هل الفوضى ممر إلزامي لانتخاب رئيس للجمهورية؟

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الرابع والأربعين بعد المئة على التوالي.

ها هو الاشتباك السعودي ـ الإيراني المتجدد يشي بالمزيد من التأزم اللبناني… فهل ينسحب الشلل والفراغ على الحكومة التي صارت بأربعة وعشرين رأسا، أم يكتشف السياسيون لقاحاً ناجعاً لشلل المؤسسات «لم يتوافر حتى اللحظة» على حد تعبير وزير الصحة العامة؟
وبينما يستمر الهاجس الأمني محور أحاديث اللبنانيين ويومياتهم، فإن المواقف التي أطلقها رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري من روما، في الساعات الأخيرة، ومنها إعلانه عن قرار العودة إلى بيروت، تضع الاستحقاقات الداخلية، وفي الأولوية منها التمديد النيابي، على السكة السياسية، برغم التقديرات المتشائمة، في الموضوع الرئاسي.
وإذا كان يسجل للحريري أنه نجح في خطب ودّ الشارع المسيحي والقيادة الروحية المارونية من خلال تركيزه على أولوية الاستحقاق الرئاسي واستعداده للقيام بمبادرات، في هذا الاتجاه، فإن نقطة ضعف فريق «8 آذار»، وتحديداً «حزب الله»، استسلامه للترشيح الذي لا عودة عنه للعماد ميشال عون، برغم قناعة معظم هذا الفريق أن وصول «الجنرال» إلى قصر بعبدا دونه مطبات كثيرة، في الداخل والخارج على حد سواء.
ويسجل للحريري أيضا أنه يملك هامشا أوسع للمناورة السياسية يستمده من واقع عدم وجود حليف مسيحي قوي يستطيع أن يضيف له ما استطاع ميشال عون توفيره لحلفائه وخصوصا «حزب الله»، فلو أن حليفا كهذا توافر، أبعد من قضاء بشري وحده أو بعض المتن، لكانت تغيرت معادلات كثيرة، خصوصا في ضوء التراجع الكبير لـ«التسونامي» العوني من 2005 الى 2014!
ولعل الحريري يفترض أن التمديد للمجلس النيابي، صار عمليا في جيبه، ذلك أن مسألة الإخراج «باتت مسألة أيام قليلة»، فاذا توافرت الآلية الدستورية، من دون حاجة إلى عوامل ضغط سياسية، باتت القناعة المسيحية بعدم الاعتراض والطعن أكبر من أي وقت مضى… أما إذا كان هناك من يريد المزايدة، خصوصا في الشارع المسيحي، أو يملك حسابات أخرى، فإن السيناريو الحريري الأخير بات جاهزا: إعلان مقاطعة «المستقبل» للانتخابات النيابية، أي الانسحاب السياسي منها ترشيحاً واقتراعاً، في نسخة مكررة للمقاطعة المسيحية في العام 1992.
هذا السيناريو سيلزم رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحلفاءه بالسير في مشروع التمديد النيابي بذريعة الميثاقية التي صارت حجر زاوية في عملية إدارة السلطة منذ العام 2005 حتى الآن، في غياب الراعي أو الناظم الخارجي للتوازنات الداخلية بكل مسمياتها.
أما الحسابات الأخرى التي يضعها الحريري في الحسبان، فأن تكون هناك نيات مضمرة لدى أطراف داخلية، وخصوصا «حزب الله» وحليفه الماروني ميشال عون بالوصول من خلال شعار «عون أو الفراغ»، الى سيناريو يقود المؤسسات كلها الى الفراغ والشلل، من رئاسة الجمهورية الى المجلس النيابي الى الحكومة التي ستصبح حكومة تصريف أعمال اذا انتهت ولاية المجلس بلا انتخابات أو تمديد!

