المنطقة على «كفّ» داعش وإيران

لم تكن إيران يوماً قوية كما هي حالياً. الشاه كان يريد أن يكون “شرطي الخليج”. حرب ظفار خفضت من سقف طموحاته. لم يحلم الشاه حتى في التمدد الى قلب الأمة العربية. كان جمال عبدالناصر له بالمرصاد، وكانت مصر تقود المنطقة، فلم يواجهه. أقصى ما قام به فتح الباب أمام السيد موسى الصدر للقدوم إلى لبنان على أمل أن يفتح له ثغرة يمر بها عبره، فكان أن التزم السيد الصدر قضايا: الدولة في لبنان وبناءها، وانخراط الشيعة فيها، والقضية الفلسطينية، والتقريب بين المذهبين الشيعي والسني وكان جمال عبدالنصر خير نصير وداعم له، فأسقط الصدر الشاه.

إيران اليوم موجودة على مساحة الشرق الأوسط، من شاطئ كسب واللاذقية الى باب المندب، ومن أفغانستان الى طاجيكستان وإن بنسب متفاوتة. المرشد آية الله علي خامنئي، يكاد يحقق ما فشل غيره في ذلك، وأن من حقه أن يتصوّر بأنه يقف في التاريخ الإيراني مساوياً في قامته  قورش العظيم  والإمام الخميني.

لم تُحسم المعارك، وتستقر الأمور حتى يصبح الحلم حقيقة. الأسوأ أن خامنئي، ومعه إيران، لا “يلعب” وحده. يوجد “لاعب”، اكبر منه وأهم منه هو الولايات المتحدة الأميركية. كيفية تدخّلها في الأحداث تصيغ الكثير من المعادلات والنتائج سواء كانت “الشيطان الأكبر” او الحليف المستجد. لذلك في قلب مٓواطن قوة ايران تكمن عناصر ضعفها، لذا  كل شيء قابل للتغيير وصولاً الى انقلاب الهرم رأساً على عقب.

إيران قوية، لأنها نجحت في تجييش الشيعة الى جانبها بعد ان فشلت في مشروع تصدير الثورة. حالياً تحارب إيران في كل مكان بهذا “السلاح” الذي يحمل “قضيتها”. لكن هذا “السلاح “ليس أحادياً، فهو صب الزيت على النار الموجودة او الكامنة مع الأصولية السنية و”القاعدة”، وجاء زمن “داعش” ليوقظ كل “شياطين” التاريخ وخرافاته. لذلك إذا كان “السيف” الشيعي ماضياً فإن “السيف” السني الأصولي أشرس وأكثر عدداً. لكن الأهم من كل ذلك أن الجميع في هذه الحرب خاسرون. الدمار والتخلف هما الرابحان. قد تعفي إيران نفسها من نتائج هذه الحرب المدمرة لكن الخسارة قائمة لأن “شيعتها” هم الذين سيدفعون الثمن.

من المفيد عدم الدخول في التفاصيل لأن “الشيطان” يكمن فيها، لكن للتذكير فقط. في اليمن التي كلما تقدم الحوثيون خطوة، كلما تعمقت أسباب الحرب الأهلية. في اليمن لا ينتصر أحد. هذا هو التاريخ. ستشكل اليمن استنزافاً لإيران لا ينتهي إلا وهي مكسورة الجناح. لقد اقتربت ولامست كثيراً الأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل معاً في إمساكها بباب المندب.

في سوريا، بدأ الجميع يتعب. “حزب الله” مهما كابر فقد استنزف في حرب لا أفق لنهايتها. إيران بدأت تنزلق رويداً رويداً في الحرب البرية. من الواضح أنها التزمت بحمل بعض الثقل عن الحزب. النتيجة أن تشييع القتلى الإيرانيين أصبح يومياً سواء جنرالات أو جنوداً. تصميم المرشد على الأسد الى الأبد بدأ يتهاوى. الاستنزاف بالمال ضخم جداً، في وقت خسر فيه النفط ٢٥ بالمئة من أسعاره والعقوبات مستمرة. المرشد محكوم عليه التفاوض على رأس الأسد وهو سيجد نفسه في مواجهة شريكه “القيصر” قبل خصومه، لأنه عند التنافس على المصالح يسقط جزء أساسي من التحالفات.

يبقى أنه مهما حلّقت أحلام المرشد عالياً، فإنها ستبقى عند تنفيذها تحت أنظار “النسر” الأميركي. اليوم يجد المرشد مع باراك أوباما “نسراً” متراخياً مما منحه القوة، بعد عامين قد يجد “نسراً” لا يهادن. أيضاً اليوم يجد المرشد عالماً عربياً ممزقاً وضائعاً وبلا قيادة ولا مشروع، أيضاً هذا لن يدوم.

 

السابق
السيول تعزل المدارس وتحاصر التلامذة والأساتذة في الضنية
التالي
سيناريوهات مجنونة….لو كان «جو بايدن» لبنانيا أو عربياً!