القضاء العسكري: حال طوارئ غير معلنة منذ 1968

“كلنا برسم القضاء العسكري” عنوان مسودة مشروع اعدته “أمم للتوثيق والابحاث” يعالج موضوع المحكمة العسكرية بين “هيبة الدولة” و”دولة القانون”. وفي رأي واضعي التقرير “انه يمكن القول دون مبالغة ان المحكمة العسكرية باتت تتبوأ موقعاً مركزياً في حياة اللبنانيين المدنية، لا بل توشك ان تنزل منزل العدالة نفسها”.

يشرح واضعو المسودة ان تمدد القضاء العسكري ليس طارئاً على الحياة اللبنانية بل يعود الى العام 1968، ومنذ صدر قانون العقوبات العسكري وبتاريخ 2 كانون الثاني 1946 والتعديلات تتوارد عليه بموجب قوانين او مراسيم اشتراعية، مما يستدعي قانوناً جديداً “حرصاً على الوضوح”. ويعود التقرير الى ملاحظات ابدتها لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في تقريرها عن وضع القضاء في لبنان، والقلق الذي اعربت عنه اللجنة حيال الصلاحيات الواسعة المنوطة بالمحاكم العسكرية في لبنان، لا سيما انها تتجاوز المسائل التأديبية لتطاول المدنيين، اضافة الى القلق من الاصول التي تتبعها تلك المحاكم، وغياب الرقابة المعمول بها في المحاكم العادية”، لتخلص اللجنة الدولية الى ان “على الدولة اللبنانية اعادة النظر في صلاحيات هذه المحاكم، وان تنقل تلك الصلاحيات الى المحاكم المدنية في ما يتعلق بمحاكمة المدنيين او بانتهاكات حقوق الانسان التي يرتكبها العسكريون (…)”.

ويستشهد واضعو المسودة في “أمم” بـ”الخطة الوطنية لحقوق الانسان التي اعلنت العام 2012 وفيها: في مجال القضاء العسكري ما زال القانون يتيح محاكمة المدنيين امام المحاكم العسكرية التي لا تتمتع بالضمانات القضائية اللازمة ولا تعلل قراراتها، الامر الذي يجعلها خارج مفهوم الرقابة القانونية على عمل القضاء(…)”. وفي رأي “أمم” “ان الحضور المطرد للقضاء العسكري أنما هو من اضلاع الاوضاع الاستثنائية التي يعيش لبنان في ظلها وتحت وطأة تهديدها لبنان واللبنانيون ليصبح الامر حالة طوارئ والحكم على اللبنانيين حكماً مبرماً بتكبد المزيد من الأمر نفسه وسيادة منطق الاستثناء بكل معانيه”.

وتعتبر المسودة ان من باب الاحترام للقضاء كعنوان من عناوين العدالة ومن باب الحرص على المؤسسة العسكرية فأن المؤسسة التشريعية اللبنانية اخفقت حتى يومنا هذا في انتاج قانون للقضاء العسكري يحفظ الحد الادنى من ماء وجه لبنان في حقوق الانسان، وهذا الاخفاق ليس من شح في الافكار والاقتراحات والاجتهادات إنما من تعذر تبقى اسبابه برسم الفحص، في تجديد مفاهيم مثل العدالة والامن وسيادة القانون على حساب هيبة الدولة وغيرها من القيم.

وتخلص المسودة التي تحظى في بعض اوجهها بدعم من الاتحاد الاوروبي، الى ان الهدف منها هو الاحاطة بملف المحكمة العسكرية من خلال التوثيق والبحث والتنوير الهادف الى احداث شيء من التأثير في النقاش الدائر داخل محافل ضيقة في شأن القضاء العسكري وموقعه في الحياة السياسية والاجتماعية والقضائية اللبنانية. وفي رأي العاملين على البحث أن من العبث انتظار “الوقت المناسب” لطرح موضوع القضاء العسكري والتذرع بأنه قد يعود بضرر غير مقصود ولا يوصل الى المرجو، وتالياً أن اللبنانيين وبهذه الذريعة يستفيقون دورياً على التقصير في ادارة شؤونهم ونزاعات “مصاصة دماء”.

السابق
استشهاد جندي فجراً باطلاق نار على طريق عام حلبا
التالي
«أوقفوا الفساد. أنقذوا MEPI لبنان»