أمير أم أميران لـ«داعش» في القلمون؟

لعبة التكتم والغموض تتقنها الحركات «الجهادية»، وتتفنن في إدارتها بحسب ما تقتضيه الظروف المحيطة بها، لكن ليس كل غموض يلف بعض الأحداث هو من قبيل «التفنن الجهادي»، إذ يمكن أن تستثمر أطراف أخرى هذا الغموض لضخ معلومات غير صحيحة تحقق بها مصلحتها، كما يمكن أن يتحول الغموض إلى نوع من الخديعة المقصودة التي لا يتجرع مرارتها في النهاية إلا أناس أبرياء.

وبعد مضي حوالي ثلاثة أشهر، على أحداث عرسال وخطف الجنود اللبنانيين، وما تخللها من معاناة لهم ولأهاليهم، قد يبدو غريباً طرح السؤال: من الذي يملك صلاحية بتّ مصير التفاوض حول إطلاق سراحهم؟ وهل تضارب الأنباء حول من يتولى هذا الملف من جانب تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» يدخل في خانة الغموض، أم يرتقي إلى مستوى الخديعة؟.
طرحت خلال الأشهر الماضية أسماء عدة قيل إنها تتولى مناصب عالية داخل «داعش» وموكلة بملف التفاوض حول الجنود المختطفين. من هذه الأسماء أبو طلال الحمد، نائب قائد «لواء فجر الإسلام» المعتقل لدى الجيش اللبناني عماد جمعة (أبو أحمد) الذي قيل عنه بدوره إنه «أمير داعش في القلمون». ثم طرح اسم أبو حسن السوري باعتباره مكلفاً من قبل قيادة «داعش» باستلام ملف التفاوض، ليغيب هذا الاسم بسرعة بعد ظهور اسم أبو عبد السلام الشامي، الذي تصفه بعض وسائل الإعلام بأنه «أمير داعش في القلمون»، بينما تصفه أخرى بأنه «والي داعش في دمشق».

وذكرت وكالة «الأناضول» أنها أجرت في 6 تشرين الأول الحالي لقاءً عبر الانترنت مع أبي عبد السلام الشامي، واصفة إياه بـ «أمير الدولة الإسلامية في القلمون». واتّهم الشامي، في اللقاء، الحكومة اللبنانية بالمراوغة، مشيرا إلى أن مطالب «الدولة الإسلامية» ليست تعجيزية.

والمثير للاهتمام في هذا اللقاء أنه جاء في وقت غير متوقع، حيث كانت قيادات «الدولة الإسلامية»، من الصف الأول والثاني على وجه الخصوص، منشغلة باتخاذ أشد التدابير الأمنية لحماية نفسها، بعد أن تقرر توسيع عمليات القصف الجوي لتطال الأراضي السورية، كما تزامن مع صدور تعميم من قيادة «داعش» بمنع «أمرائه وقيادييه» من التصريح إلى وسائل الإعلام، في إطار حملة التكتم الإعلامي التي اتبعها مع بدء الغارات الجوية ضده في العراق قبل حوالي شهرين.

بل إن هذا اللقاء يعتبر غير مسبوق منذ بدء الأزمة السورية، حيث لم يسبق لأي «أمير أو قيادي» في «داعش» أن أعطى تصريحاً إلى وسيلة إعلامية. وحتى عندما أذاعت قناة «الجزيرة» في أيلول الماضي لقاءً حصرياً مع أبو مجاهد، مقدِّمةً إياه على أنه «القائد العسكري لداعش في جنوب دمشق»، صدر بيان من «المكتب الإعلامي لولاية دمشق» ينفي أي علاقة للتنظيم بالمدعو «أبو مجاهد»، ومؤكداً أن الاتصال مع «داعش» يتم عبر قنواتها الرسمية المعروفة.

