اميركا: لوتو داعش والجائزة الكبرى ايران

لا يفاجأ الدبلوماسيون الاميركيون حين يقال لهم ان الادارة الاميركية قادرة، ان ارادت ذلك، على انهاء تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” في فترة وجيزة. ومرد ذلك، كما يتردد على السنة بعض الدبلوماسيين، اعادة التذكير بالخطوات التي حددها الرئيس باراك اوباما عشية اعلان الحرب الاميركية على هذا التنظيم، وغداة اطلاق التحالف الدولي الذي نشأ لمواجهته. فقد قال ان لا نيّة للرئيس اوباما في استخدام القوات البرية الاميركية خلال هذه الحرب، بل قصارى ما يمكن ان تقدمه واشنطن عسكريا في هذه المعارك هو مئات الخبراء الاميركيين لاسناد الجيش العراقي، واستخدام سلاح الجو خلال العمليات العسكرية، واستخدام البوارج كمنصات لاطلاق الصواريخ وتوجيه الطائرات الحربية على انواعها.

لقد حدد الرئيس الاميركي مدة زمنية تمتد بين 3 سنوات وخمس سنوات للقضاء على هذا التنظيم. وتحديد هذه المدة الزمنية، التي بدت طويلة بالنسبة إلى كثيربن من الداعين لانهاء هذا التنظيم، قد يبدو عكس المرجو منه. ذلك أنه اذا ما جرى التدقيق في الشروط التي وضعها الرئيس الاميركي لانجازها، نجد ان ما طلبه أوباما هو عملية سياسية يجب ان تواكب العمليات العسكرية ضد “داعش”. وهذه العملية السياسية حددها على خريطة انتشار هذا التنظيم، وهي في اعادة صياغة العملية السياسية بالعراق، بما يوفر اعادة الاعتبار للمكون السني في المعادلة السياسية العراقية وداخل الدولة. كذلك في سورية. وقال أوباما: “نريد ان تكون هناك قوات عراقية قادرة على السيطرة في المناطق التي يمكن ان نخرج “داعش” منها وهذا يتطلب وجود حكومة تمثل الجميع وقادرة”.

الى هذا التحدي، ثمة ما هو اهم في نظر الاميركيين، ألا وهو اعادة صوغ المعادلة الاقليمية بشروط جديدة، تحقق لاطراف النزاع الاقليمي مساحة من الادوار التي لا تميز بين الحلفاء التقليديين لواشنطن، او اللاعبين الجدد تحت المظلة الاميركية… وازاء هذه الشروط السياسية والاقليمية يمكن فهم اسباب عدم استعجال واشنطن للقضاء على داعش. فهي ببساطة لا تجد نهاية لداعش اذا لم يكن من بديل سياسي واقليمي قادر على الحلول مكانها.

لكن السؤال الذي يتقدم في مواجهة هذه العناوين الاستراتيجية الاميركية هو التالي: ماذا يمكن ان تفعل “داعش” خلال هذا الاستعداد الطويل للقضاء عليها؟

هذا التنظيم الفتي اظهر قدرة ليس على الصمود فحسب، بل على التمدد في خضم الحرب عليه من قبل التحالف الدولي، سواء في العراق او في سورية. واذا كان هناك من يوفر دعما لوجستيا وماليا لهذا التنظيم، من بين اطراف التحالف الدولي، الا ان ذلك، ان ثبت، لا يقلل من قوة ذاتية توافرت لداعش. منها اسباب اجتماعية وسياسية لا تغيب عن احد. فداعش هو فكرة جاذبة لكل من يعتقد ان العالم الاسلامي السنّي يتعرض منذ سنوات لهجمة استعمارية واحدة غربية تمثلها الادارة الاميركية، واخرى مذهبية تقودها ايران في سورية والعراق واليمن. وهو جاذب ايضا لكل من يعتقد ان النظام العربي الرسمي، او ما تبقى منه، عاجز ان يكون ندّا للهجمة الخارجية من جهة، وفاشل وقامع لتطلعات المجتمعات العربية تحو الحرية ولتقاسم عادل للثروات الوطنية من جهة ثانية. بهذا المعنى تنظيم داعش هو اكبر تنظيم في العالم الاسلامي، على ما قال الكاتب جهاد الزين.

في المقابل يعتقد بعض المراقبين انه اذا كانت اهداف واشنطن واضحة لجهة صوغ معادلة اقليمية جديدة في الشرق الاوسط، فان ثمة ما هو مسكوت عنه في السياسة الاميركية، وهي خريطة الطريق لتحقيق هذه الاهداف. وهذا ما بفسر الارباك الحاصل بين اطراف التحالف الدولي، فيما نموذج عين العرب يكشف عن ان واشنطن لا تريد انهاء داعش تماما كما لا تريد له ان يحقق انتصارا. فكوباني مساحة لانهاك الطرفين، داعش والاكراد، وهذا ما يمكن تلمسه في الميدان العراقي ايضا، حيث يتم استثمار سيف داعش لفرض تنازلات سياسية على حكومة حيدر العبادي وعلى ايران. الا ان واشنطن تبقى عينها مثبتة على ما تعتقد انه الجائزة الكبرى لها في هذا المخاض الاقليمي: اي ايران. ويلفت المراقبون الى ان موعد 25 تشرين الثاني سيكشف مسار المفاوضات بين دول 5+1 وايران، وسط حديث متفائل، ايرانيا ودوليا، عن امكانية الوصول الى اتفاق.

وايّا تكن النتيجة الا ان هذا التاريخ سيشكل مفصلا في السياسة الاميركية. ذلك ان واشنطن، التي هضمت اقتصاديات المنطقة العربية، تطمح الى لعبها دورا محوريا في الاقتصاد الايراني. واذا كانت واشنطن غير مهتمة بمواجهة النفوذ الايراني وتمدده، كما هو الحال في اليمن، او في سورية والعراق، فهي تعلم ان دولا اقليمية (تركيا، السعودية، مصر واسرائيل) بما فيها تنظيمي داعش والقاعدة، يشكلون قوة ردع واستنزاف يعفي واشنطن من الرد المباشر. وبانتظار موعد 25 تشرين الثاني، سيبقى سيف العقوبات مسلطا على ايران، الى سلاح اضافي هو خفض سعر النفط الذي يضيف اعباء جديدة على الدولة الايرانية. إضافة الى حاجة السلطة الايرانية المتنامية، على مستوى الداخل وفي الاقليم، الى مستوى ملح من التعاون مع واشنطن في ظل الغضب السني ضدها. غضب يجعل من العودة الى الصراع الايديولوجي مع واشنطن عودة الى تاريخ أفل.

السابق
هجوم بالرصاص على 3 مواقع قرب مقر البرلمان الكندي ومقتل جندي ومسلح
التالي
كيف فخّخ الأتراك مشروع الوثيقة الختامية؟ هكذا نجا لبنان من «كمين اللاجئين»