بيروت من دون سيارات؟

ليس في الأمر مبالغة إن قلنا إن تذمّرَ اللبنانيين من زحمة السير أمرٌ يومي، بل يحدث على مدار الساعة بما أنهم يخسرون الكثير من الوقت على الطرقات ويتطلب انتقالُهم من منطقة إلى أخرى ساعات، ومن مكانٍ إلى آخر في المنطقة نفسِها وقتاً مضاعفاً. قد تكون التنفيسة الوحيدة هي الخيال الذي يعتمده الإنسان خصوصاً عند شعوره بالضيق، بحيث يتمنى المواطن لو أن عدد السيارات أقل في لبنان، ويستمتع بالطرقات الخالية منها نسبياً خصوصاً عند الفرص الرسمية وأيام آخر الأسبوع.

تشجيع النقل المشترك وركوب الدراجات الهوائية والمشي

يستمر تلوث الهواء والتلوث الضوضائي مع الاستعمال الكثيف واليومي للسيارات ليس فقط في لبنان، بل في مختلف دول العالم، ما دفع الحكومات والجمعيات البيئية والأهلية للدعوة إلى الاحتفال بأيام خالية من السيارات (Car-Free Days) وإلى منع استخدام السيارات في أماكن ومناطقَ معينة، يتمتع فيها الشخص بجوٍّ هادىء ويتنقل سيراً على الأقدام أو عبر الدراجة الهوائية.

يجمع اليوم العالمي للتخلي عن السيارة (World Car Free Day) الذي يحل في 22 أيلول من كل سنة أغلبيةَ دول العالم عبر تشجيعها النقل المشترك وركوب الدراجات الهوائية والمشي. إذ يشكّل مناسبةً لتنمية مجتمعات تكون أماكنُ العمل فيها قريبة من منزل الموظّف، ويقوم الشخص بالتسوق فيها في موقعٍ قريب.

مناطق خالية من السيارات

ومن المناطق العالمية الخالية من السيارات والتي يمنع دخولها: مدينة البندقية الإيطالية (إلا في ساحة الباصات فيها)، مدينة دوبروفنيك الكرواتية، جزيرة فراونشيمزي الألمانية، والعديد من الجزر الفرنسية غرب فرنسا، إضافة إلى جزرٍ أميركية وآسيوية.

وبرزت في 22 أيلول الماضي خطوةٌ شجاعة في لاتفيا بأوروبا الشمالية من مستخدمي الدراجة الهوائية لتنقلهم. إذ حمّلوا على درّاجاتهم هيكل سيارة ليبيّنوا كم توفّر الدراجة الهوائية ليس فقط من نسبة تلوّث بل من مساحة على الطرقات.

أما فنلندا الاسكندنافية فتسعى للتخلي كلياً في عاصمتها هلسنكي عن استعمال السيارات. إذ طوّرت المدينة نظاماً إلكترونياً لسكّانها يجعلهم يكفّون عن شراء السيارات، داعيةً إلى إعادة النظر في طريقة تنقلهم. يسعى النظام المطروح لجعل هلسنكي خالية كلياً من السيارات عند حلول العام 2025، ويقوم على طلب الشخص وسيلة نقل حتى يصل إلى المكان المبتغى وينضم إلى غيره من المتوجهين إلى المكان نفسه، حتى يتشاركوا وسيلة النقل، وتتم عملية الطلب عبر الهاتف الذكي، وهي في تطوّرٍ واستقطابٍ مستمرَّين.

هل من أمكنة في لبنان تخلو من السيارات؟

يخلو وسطُ بيروت دائماً من السيارات حيث المنطقة مليئة بالمحال والمطاعم والمقاهي، مع العلم أن الدواعي هي أمنية وليست بيئية. وتنضم إلى وسط العاصمة المدينةُ القديمة في عاصمة الشمال طرابلس، فقط لأن ليس بإمكان السيارات دخولها بما أنها قائمة على أزقّة ضيقة وسلالم.

