بريطانيا وظاهرة الجهاديين: درس في الفشل!

كيف يمكن التعامل مع مَن يسموّن أنفسهم “الجهاديين” الذين يذهبون للمشاركة في القتال إلى جانب “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق؟ يشكّل هذا السؤال معضلة قانونية في دول الغرب على وجه الخصوص، على رغم أنه يعني دول العالم بأسره بما في ذلك الدول العربية. هذا درس “في الفشل” من بريطانيا!

هذا البلد الذي شاهد ما لا يقل عن 500 من مواطنيه يذهبون للقتال في سوريا تحديداً وبعضهم عاد حاملاً خططاً للقيام بهجمات في بريطانيا نفسها، أطلقت حكومته في البداية حملة لثني المسلمين عن السفر إلى هناك، ثم هددت بسحب الجنسية من أولئك الذين يذهبون للقتال إذا كانت لديهم جنسية دولة أخرى، وبعد ذلك هددت بسجن الذين يذهبون للقتال ثم يعودون إلى بريطانيا، ثم هددت بسجن الذين يفكرون بمجرد السفر إلى هناك وسحب جوازات سفرهم منهم … وأخيراً لوّحت بقانون “الخيانة العظمى” الذي يعود إلى القرون الوسطى ولم يُستخدم منذ عقود طويلة لتهديد “الجهاديين” المحتملين بأنهم يواجهون أقصى عقوبة ممكنة (المؤبد) إذا ما قرروا الإلتحاق بـ”الدولة الإسلامية” ومبايعتها.

لكن كل هذه الخطوات الحكومية لا يبدو، حتى الآن، أنها تردع كثيراً من الباحثين عن العيش في كنف “الخلافة” عن السفر إلى “دولة أبو بكر البغدادي” التي تُطبق بحسب وجهة نظرهم تعاليم الشريعة على وجهها الصحيح (وإن كان هذا التطبيق تحديداً يشكّل أحد أهم مآخذ شرائح واسعة من المسلمين على هذه “الدولة”، خصوصاً لجهة قيامها بالذبح وتقطيع الأوصال واستهداف الأقليات وحتى بقية المسلمين ممن يعارضونها).

والإثنين، يُتوقع أن يسمع البرلمان البريطاني من أحد الخبراء البارزين في موضوع الجماعات المتشددة والإرهاب أن الخطط الحكومية للتصدي لظاهرة الجهاديين… فاشلة!

قال البروفسور بيتر نيومان، مدير المركز الدولي لدراسات التشدد في جامعة “كينغز كوليدج” اللندنية، إن “بريطانيا بحاجة إلى استراتيجية تميّز أكثر بين العائدين من الصراع في سوريا والعراق”. وأضاف عشية مثوله أمام مجلس العموم الإثنين، إن طريقة التهديد بـ”العقاب”، بما في ذلك شهر سلاح قانون “الخيانة”، ضد هؤلاء هي طريقة خاطئة. وتابع بحسب ما نقلته عن صحيفة “الإندبندنت”: “حالياً الاستراتيجية هي عملياً: سنسجنكم، وسنحاكمكم بتهمة الخيانة. إنها استراتيجية تقوم في الأساس على نهج العقاب”. وزاد: “إذا كان هذا النهج ينطبق على بعضهم، فإن هناك فئات أخرى من الناس يجب التعامل معها بطريقة مختلفة”. ونيومان مستشار بارز ساهم في قرار مجلس الأمن الأخير الذي قدمه الرئيس باراك أوباما من أجل القيام بعمل دولي للتصدي للتهديد الإرهابي المتأتي من سوريا والعراق.

ويقول نيومان إن “العائدين من سوريا” ينقسمون في شكل عام إلى ثلاث فئات: الخطيرين، المشوشين، المنخدعين. ويضيف ان الخطيرين يجب ان يُسجنوا بالتأكيد، لكن هناك من العائدين من سيكونون يعانون صدمة نفسية جراء تجربتهم وهؤلاء “بحاجة إلى مساعدة نفسية بدل إرسالهم إلى السجن”. ويلفت إلى أن بعض العائدين قد يكون خاب أمله من “الدولة الإسلامية” ويريد أن يندمج مجدداً في المجتمع البريطاني، وهذا النوع من العائدين “يجب أن يحصل على دعم لأنهم يمكن أن يصبحوا أصواتاً قوية عندما يتحدثون ضد الدولة الإسلامية”.

وجاء موقف هذا الأكاديمي المرموق من خطط الحكومة البريطانية بعد نقد ممثل صدر عن المدير السابق للإدعاء العام اللورد ماكدونالد الذي وصف لجوء الحكومة إلى التلويح بسيف قانون “الخيانة” في مواجهة الجهاديين العائدين بأنه “رد صبياني على ظاهرة متعاظمة”. وكان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند هو من قال لنواب مجلس العموم قبل أيام إن أولئك الذين يبايعون “الدولة الإسلامية” يواجهون إمكان محاكمتهم بتهمة “الخيانة العظمى” وهو القانون الذي كان يتيح لملوك بريطانيا قطع رؤوس المتآمرين على عروشهم، على رغم أنه لم يُطبق منذ عقود كما أنه لم يعد يعني قطع الرؤوس (استعيض عنها بالسجن مدى الحياة).

وتقول أجهزة الاستخبارات البريطانية إن أكثر من 500 بريطاني ذهبوا للقتال في سوريا وقُتل منهم ما لا يقل عن 30. كما عاد عشرات من هؤلاء إلى بريطانيا حيث حوكم بعضهم فيما يعيش البقية حياتهم العادية. لكن قلة من “العائدين” يُشتبه في أنها يمكن أن تكون تخطط لهجمات في بريطانيا نفسها. ووجه الإدعاء البريطاني قبل أيام اتهامات إلى مجموعة من الشبان – أحدهم يُزعم أنه “عائد من سوريا” – بالتورط في مؤامرة إرهابية تتضم تفجير مركز للشرطة في ضاحية شبردز بوش وثكنة للجيش في وايت سيتي (كلاهما في غرب لندن).

 

 

السابق
سيول العاصفة تنكب الشمال وثلوجها تجمد التفاوض
التالي
البطولات الأوروبية الوطنية لكرة القدم