في ظل اجتياح سوري لمختلف قطاعات العمل: دعوة لحماية العمالة اللبنانية

أكثر من مليون و600 الف لاجئ سوري يستضيفهم لبنان حتى الآن، أي ما يوازي أكثر من ثلث الشعب اللبناني. فترة الضيافة هذه قد تطول بسبب دمار ما يزيد عن مليون وحدة سكنية في سوريا، أي أن الكثير من اللاجئين لن يتمكنوا من العودة، حتى ولو هدأت الاشتباكات. فإعادة إعمار هذه المباني يحتاج من 5 إلى 10 سنوات على الاقل.

ما مناسبة هذا الكلام؟ لم يعد خافيا أن بعض الشباب اللبناني بدأ يتأفف من مصادرة اللاجئين السوريين فرص العمل في لبنان، نظرا الى الاجور الزهيدة التي يرضون بها. هذا الواقع يدفع بالعديد من الشباب اللبناني الى الهجرة بحثاً عن عمل يُسرق منهم في بلادهم، خصوصا في ظل غياب الرقابة الرسمية التي يمكن ان تحد من انفلات الوضع الذي يهدد حاليا فرص العمل، حتى في الوظائف المحصورة باللبنانيين من دون غيرهم.
المخاوف المتنامية لدى اللبنانيين من منافسة اليد العاملة الاجنبية، وخصوصا السورية منها، يتفهمها وزير العمل سجعان قزي، الذي يقول لـ”النهار” ان وزارته عازمة على جبه هذه الاخطار تحت سقف القانون اللبناني ومصلحة المواطن اللبناني وحقوق الانسان عموماً. ويعتبر أن اي معالجة يفترض فيها ان تكون بعيدة كل البعد من التعصب والعنصرية اللذين يراهما قزي ينموان احيانا في بعض البيئات ضد الاجانب من هويات محددة. لكن يجب وضع هذا الموضوع في اطاره الصحيح، يقول قزي. فلبنان “لم ينقطع يوما عن الاستعانة باليد العاملة الاجنبية، وخصوصا السورية منها. لكن الفارق ما بين أمس واليوم هو انه بالأمس كانت هناك دولة قادرة على ضبط العمالة الاجنبية، في حين أننا نعيش اليوم في ظل دولة ضعيفة ومفككة وغير قادرة على ضبط هذه الحالة. والفارق الآخر هو انه بالامس كانت اليد العاملة الاجنبية، وخصوصا السورية منها، لا تنافس اليد العاملة اللبنانية في قطاعات عدة، وكان السوريون سابقاً يعملون فقط في القطاعات الانتاجية التي لا يعمل فيها اللبنانيون بكثافة، مثل قطاعي الزراعة والبناء وما شابه”. أما اليوم، يضيف قزي، فالسوريون يجتاحون كل قطاعات العمل في لبنان، لا بل قطاعات ارباب العمل، في ظل عجز الدولة عن مواجهة هذه الحالة. فوزارة العمل لا تضع يدها الا على نحو 2% كحد أقصى من المخالفات الموجودة على كل الاراضي اللبنانية، إذ ليس لديها فريق تفتيش وتحقيق قادر على تغطية كل المخالفات، فهي سبق أن اعلنت مرارا أن عدد المفتشين الاداريين لا يتجاوز عملياً الــــ9 مفتشين”. والمؤسف، وفق قزي، “أن لا مجلس الوزراء ولا إدارة البحوث والتوجيه يتجاوبان مع مطالب وزارة العمل لمضاعفة عدد المفتشين”.

استسهال أرباب العمل
… وأكثر، حتى لو أن وزارة العمل وضعت يدها على كل المخالفات، فهي ليست سلطة تنفيذية، وفق قزي، وتاليا “لا تستطيع أن تحل مكان وزارتي الداخلية والعدل ومحل الامن العام والدرك”. ولكن في المقابل لا بد من الاشارة الى واقع هو “شغل ايدينا”، إذ “ان عددا لا يستهان به من اللبنانيين، أكانوا ارباب عمل أو افراداً، يستسهلون ويسترخصون الاستعانة باليد العاملة الاجنبية على حساب اليد اللبنانية، فيدفعون لها أجورا ادنى ولا يسجلونها في الضمان ولا يتحملون الراتب التقاعدي وما شابه ذلك من الواجبات المفروضة على اصحاب العمل حيال موظفيهم”، يقول قزي.
تستطيع وزارة العمل، استنادا الى القوانين اللبنانية، أن تحجب اجازات العمل عن الاجانب الذين يعملون بشكل منافس لليد العاملة اللبنانية، وان تبلغ الوزارات المعنية من الداخلية والشؤون الاجتماعية والخارجية بأوضاع الاجانب الذين يطلبون اجازات من وزارة العمل، وان تضع يدها على المخالفات في اطار التفتيش. ولكن اجراءاتها وفق قزي “تقتصر على توجيه انذار اولي لصاحب المؤسسة، وابلاغ السلطات الامنية والقضائية بالعاملين في شكل غير شرعي لدى ارباب العمل. وبعد مهمة الانذار بفترة تستطيع أن تسطر محاضر ضبط يناهز كل منها المليوني ليرة بحق المؤسسة. وفي حال لم تأت المؤسسة، وتُســـوِّ اوضاعها وتدفع محاضر الضبط، نستطيع أن نحيلها مباشرة على النيابة العامة لاجراء اللازم. ولكن الوزارة لا تستطيع وحدها ان تطرد مباشرة الاجانب الذين يعملون في شكل غير شرعي من دون الرجوع الى القوى الامنية”. وبحكم كونه أحد اعضاء اللجنة الوزارية المختصة باللاجئين السوريين بدأ قزي بإرسال نتائج التحقيق والتفتيش التي يجريها موظفو وزارة العمل الى وزارتي الشؤون الاجتماعية والداخلية، ليصار الى شطب كل سوري يطلب العمل في لبنان من لائحة النازحين. إذ لا يحق للنازح الذي يفيد من تقديمات المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة أن يعمل في الدولة التي تستضيفه كلاجئ.
القرار للوزارة
وخلافا لما يعتقده البعض بان السوري لا يحتاج الى اجازة عمل وان سوق العمل مفتوحة له، يؤكد قزي أنه يحتاج الى اجازة عمل في اي قطاع من قطاعات العمل. فالسوري يدخل كسائح الى لبنان بسمة دخول لثلاثة أشهر. فإذا كان يريد أن يعمل فعليه أن يتقدم بعد 10 أيام بطلب اجازة عمل. ومن الشروط أن لا يكون لاجئا وأن يكون دخل الى لبنان بالطرق الشرعية، وأن تكون اوراقه الخاصة الثبوتية صحيحة ومصدّقة من مراجعه، ويجب أن يكون مجال عمله في قطاعات غير محصورة باللبنانيين، ويبقى أخيرا استنساب اعطاء هذه الاجازة لوزارة العمل.
وبصفته وزيرا للعمل، ونظرا الى دقة هذا الموضوع وحساسيته، فقد طرحه قزي على اللجنة الوزارية للاجئين، وكان ثمة قرار واضح بضرورة تطبيق القوانين اللبنانية وحماية اليد العاملة المحلية، لا سيما في ظل وجود مليون و600 الف لاجئ سوري، منهم 47% قوى عاملة ينافسون العمال اللبنانيين.

السابق
القدس بين اتحاد علماء المقاومة والتقسيم الصهيوني والصراعات الداخلية
التالي
أحكام بالسجن على أعضاء خلية إرهابية في السعودية