«أم نور».. مديرة شبكة تسوّل

على دراجتها النارية تصل يومياً وابنتها جالسة خلفها، تركنها جانباً، تخرج كرسياً متحركاً وعلب محارم من عربة الخضار التي تملكها إلى جانب الطريق، ترتبها وتبدأ عملها بعرض مبيعاتها على السيارات المارة، إنها اللبنانية هدى المعروفة بـ”أم نور”، على الرغم من أن لديها من الذكور خمسة ومن الإناث العدد عينه.

اتخذت هدى من إحدى زوايا شوارع بيروت “متجراً” لها، تفتتحه من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى التاسعة مساء، من دون أن ترهقها حرارة الشمس صيفاً ولا غزارة الأمطار شتاءً. جميع من مرّ على تلك الطريق يعرفها، فهي مديرة ناجحة لم تغب عن دوام عملها يوماً، لتتدرج من منصب متسولة إلى بائعة خضار فمحارم ورقية.

شركة وموظفونام نور

يتوزع باقي موظفي الشركة المقتصرين على أبنائها في الأحياء المجاورة، يتسولون ويبيعون ما يتوافر بين أيديهم، لكنهم أقل مواظبة على الدوام واجتهاداً من والدتهم، باستثناء نور العيون ابنة الـ14 ربيعاً التي تجلس على كرسي متحرك “نتيجة حاجتها إلى حوض لوركها”، كما قالت والدتها لـ”النهار”، فهي ظلها الذي لا يفارقها. لكن جميع أبناء المنطقة يعلمون تماماً أن في استطاعة نور المشي بعد أن رأوها بأم العين تركض وراء أخيها يوم أثار غضبها، ومع ذلك تصرّ والدتها على أن جلّ ما تقوى عليه ابنتها هو الوقوف، والتحرك بضع خطوات.

متسولة العصر

الحاجة دفعت هدى للنزول إلى الشارع ومدّ اليد، ومن رأها في بداية تسولها كان قلبه ينفطر على سيدة ثلاثينية كل همها علاج ابنتها، لكن ما إن مرّت بضع سنوات حتى اختلفت الصورة، بخاصة عندما اشترت سيارة من صاحب دكان في المنطقة، فظهرت وكأنها متسولة العصر الحديث، وربما قد تكون المتسولة الأولى التي تمتلك سيارة من غير أن تنفي ذلك، بل على العكس كانت تصل وهي تقودها صباحاً الى الشارع حيث ترابض، تركنها جانباً، لتبدأ عملها. ولفتت بكل فخر: “نعم اشتريت سيارة، أين المشكلة؟ لكن قمت ببيعها بسبب عطل أصاب محركها، واشتريت بدلاً منها دراجة نارية، مرتاحة في قيادتها وركنها وسرعة الوصول في ازدحام الشوارع”.

بعد التسول وبيع العلكة، تطور طموح “أم نور”، فقامت بشراء عربة لبيع الخضار، زبائنها ازدادوا مع الأيام والعربة تحولت إلى عربتين، واحدة للخضار وأخرى للفاكهة، لكن “معارضة البعض ومحاولة شبان التشبيح عليّ والزامي بدفع مبلغ 10 آلآف ليرة يومياً دفعاني الى تقديم استقالتي من هذه المهنة”.

شريط حياتها

تستعيد “أم نور” شريط حياتها وتستذكر “عانيت منذ وفاة زوجي نتيجة مرض السرطان الذي أصابه في عظامه، فبرغم أن ارتباطي به لم يكن نتيجة علاقة حب جمعتنا، بل قرار من جدّي الذي قبل بأول عريس تقدم إليّ حين كنت في سن الثالثة عشرة، خوفاً عليّ من الوقوع في الخطأ والرذيلة”. وأضافت: “حين تزوجت سكنت وسط البلد، كانت البيوت مهدمة، ومع ذلك كنت فرحة، كان زوجي يبيع ساعات، وكان وضعنا المادي لا بأس به، أنجبت منه تسعة أولاد وحين كنت حاملاً بالجنين العاشر توفي”.

نور العيون

أبصرت “نور العيون” الضوء من غير أن تبصر والدها، الذي أورثها مرضه، لكن هذه المرة في رأسها بدل عظمها، حيث شرحت لـ”النهار” بأنها “خضعت لعمليتين جراحيتين بمساعدة رئيس الحكومة السابق الشهيد رفيق الحريري، استئصل قسم من السرطان، لكني لم أشف تماماً، فقد أبى القسم الآخر منه تركي والرحيل، ومع ذلك تم لجمه في مكانه ولم يتحرك منذ ذلك الحين، وكل ثلاثة أشهر أخضع لعلاج كيميائي لاستمرار السيطرة عليه”.
وخلافاً لوالدتها التي قالت إن لديها خمسة أولاد في دار الأيتام وخمسة يقومون بمساعدتها، أشارت نور ان “لدي شقيقتان متزوجتان خارج لبنان، وأخرى متزوجة في إحدى الضيع، أما نحن فنسكن في مخيم شاتيلا في منزل قمنا باستئجاره بـ300 دولار أميركي”.

وكر للتسول

أحد أبناء المنطقة عبّر لـ “النهار” عن رأيه بـ”أم نور”، قائلاً: “كتير زادتها، نفهم أنها تتسول، لكن أن تضع عربتها بشكل دائم على جانب الطريق وكأن الأرض ملك لها، أو أن توزع أبناءها ووالدتها السبعينية في شارع لا يصل طوله بضعة أمتار، بين المتر والمتر ولد، فهذا أمر لا يحتمل، نعم الشارع شعبي لكن بوجود أم نور بات وكراً للمتسولين”.

السابق
معركة عين العرب: استدراج.. واستدراج مضاد!
التالي
بري دعا الى جلسة انتخاب رئيس في 29 الجاري