهو مدعوم على كل المستويات بدليل ما صدر عن فعاليات طرابلس، مما يؤكد ان لا وجود لبيئة حاضنة للتطرف. وكشف ان الجيش ضبط ثلاث سيارات مفخخة كما فكك عبوات كانت معدّة للتفجير في جامعة الشرق في المنية وهي جامعة تم إنشاؤها حديثاً. ورفض الخوض في التكهنات والاستنتاجات لأن الوضع الراهن يتطلب التركيز فقط على عودة النظام والهدوء الى كل مناطق الشمال.

وإذ نفى ان تكون ثمة حاجة لانعقاد المجلس الاعلى للدفاع، قال الرئيس سلام إن سفره اليوم الى برلين مدة 24 ساعة هو لمتابعة قضية تحظى بالاولوية ألا وهي معالجة ملف اللاجئين السوريين في لبنان. وهو سيبقى متابعاً للتطورات من هناك لاتخاذ المواقف المناسبة.

من جهته، عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري عن قلقه مما يجري في طرابلس وعدد من المناطق في الشمال. وقال انه لم يفاجأ بهذه التطورات الخطرة بسبب الخطاب المذهبي والتشنج السياسي وتوزيع المال والسلاح. واضاف: “على الجميع ان يعرفوا ان الامن لا يؤخذ إلا بالقوة والحزم”. ولاحظ ان “العلة ليست في المدنيين او في العسكريين وانما في بعض السياسيين”.

ميدانياً، استجاب الجيش في طرابلس للدعوة الى وقف لاطلاق النار لضمان خروج مدنيين محاصرين ونقل بعضهم الى المستشفيات او الى اماكن لجوء موقت، بعد نهار طويل من الاشتباكات التي استمرت منذ مساء الجمعة، موقعة 19 شهيداً عسكرياً ومدنياً سقطوا في المعارك، و100 جريح بينهم 31 عسكرياً حال بعضهم حرجة. وهذه الحصيلة لا تشمل قتلى المسلحين وجرحاهم. وفيما كانت وحدات الجيش تواصل عملياتها العسكرية في منطقة باب التبانة – طرابلس وفي منطقة المحمرة – المنية ومحيطها، تعرضت قوة من الجيش في محلة ضهور المحمرة لمكمن مسلح واستشهد خلال الاشتباك اربعة عسكريين بينهم ضابطان.
وفي انجاز أمني، ألقت القوى الامنية القبض على أحمد محمد شهاب – سوري الجنسية (مواليد 1996) وهو من المجموعات المسلحة التي خطفت الجنود اللبنانيين في عرسال الشهر الماضي.

وكان شهاب في طريقه من بيروت إلى البقاع، ويحمل بطاقة هوية لبنانية مزورة، وحليق الذقن، ولدى وصوله إلى حاجز ضهر البيدر، تعرف إليه أحد عناصر الحاجز الذي كان في عداد العسكريين المخطوفين، فبادره بالقول: “نزال نزال جيت لوحدك ما حدا جابك”. واقتيد إلى وزارة الدفاع للتحقيق.

وليلاً أفيد أن استخبارات الجيش تمكنت من تحرير الجندي طنوس نعمة الذي كان خُطف نهاراً في طرابلس.

السابق
صدر القرار بحقّ طرابلس: إما «عبرنة».. أو «عرسلة»
التالي
السفير :إجهاض مخطط إرهابي في الشمال