وخلال الأيام الماضية، تداولت بعض الصفحات «الجهادية» على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة ميثاق بين عدد من الفصائل، اتفقت فيه على كيفية التعامل مع قرى «الرافضة» و«بعض قرى النصارى» في لبنان. ولم يحمل الميثاق سوى ختم «جبهة النصرة» وتوقيع أبو عبد السلام باعتباره «أمير داعش في القلمون»، بينما بقي فارغاً مكان توقيع قادة فصائل مذكورة بالإسم مثل «مجموعة أبو علي الشيشاني» و«لواء الحق» و«سرايا الحسين بن علي» و«لواء أعدوا» و«لواء الغرباء» و«تجمع قارة».

فهل أبو عبد السلام الشامي هو فعلاً أمير «داعش» في القلمون؟ قد يكون هذا صحيحاً إذا كان «داعش» في القلمون انقسم إلى قسمين: قسم يقوده أبو عبد السلام، وآخر يقوده «الدليمي» أو «الشيخ الدليمي» العراقي الجنسية. لكن لم ترد أي أنباء ولا توجد أي مؤشرات على حدوث مثل هذا الانقسام. والأمر الوحيد الذي استجد هو مبايعة «لواء فجر الإسلام»، بقيادة عماد جمعة، «الدولة الإسلامية» في حزيران الماضي، وقبل أسبوعين فقط من اندلاع أحداث عرسال أوائل آب، والتي كان سببها المعلن اعتقال الجيش اللبناني لجمعة آنذاك.

ومنذ ذلك الحين، بدأ التضارب في الأنباء حول «داعش في القلمون» ومن يقوده، حيث تم تقديم عماد جمعة المعتقل على أنه «أمير القلمون» ليقال إن نائبه أبو طلال استلم «الإمارة» بعد اعتقاله. وعند مقتل أبي حسن الفلسطيني (أحمد طه) في معركة عرسال الأولى، قيل إنه كان هو «الأمير»، وكذلك عند مقتل أبو عبد الله العراقي وصف بأنه «أمير القلمون» السابق، لتختفي كل هذه الأسماء في الآونة الأخيرة، ويبرز اسم أبو عبد السلام.

أما «الدليمي»، البعيد عن الأضواء، فلا يحرك ساكناً وسط كل هذه الفوضى وتضارب الأنباء، ويرفض التعليق على كل ما يشاع، لكنه على الأرض يفرض نفسه «أمير الدولة في القلمون» فالكلمة كلمته والقرار قراره، وهذا ليس سراً يذاع للمرة الأولى، بل الغريب انه معلن ومتداول خاصة من قبل نشطاء القلمون الذين ينقلون بعض أخبار الدليمي ويكتبون عنه من حين لآخر، فهل يعقل أن يكون لـ«داعش في القلمون» أميران؟.

وقد كان لافتاً أن يصدر عن قيادة «الدولة الإسلامية» مؤخراً قرار يقضي بفصل «لواء فجر الإسلام» من صفوفه بسبب «عدم الانضباط» وكثرة التجاوزات. إلا أن مصدراً مقرباً من التنظيم المتشدد أكد أن القرار لا يشمل سوى العناصر المسيئة فقط، ومن بينها قيادات، ولا يشمل اللواء كله، مشيراً إلى أن هذا القرار صدر بشكل خاص بسبب إدارة ملف التفاوض حول جنود الجيش اللبناني.
ولا تعرف تفاصيل كثيرة عن الدليمي، ولكن يعتقد أنه عمر الدليمي، شقيق سجى الدليمي التي أفرج عنها في صفقة تبادل راهبات معلولا وأشيع حينها انها زوجة قيادي كبير في تنظيم «القاعدة»، ثم أعلن أبو معن السوري، «إعلامي النصرة في القلمون»، أن سجى هي زوجة زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، وهو ما نفاه أنصار الأخير بالقول إنها طليقته ولم تعد زوجة له.

السابق
فتفت مهدّد أمنياً؟
التالي
بيروت من المرتبة 20 الى المرتبة 14