إذ يؤكد عضو المجلس الأعلى في جمعية We Love Tripoli رامي مقصود لـ”النهار” أن “المدينة القديمة خالية من السيارات في الداخل، لكن يمكن ملاحظة السيارات حولها وعلى مداخلها”، ويجيب أن المدينة لم تشهد يوماً كاملاً بلا سيارات كالذي حصل منذ ثلاث سنوات بين طرابلس والميناء: “مع أن الخطوة كانت ناجحة جدّاً وساعية للتوعية البيئية والثقافية، لكنها لم تتطور وبقيت قائمة على ذلك اليوم بحدّ ذاته”.

ويشير مقصود إلى أن We Love Tripoli شاركت في تلك المبادرة في تشرين الثاني 2011 بما أننا “نهدف إلى نشر التوعية وتشجيع الشباب على التطوع في الحقول الثقافية والبيئية والاجتماعية ما يعود خيراً على طرابلس”، داعياً لأن تكون المدينة القديمة ومحيطُها في عاصمة الشمال خاليين كلياً من السيارات، “لما للأمر من أهمية ثقافية عبر تعريف الشخص على هوية طرابلس التاريخية، ومن تأثير إيجابي في الحركتَين السياحية والتجارية”، على حدّ قوله.

لا سيارات الأحد في عبد الوهاب والسوديكو

توضح رئيسة مبادَرة Achrafieh 2020 كارول بابيكيان كوكوني لـ”النهار” أن الهدف من نشاط المبادرة المقبل هو “تأمين جوّ ملائم للمشي، ليس فقط يوم الأحد المقبل (26 تشرين الأول الجاري) بل في كل نشاط نقوم به من هذا النوع”، مشيرةً إلى أن “الناس يتمكنون من التجوال في الشوارع من غير سيارات، ومن اكتشاف هذه الشوارع أكثر، ففي نشاطنا يوم الأحد ندعو لاستكشاف منطقة عبد الوهاب والسوديكو: Discover Sodeco Abdel Wahab Car Free Day”.

وتذكر كوكوني أن للنشاط بُعداً تجارياً أيضاً، وليس فقط بيئياً: “فمن يمرّ بسيارته في الشارع ويرغب في زيارة أحد المحال لكنه لا يجد مكاناً ليركن سيارته، سيُكمل طريقه ويغادر، فيما سيتمكن الأحد من التجوال بين المحال ما ينشّط حركتها التجارية، تماماً كما حصل عندما أحيَينا اليوم الخالي من السيارات في الجميزة سابقاً”.

“المسألة صعبة إذا ما أردنا شمل الأشرفية بمجملها، لقد قمنا بالأمر في السابق وهو يتطلب الكثير من التنظيم والتعاون مع القوى الأمنية وسكان المنطقة” تجيب كوكوني “النهار”، وتشير إلى أن “الأمر سهلٌ في وسط بيروت لأن المنطقة ليست مأهولة”، مؤكدةً أن يوم الأحد هو خطوة تثقيفية وبيئية وترفيهية في الوقت نفسه، وداعيةً نشر ثقافة التخلي عن السيارة قدر الإمكان.

وسيكون يوم الأحد في السوديكو – عبد الوهاب من تنظيم Achrafieh 2020 مهرجاناً للخريف، ويتضمن نشاطات ترفيهية وعروضاً مباشرة ومسابقات في الرسم وممارسة رياضة الـZumba وحملات توعية بيئية متعلقة بالنفايات، وصحية مثل مشاركة Donner Sang Compter لنشر أهمية التبرع بالدم، من ضمن عروض ونشاطات أخرى، وهو مناسبٌ للعائلات والأطفال وهواة الدراجات الهوائية.

 

السابق
أنقرة تتراجع وتقبل بتسليح الأكراد في كوباني
التالي
بالصورة.. داعش تعدم أبرز قادتها في دير الزور