جنبلاط يتودّد للنّصرة بعد تراجع قوّة حزب الله‎

وليد جنبلاط
جنبلاط لا يؤمن أنّه يجب على الطائفة الدرزية في لبنان أن تتسلّح، واذا كان لا بد من التسلّح فإنّه سيكون للقتال مع جبهة النصرة السورية التي تقاتل النظام وقد تعاظمت قدراتها العسكريه، وأصبحت جغرافيا محيطة بمراكز ثقل التجمعات السكانية الدرزية في لبنان وسوريا. فحاضنتها السنية هي البحر المحيط ببني معروف، لذلك لا بد من محالفة تلك الجبهة بدل المغامرة في استعدائها وتحمّل نتائج وخيمة لا طائل للأقلية الدرزية في لبنان وسوريا على تحمّل كلفتها.

من منطلق استشعاره الخطر على لبنان وعلى الطائفة الدرزية التي تتزعّمها أسرته منذ عقود، انطلق وليد جنبلاط في جولته الأخيرة المثيرة للجدل على الساحة السياسية في لبنان و شملت منطقتي خلدة وعرمون ذات الاغلبية الاسلامية السنية جنوب بيروت، حدود معقل طائفته الدرزية. وهو في تأكيده على التمسّك بمؤسسات الدولة ومرجعيتها وعلى رأسها الجيش اللبناني، يدرك ان التجارب السابقة أثبتت انه لا يمكن الركون الى تلك المؤسسات والثقة بقدرتها على مواجهة الفتن لأنّها سرعان ما تنقسم ويصيبها الشلل عند المواجهات بين الطوائف الكبرى فيه، وهو ما حدث خلال الحرب الأهلية التي مزقت البلد منذ نحو أربعة عقود.

الوحدة الوطنية مهدّدة إثر الانقسام اللبناني الحاد، السني – الشيعي، الذي بدأ مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، واليوم الجيش مهدّد مرة أخرى اثر تنامي هذا الانقسام وتضاعفه مع تدخّل حزب الله في سوريا دعما لنظام الرئيس بشار الأسد وظهور الجيش اللبناني بمظهر الحليف للسلاح الشيعي ضد نظيره السني “المتعاطف مع الارهابيين التكفيريين”. هذا المشهد لم يعد يغري الطوائف الاخرى بالوقوف على الحياد بعد ان عم الاضطراب والتوتر صفوفها، من بينها بالطبع الطائفة الدرزية القلقة على حاضرها ومستقبلها.

غير ان المفاجأه هي ما نقل عن جنبلاط عندما سأل أحد دعاة التسلح: بوجه من تتسلّحون ولأيّ هدف؟ لا مكان لكم هنا، إذهبوا للقتال مع “النصرة” في سوريا”. موضحا لمحدّثيه في عرمون أنّ “جبهة النصرة ليست تنظيما ارهابيا” !

ولشرح موقف جنبلاط المفاجىءلا بدّ للعودة بالتاريخ لأكثر من شهرين ومع ما حدث في سوريا في جبل العرب من اشتباك سقط فيه 12 قتيلا درزيا اثر هجوم شنته مجموعة من المعارضة السورية على السويداء. ومعلوم هو حجم الترابط العاطفي والطائفي تاريخيا بين وادي التيم اللبناني وجبل العرب السوري. فقام وجهاء بلدة راشيا اللبنانية، الذين ساءهم ما حصل بحق أبناء جلدتهم الدروز السوريين، وكانوا قد استشعروا الخطر من مرابطة جماعتي الجيش الحر وجبهة النصرة السوريتين على تخوم بلدتهم الحدودية ، فقابلوا زعيمهم وليد جنبلاط الذي أبلغهم بعدم استبعاد الطلب مستقبلا من حزب الله حماية المنطقة وتسليح شبابها اذا ما تطورت الامور وخرجت عن سيطرة الجيش المتواجد بأعداد لا بأس بها. لكنّه قال لهم إنّه لا يستطيع منع تسللات ليلية أو عمليات عسكرية يشترك بها اعداد وفيرة من المسلحين لاختراق المنطقة على غرار ما حدث في عرسال.

غير ان التطورات الميدانية فرضت نفسها مؤخرا، بعدما احتلّت جبهة النصرة الحدود السورية الاسرائيلية حيث اغلبية السكّان من الطائفة الدرزية، ان كان في الجولان المحتل أو في منطقة القنيطرة المحرّرة، اضافة الى سيطرة الجيش الحر وجبهة النصرة على مناطق جديده في سهل حوران ودرعا المحيطة بجبل السويداء، عرين الدروز التاريخي وأكبر تجمع سكاني لهم في سوريا.

ويبدو انّ ظهور حزب الله الاخير في معركة بريتال بمظهر ضعيف وهو يدافع عن معاقله في منطقة جرود بعلبك الهرمل متكبّدا خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، أشّر عند الزعيم الدرزي على بدء تبدّل في موازين القوى، وهو الذي تعنيه جدا هذه الموازين كما خبِرنا سابقا وعلمنا، فانعكاسها يظهر جليا في تحركاته السياسية واندفاعاته، أو إحجاماته المفاجئة التي تقلب بعض مواقفه رأسا على عقب.

فجنبلاط لا يؤمن بتسليح طائفته في لبنان لأن لا خطر حقيقيّ يتهدّدها برأيه، واذا كان لا بد من التسلّح فإنه سيكون للقتال مع جبهة النصرة السوريه التي تقاتل النظام وقد تعاظمت قدراتها العسكريه، وأصبحت جغرافيا محيطة بمراكز ثقل التجمعات السكانية الدرزية في لبنان وسوريا، كما ان حاضنتها السنية هي البحر المحيط ببني معروف، فلا بد لذلك من محالفة تلك الجبهة بدل المغامرة في استعدائها وتحمّل نتائج وخيمة لا طائل للأقلية الدرزية في لبنان وسوريا على تحمّل كلفتها.

والخلاصة، فإنّ جنبلاط، في حركته الأخيرة، يحاول أن يحمي القبيلة الدرزية ، كما يحمي “تيار المستقبل” القبيلة السنية، وكما يحمي “حزب الله” القبيلة الشيعية في لبنان وسوريا والعراق، فعلام الجدل ولماذا تُطرح التساؤلات؟!

السابق
فيفو : لا تقعوا في فخّ «الحاقدين»
التالي
«المصارع» نقولا فتّوش