مسيحيو شرق صيدا يسعون لـ«العيش بسلام»

لمسيحيي شرق صيدا تاريخ طويل في هذه المنطقة، فهم وجدوا فيها منذ عهد الأمراء المعنيين، حوالي العام 1635. ومنذ ذلك الوقت، بدأوا بالانتشار، فتملكوا واستقروا. ويبلغ اليوم عدد المقترعين المسيحيين في شرق صيدا نحو 49 ألف ناخب، وهم من الموارنة والروم الكاثوليك. إضافة إلى المسيحيين، يعيش في المنطقة نحو 6 آلاف مواطن شيعي في الريحانية، و250 مواطناً سنياً في بنواتى الجزينية، وفق رئيس بلدية بكاسين ومنسق “التيار الوطني الحر” في منطقة شرق صيدا وجزين، حبيب فارس لـ”المدن”.

“الحرب الأهلية، وخصوصاً حرب شرق صيدا منتصف الثمانينات، كان لها الأثر الأكبر في تهجير عدد كبير من أبناء المنطقة، بالإضافة إلى الأسباب المعيشية”. ويوضح فارس أن “وجهة السفر كانت دول أميركا الجنوبية. أما النزوح فكان إلى بيروت ومناطقها الشرقية التي شكلت ملاذاً ملائماً لطالبي العلم والعمل”. يضيف: “لكن صعوبة الأحوال المادية تدفع النازح إلى بيع ممتلكاته في قريته، وهذا ما حصل مع عدد لا بأس به من العائلات المسيحية”. والملاكون الجدد لطالما كانوا من أهالي مدينة صيدا، لكن هذه الظاهرة باتت شبه معدومة اليوم. وهذه الاسباب ليست بعيدة عن واقع أهل بلدة عبرا القديمة التي، وفق رئيس بلديتها وليد مشنتف، “عانت الأمرين”، وهي البلدة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها حسب القيود الشخصية نحو 2000 شخص، أما عدد المقيمين فيها فعلياً فيترواح بين 1000 و1500 شخص.

لم تمر “ظاهرة” الشيخ أحمد الاسير، مرور الكرام على هذه المنطقة. آثارها اختلفت بين قرية وأخرى، لكنها وإن تشابهت من الناحية الاقتصادية، فهي اختلفت من الناحية الأمنية. فكان لبلدة عبرا القديمة النصيب الأكبر من التداعيات الأمنية لهذه “الظاهرة”، لكن الأوضاع عادت إلى طبيعتها تدريجا بعد معركة عبرا، وفق مشنتف. في المقابل، يؤكد مسؤول “القوات اللبنانية” في المنطقة حنا نمور، أن “لا ظاهرة الأسير ولا غيره ستؤثر على وجود المسيحيين في شرق صيدا، لأنها، في قراءتنا، كانت ظاهرة محدودة بالزمان والمكان. كما أنّ الجماعات التكفيرية لا تخيفنا، والتاريخ خير دليل على ذلك، فنحن نؤمن بالعيش المشترك”. ويشاركه في الرأي فارس، الذي أكد أن “للمسيحيين في لبنان قلعة محصنة، والتاريخ أثبت أنهم أقوى من كل الفتن، وأن وجودهم لا يهدده أي غريب عن أرض الوطن”.

وكما غالبية المناطق اللبنانية ليست منطقة شرق صيدا بعيدة عن تأثيرات النزوح السوري إلى لبنان. يقول فارس: “ملزمون بأزمة النازحين، بسبب انتشارهم في المناطق اللبنانية كافة، وبسبب حاجتنا لعدد منهم لأنهم يشكلون يداً عاملة رخيصة، علما أن عددهم محدود. ونحن كمعظم البلديات، نتخذ إجراءات مراقبة في القرى، حيث يتناوب شبابنا على الحراسة الليلية، ونتعاون مع الأجهزة الأمنية بشكل يومي لفرض الأمن والاستقرار، ولضبط أي حركة مشبوهة لأي نازح سوري”. لكنه يؤكد أن المنطقة هادئة، “ونحن نرفض تعاميم منع السوريين من التجول ليلا، لانها تدابير لا تفيد، بل تولد الحقد في النفوس”.

واقع عبرا لا يختلف كثيرا عن بقية المناطق لناحية الوجود السوري. ويوضح مشنتف أن “في البلدة أكثر من 800 نازح سوري، أنشىء لهم مخيم داخل مدرسة مهجورة عند مدخل البلدة، تابعة للجماعة الاسلامية”. ويؤكد أن “التدابير المتخذة اتجاههم تحفظ أمن البلدة وأهلها. كما أن للقوى الأمنية الدور الأكبر والمباشر في حفظ هذا الاستقرار، فهي تقوم بعمليات تفتيش وتدقيق في الهويات بشكل دوري. ونحن كبلدية لدينا شرطة تراقب الوضع باستمرار، ونفرض قيوداً على السوريين الراغبين بالاقامة في المخيم إن لناحية مكان اقامتهم، أو لناحية شروط وجودهم في البلدة”.

على أن “خطر الجماعات التكفيرية” لم يدفع أهالي المنطقة إلى التسلح. هذا هو المشهد العام. يقول نمور: “لم يعد أي قواتي يقتني قطعة سلاح واحدة اليوم. بعدما انتهت الحرب الأهلية سلمنا سلاحنا عن قناعة. لأننا نؤمن بالدولة الواحدة الموحدة، القوية والقادرة. نرفض منطق التسلح لأنه يذكرنا بأيام الحرب. نتعامل مع القوى الأمنية يومياً من أجل اقتلاع من يشكل خطراً على أمننا، وليس أمامنا إلا هذا الخيار”. يضيف: “مسيحيو المنطقة يسعون للعيش بسلام، بين الشيعة والسنة والدروز. وهذا ما يحمي وجودنا ويغنيه”.

في المقابل، يقول فارس: “إذا تسلحنا مش عيب”. لكنّه يؤكد عدم وجود قرار حزبي بالتسلح المنظم، “لأننا نقف خلف المؤسسة العسكرية التي تزودنا بالتوجيهات اللازمة، التي نقوم بتنفيذها على الأرض كل في نطاق بلديته، وتبعاً لإمكاناته”. ويستدرك “بعد الحرب الأهلية، بات في كل بيت لبناني قطعة سلاح فردية خفيفة”.

وفي السياق نفسه يؤكد مشنتف أن “أهالي البلدة وعندما كان الأسير موجوداً في المنطقة لم يسعوا للتسلح. واليوم أيضاً لا نطمح إليه، كما اننا لن نطلب من أي حزب الدفاع عنا، طالما أننا نعيش في دولة قادرة”، مشيرا إلى أن اللقاء الذي عقد في “العناية” بالصالحية، منذ أسابيع، بين الحاج غالب أبو زينب، ممثلاً “حزب الله”، ورؤساء بعض بلديات شرق صيدا، أتى لـ”تفعيل الانصهار الوطني، وتقوية الدفاع الداخلي، من أجل درء الفتنة من الخارج”.

ويشير فارس إلى أن “هواجس مسيحيي صيدا كهواجس كل اللبنانيين. نعيش في بحر هائج. البعض يريد أن يصل إلى شط الأمان، مقابل من يهجم على النار. والخوف من داعش يسيطر على كل لبنان فإما الوقوف خلف المؤسسة العسكرية، أو العودة إلى الحرب الأهلية والدعوة إلى التسلح”.

السابق
نيكولا ساركوزي: «الهجرة تهدد طريقة عيش الفرنسيين»
التالي
الراعي لا يُبارك التمديد للمجلس ولا يلعنه