شرخ لغوي بين هونغ كونغ والبر الصيني

فورين بوليسي

خلفت ثورة المظلات في هونغ كونغ أثراً في البر الصيني لم يتوقعه أحد: فض آلاف الصداقات ووقع القطيعة بينهم. فالصينيون في البر اختلفوا في الرأي حول الثورة هذه، وصار شاغلهم إلغاء الصداقة بين مؤيد الاحتجاجات ومعارضها على مواقع التواصل الاجتماعي والكف عن «اللحاق» به على تويتر. وثمة حرب جماعية لإلغاء الصداقة بين صينيين من البر يعيشون في هونغ كونغ وبين أصدقاء لم يغادروا البر هذا. وأبلغتني صديقة دراسة من البر أن تأييد أصدقائها توسل الغازات المسيلة للدموع وقع عليها وقع المفاجأة. وقالت إنها لن تتناول مسائل سياسية معهم بعد اليوم، وأنها على الأرجح سترفض دعوات العشاء معهم «إلى الأبد».

ولا يدور خلاف أصدقاء الأمس على المبادئ أو السياسات فحسب. ففي وقت تتواصل فصول الاحتجاجات الديموقراطية في هونغ كونغ وتستقطب انتباه العالم، يتعثر الصينيون في التواصل مع بعضهم. فمؤيدو الاحتجاجات يرون أن ثورة المظلات ستؤدي إلى انتخاب هونغ كونغ قياداتها في 2017 ديموقراطياً من غير قيود. ولكن صينيي البر من مؤيدي الحكومة المركزية يرون أن حركة الاحتجاج الســـلمية ضعيفة الصلة بالديموقراطية. فهي مؤامرة ومصـــدر خطر على المصالح القومية وكرامة الدولة والاستقرار الاجتماعي والسيادة ووحدة جمهورية الصين الشعبية. وتبدو العبارات هذه وكأنها خارجة من صحف الحزب الشيوعي الصيني. وهذه حالها فعلاً. فلغة الحزب هذا صارت لغة الصينيين اليومية حين يناقشون المسائل السياسية والاجتماعية. فهي جسرهم إلى إدراك الواقع.

ونظام هذه اللغة الذي ابتكره القيمون على البروباغندا الحزبية هو من أبرز الأسباب وراء ضعف تعاطف صينيي البر مع حركة الاحتجاجات الهونغ كونغية. فالنظام التعليمي في الصين يرسخ الفكر الماركسي في تفسير المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وينفخ في المشاعر القومية ويحض على الانضباط والالتحام الاجتماعي. وثمرة هذا النظام التعليمي هو شيوع مفردات وعبارات تخرج عن تلك المستخدمة في الحياة اليومية. ويستهجن صينيو البر رفع المحتجين في هونغ كونغ لواء «الحب والسلام»، ويرون أنه خادع ويتستر على «أهداف خفية». ولا يفهون الغضب في هونغ كونغ إزاء إعلان بكين في حزيران (يونيو) الماضي. ففي البر الصيني، يسري الإعلان هذا الذي «يتمسك بسيادة البلاد وأمنها ومصالحها وتهديد المعارضين»، سريان المياه في مجراها «العادي»، أي في مجرى اللغة الشائعة.

ويرى صينيو البر أن الكلام هذا معقول ولا يتنافى مع المألوف. بينما يرى سكان هونغ كونغ أن الخطاب القومي هذا «معلّب» و«يهدد سلامتهم وحرياتهم». وتبث المدارس والجامعات والوسائل الإعلامية خطاب الحزب الشيوعي. وفي مناقشة المسائل الاجتماعية والسياسية، يستند صينيون كثر إلى الماركسية من غير التفكير في إذا كان المرجع النظري هذا يلائم المسألة المناقشة أم لا. وعلى سبيل المثل، لقيت مقالة عنوانها «مشكلة هونغ كونغ: هي الاقتصاد، يا أغبياء!»، وهي معادية لحركة الاحتجاج، إقبالاً كبيراً، ونشرت على منبر النقاش «تيانيا». وتتوسل المقالة لغة تعلي شأن المصالح القومية والاستقرار الاجتماعي، وتزعم أن ازدهار هونغ كونغ لا صلة له بإرادة الشعب، وأن مشكلتها هي الإخفاق في فهم التغير في التنمية الاقتصادية هناك.

ولا شك في أن صينيي البر لم ينساقوا كلهم وراء المتطرفين القوميين. وعدداً منهم يتضامن مع هونغ كونغ. ولكن الخوف يمسك ألسنتهم. ويضطر من يرغب في فهم احتجاجات هونغ كونغ في سياقها التاريخي إلى تجنب استخدام كلمات مثل «ثورة المظلات» في محركات البحث. فمثل هذه الكلمات محظور ولا جواب على البحث عنه. ويلجأ هؤلاء إلى ابتكار عبارات بديلة مثل «لؤلؤة الشرق» في إشارة إلى هونغ كونغ، و»الاحتفال بالعيد الوطني» في إشارة إلى التظاهرات. فمؤيدو الاحتجاجات يضطرون إلى تسليم الكلمات (على ما يقال تسليم السلاح) التي لا غنى عنها في إثبات وجهة نظرهم. والتسليم هذا يحد انتشار اللغة المحظورة»، ويقوض أثرها المحتمل.

 

السابق
حملةٌ دعائية تسبب أكثر من 500 حادث سير !!
التالي
يأس أميركا من نتنياهو