صناعة الأحذية في بنت جبيل تنتظر إحياءها

اشتهرت مدينة بنت جبيل منذ عام 1920 بصناعة الاحذية على انواعها، وقد تطورت بسرعة لارتباط سوق المدينة بأسواق حوران وفلسطين آنذاك، هذه الصناعة التي ارتبط اسمها باسم عائلات اشتهرت بتصنيعها بلغت ذروة تطورها في بداية السبعينات من القرن الماضي لتحتل المرتبة الثانية في صناعة وتصدير الأحذية في لبنان، الا انها بدأت بالتراجع أواخر التسعينات لظروف امنية واقتصادية، منها الاحتلال الاسرائيلي للجنوب والوضع الاقتصادي الذي عاناه لبنان ولا يزال الى اليوم.

شقت صناعة الاحذية طريقها في بنت جبيل واصبحت لها سوقاً عرفت باسم “السوق القديمة” وسط المدينة منذ عشرينات القرن الماضي، مع انتقال عائلات كثيرة منها الى مختلف مدن وقرى لبنان وفلسطين وسوريا والاردن، إذ عملت في صناعة الاحذية لقاء بدل عيني من انتاج تلك البلاد، وبعض هذه العائلات استقر نهائياً في الاماكن التي زارها أفرادها، ومنها من فضل الانتقال في مواسم معينة من المدينة الى خارجها ثم عاد واسس مصانع كبيرة فيها، وفي أواخر التسعينات انتقل البعض الى منطقة برج حمود والضاحية الجنوبية من بيروت.
في الثمانينات، أنشأ كبار الصناعيين في بنت جبيل 8 معامل كبيرة عمل في كل منها ما بين 15 الى 20 عاملاً، اضافة الى نحو 85 مشغلاً صغيراً وفّرت مورد رزق لنحو 350 عائلة. وكانت هذه المصانع تنتج نحو 3500 زوجاً من الاحذية يومياً، وصرفت الانتاج الى الاسواق اللبنانية وبعض الدول الافريقية ودول الخليج العربي ومنها الكويت.
في نهاية عام 1990 بدأت هذه الصناعة بالتراجع تدريجاً بسبب الكلفة المرتفعة للمواد الاولية وصعوبة تصريف الانتاج، اضافة الى منافسة الصناعة الأجنبية وصعوبة تصدير الانتاج من داخل المدينة الى خارجها بسبب المعابر الحدودية في فترة الاحتلال الاسرائيلي فضلاً عن التقنين في التيار الكهربائي وارتفاع الضرائب وهجرة الشباب الى اميركا ودول الخليج ، فعانت المهنة كثيراً، وأقفل العديد من المصانع الكبرى والمشاغل في المدينة.
استمر الوضع متأرجحاً حتى 2006 إذ دمر العدوان الاسرائيلي السوق القديمة التي انتشرت فيها هذا الصناعة، وبعد اعادة تأهيل السوق لم يتم تشغيل سوى مصنعين و6 مشاغل صغيرة يعمل فيها مئة شخص حالياً وانخفض تالياً الانتاج الى نحو 200 زوج من الاحذية يومياً وتصريفها موسمي. اما المحال فلا تزال مقفلة وغير مستثمرة حتى اليوم.
“النهار” التقت صاحب أحد المصنعين في المدينة غسان شرارة فقال: “خسرت كل شيء في عدوان تموز 2006، لكني قمت باعادة تأهيل مصنعي وانطلقت من الصفر. التعويضات لم تكن كافية للنهوض مجدداً، لكني فعلت المستحيل كي أعاود العمل بمهنتي لأنها عزيزة عليًّ وقد ورثتها عن والدي. صناعتنا المحلية متينة وحالياً لا ينافسنا في السوق من حيث الجودة سوى الحذاء الايطالي لأنه بات لدى الناس اقتناع بأن الحذاء الصيني سعره فيه وهو غير متين. ان ارتفاع الكلفة ارهقنا، تواجه هذه الصناعة مزاجية التجار الكبار، لأننا نضطر الى تصنيع الحذاء ودمغه بالماركة الاجنبية التي يرغب هو بها. وعند شراء المواد الاولية اللبنانية المنشأ والتي تحمل دمغة ماركات اجنبية وفقاً للطلب، نواجه متاعب مع الجمارك لأنهم يظنون انها مواد اولية اجنبية مهربة رغم اننا نبرز فواتير الشراء من البائع. لذا نرجو ان تدعمنا الدولة في هذا الشأن خلال عبورنا على حواجز الجمارك، مهنتنا تحتاج الى الصبر في هذه الاوقات الصعبة وخصوصاً اننا نرى انها في طريقها الى الزوال لان الجيل الجديد لا يتجه الى تعلمها”.
من جهته، قال حسن الحوراني (صناعي قديم) كنت اعمل لنحو 50 مشغلاً اما اليوم فأعمل لنحو 3 مشاغل فقط. اضطررت لان اعمل على اعادة تصليح الاحذية القديمة للمواطنين حفاظاً مني على الاستمرارية وعلى تحصيل لقمة العيش المرّة”.
أما وسام الحوراني وهو صاحب المشغل الثاني الكبير في المدينة فأشار الى ان الدولة لا تدعم صناعة الاحذية في بنت جبيل، يزورنا وزراء الصناعة دائماً ولكن حتى تاريخه لم نحصل على اي دعم، علماً ان هذه الصناعة هي واحدة من الركائز الاساسية لمدينة بنت جبيل بعد قطاع البناء والتجارة وقد عمل فيها خلال العطل الصيفية في الأعوام الماضية الاطباء والمهندسون والنواب وتلامذة المدارس من ابناء المدينة وكانت صناعة مزدهرة، اما اليوم فهي في تراجع مخيف”.
في الخلاصة، جميع من يعمل في هذه الصناعة يرى ان لا مستقبلا زاهرا لها، وهي مهددة بالزوال وان تنشيطها في الوقت الحالي يقع على عاتق اصحابها الذين عليهم انشاء نقابة تطالب بحقوقهم وتنظم دورات حرفية ومهنية لهم، وتعاونية تسهل عملية شراء المواد الاولية بأسعار مخفضة بدون وسيط وتسهّل لهم عملية التسويق من دون المرور بوسيط وعلى الدولة في المقابل دعمها وتوفير حماية الانتاج الوطني من المنافسة الاجنبية وايجاد اسواق خارجية أوسع لها.

السابق
بيروت من المرتبة 20 الى المرتبة 14
التالي
جثة مجهولة الهوية على اطراف بلدة عرسال الشرقية