هل شاخت «الجماعة الإسلامية» في لبنان؟

عندما خرجت التظاهرات في أكثر من دولة عربية مطلقة ما اصطلح على تسميته “الربيع العربي”، تصدرت احزاب الاسلام السياسي المشهد لكونها من الاحزاب الاكثر تنظيما في المعارضة، ونظرا الى حضورها الشعبي الكبير في كل من تونس ومصر على وجه التحديد، وكان “الاخوان المسلمون” في مقدم هذه الاحزاب التي “صادرت” هذا الربيع من يد الشباب المدني كما يتهمها البعض، وجعلته ربيعا لاحزاب الاسلام السياسي، لكنها سرعان ما اصيبت بانتكاسة مدوية ادت الى دخول اغلب قيادييها السجن في مصر، والى رضوخ “حركة النهضة” التونسية لشروط المعارضة والمحاصصة في الحكم في الخضراء تونس.

عاشت هذه الاحزاب ولا سيما منها “الاخوان المسلمون” في مصر ومتفرعاته في الدول العربية “نشوة” الانتصار بالحكم لمدة عام واحد لا اكثر، وبدت كأنها تحكم العالم العربي برمته، باعتبار ان من يحكم ارض الكنانة يحكم العرب جميعا، الا ان نشوة السلطة لم تطل فتحولت الى “كارثة” بعد الثورة المضادة التي قام بها الشعب المصري بالتنسيق مع الجيش في ما يعرف بـ”الانقلاب العسكري” على الرئيس محمد مرسي الذي أودع السجن، الامر الذي اعاد حركة “الاخوان” في مصر الى مربعها الاول، ولم تنحصر تداعيات “الانقلاب” داخل مصر بل شملت الاذرع “الاخوانية” في لبنان والاردن وسوريا ايضا.
ففي لبنان عانت “الجماعة الاسلامية” ارتباكاً سياسياً وتنظيمياً واضحين، واخذ عليها البعض، وهي المشهود لها بتاريخها الوطني، انها بدت كأنها تقدم الانتماء الايديولوجي “الاخواني” على الولاء الوطني، وخصوصا من خلال التظاهرات التي كانت تنظمها امام السفارة المصرية في بيروت، والمنددة بالانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي.
وهذا الارتباك السياسي انعكس ايضا على الداخل اللبناني في ما خص علاقة “الجماعة” مع الاحزاب اللبنانية الاخرى، حيث بدا ان “الجماعة” تقوّم علاقتها الداخلية مع اي طرف سياسي انطلاقا من موقفه من الانقلاب، وراح مكتبها السياسي يشن حملات عنيفة سياسيا على من أيد عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر، فلم تفصل بين الملفين، الملف اللبناني الداخلي وعلاقة المكونات اللبنانية بعضها مع البعض، والموقف من تطورات الاحداث المصرية.
وليس الارتباك السياسي ما تعانيه “الجماعة” فقط، ولا قصور دورها السياسي والديني او ضموره على مستوى الطائفة والوطن، حيث انكفأت باعتدالها وسمحت لجماعات اسلامية متشددة بأن تتقدم الصفوف، بل برزت منذ مدة غير قصيرة بوادر “حركة شبابية” جدية داخل التنظيم العقائدي الذي لم ينجح احد في شقه الى صفين حتى في أوج الخلاف بين الراحل المؤسس فتحي يكن الموالي لـ”حزب الله” وسوريا آنذاك، وقيادة “الجماعة” وجمهورها المتحالفين مع قوى 14 آذار.
لكن يبدو اليوم أن فكراً جديداً بدأ يتشكل لدى الفئة الشبابية في “الجماعة”، يستلهم تجربة “الربيع العربي” ويعتبرها مثالاً يجب ان يحتذى للدفع بشباب “الجماعة” نحو الصفوف الامامية وليس الاعتماد عليهم في تنظيم الاحتفالات وجمع التبرعات لغزة والهتافات في التظاهرات.
وقد استطاع هذا التيار الشبابي ان يؤخر اجراء الانتخابات التي كانت مقررة لمكتب طرابلس قبل اسابيع، واجبر القيمين على الانتخابات على تأجيلها الى جلسة أخرى بعدما نفذوا اعتصاما امام مبنى الانتخاب رفضا لتهميشهم. فرضوا التأجيل لاسبوع التقوا خلاله رئيس المكتب السياسي عزام الايوبي ونقلوا اليه مطالبهم ووعدهم بمعالجتها وتلبيتها قدر المستطاع، وجرت الانتخابات وفاز الشيخ ناجي صبيح بالتزكية مع فريق عمله، بعدما مضى على استقالة المكتب الذي كان يرأسه الشيخ مصطفى علوش اكثر من 6 اشهر، لاسباب ابرزها الكيدية في العمل وغياب الرؤية التنظيمية والادارية وتضارب الصلاحيات. الايوبي وعد الشباب بالاهتمام الجدي لكن العبرة دوما بالتنفيذ.
الهدف الرئيسي من هذا التحرك هو عدم السماح لـ”الجماعة” بأن تصبح رجلا عجوزاً لا قدرة له على الحركة والمبادرة، يقول أحد الشباب ممن شاركوا في طرح فكرة “التجديد من الداخل”. “لا نريد للجماعة ان تشيخ، نريدها ان تكون حيوية مبادرة متقدمة، نريدها على صورتنا لا تهدأ ولا تستكين، مشاركة بفاعلية في كل صغيرة وكبيرة، حاضرة بقوة على الساحة السياسية بشكل مستقل لا ملحقة بهذا الفريق ولا متخاذلة أمام الفريق الآخر”.
ويسأل: “هل يجوز أن يبقى العضو العامل في الجماعة رئيسا لاي مؤسسة مدى الحياة؟ هل يعقل أن يبقى على سبيل المثال رئيس رابطة الطلاب المسلمين (القسم الشبابي في الجماعة) رئيسا للرابطة اكثر من 20 عاما، وكذلك رؤساء المؤسسات التربوية والاجتماعية؟ اين الشباب ودورهم في العمل السياسي والاجتماعي؟ هل باتوا فقط مجرد رقم يستخدم عند الضرورة وعندما تنتهي وظيفته يوضع جانبا؟”، ويضيف: “نحن العمود الفقري للجماعة والحفاظ علينا وعلى دورنا هو الضمان الوحيد لبقاء الجماعة”.
اسئلة تختصر المشهد الداخلي لـ”الجماعة الاسلامية” المعتدلة، والتي تشهد سحب البساط من تحتها على أيدي التطرف الذي يغزو عقول الشباب، فهل تجري “الجماعة” عملية جراحية داخلية بعد بلوغها الـ50 لتضمن استمراريتها، او تحتاج الى “فيتامينات” تقوي مناعتها وتؤخر مرضها وسقوطها؟ وهل يتم استدراك هذا الامر؟

http://newspaper.annahar.com/article/181902

السابق
القرار 1747 يشمل كل شيء إلا الهبات السلاح الإيراني.. حبر على ورق!
التالي
جندي لبناني يلتحق بـ«النصرة».. أهالي العسكريين: 48 ساعة قبل يوم الغضب