«الستاتيكو» مطلوب دولياً

واذا كان هذا السيناريو موجودا في عقول بعض مسيحيي «8 آذار»، فإن الرئيس بري وقيادة «حزب الله» ومعهما سليمان فرنجية، ليسوا، على الأرجح، في وارد الوصول الى سيناريو الفوضى، لأسباب عدة، منها تركيز الحزب على أولوية المعركة السورية ومنع «داعش» وأخواته من التمدد في الداخل اللبناني أمنياً أو عسكرياً، فضلا عن ادراك هؤلاء أن لا أحد في المنطقة يمكن أن يهتم بلبنان اذا أصابه اهتزاز من هذا النوع… أي أن لا طاولات تنتظر اللبنانيين، سواء في الدوحة أو الطائف أو لوزان أو جنيف، فلبنان بعيون «الدول» هامشي الى حد كبير، ولا يراد له أكثر من أن يحافظ على «الستاتيكو» الحالي، في انتظار تبلور التسويات الكبرى في المنطقة، ولا سيما في سوريا.

يجيب هذا التحليل الى حد كبير سلبياً عن سؤال يردده كثيرون في السر أو العلن: هل يكون دخول لبنان في معبر أمني (على شاكلة «7 أيار» أو «البارد» أو ما يشبههما)، هو الممر الالزامي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟
لا يعني انتفاء سيناريو كهذا أن الأمن لن يكون ناخباً متقدماً على ما عداه في حسابات «الدول» والداخل، فاذا كانت «داعش»، بما تشكله من ظاهرة استخبارية ـ أمنية ـ اجتماعية ـ دينية ـ ثقافية، هي العنوان الكبير في المنطقة حتى إشعار آخر، فإن مواجهتها تفترض، وفق حسابات الفريقين المتصارعين في الداخل اللبناني، وامتداداتهما الاقليمية، أن يكون الاعتدال السني هو رأس حربة مواجهة كهذه، قبل أن يندرج الآخرون في سياقها الشامل.
هل يمكن الاتيان برئيس للجمهورية أو اعادة تداول السلطة من خلال انتخابات نيابية جديدة أو تشكيل حكومة جديدة من دون أن توفر الرافعة السنية اللبنانية، الغطاء المطلوب، في سياق الاصطفاف الاقليمي في المعركة ضد «داعش»؟
وعلى الأرجح، فإن سعد الحريري، وهو يستعد لحزم حقائبه للعودة الى لبنان، لقيادة هذه «المعركة»، قد اتكل على ذاكرة اللبنانيين، في معرض تفسير الرسالة التي بعث بها من روما على الشكل الآتي: على «قوى 14 آذار» أن تبحث (منذ أمس الأول) عن أسماء، كما فعلت في 2007، حين سمّت قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية، وأردف قائلا: «ربما يجب علينا أن نصل إلى هذه المرحلة الآن أيضاً»!
لكأن الحريري يقول إن ألفباء اعادة تركيب السلطة في لبنان اليوم ليس الذهاب الى طائف جديد (بعد ايام قليلة تحل ذكرى مرور ربع قرن على هذا الاتفاق الذي أنهى حرب لبنان الأهلية) ولا الى انتخابات نيابية جديدة، بل الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية لمدة ست سنوات كاملة، شرط أن يكون واحدا من المنتمين الى نادي الرؤساء التوافقيين وتجاوزه مطب «الفيتو»، سواء من أحد أطراف الداخل أو الخارج، من «حزب الله» (ترك له الايرانيون حق استخدام هذا الحق) وسعد الحريري وميشال عون الى النظامين السعودي والسوري، مرورا بالأميركيين.
وهنا ينبري السؤال البديهي: من هم المرشحون الذين ينتمون الى النادي المذكور؟
يأتي الجواب، استنادا الى العارفين ومتابعي لقاءات روما، بأنهم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، فمَنْ مِنْ هؤلاء يستطيع وحده تجاوز مطب «الفيتوات» المحتملة، وما هي أولويات هذا الطرف الذي يملك حق الشراكة في التسمية أو ذاك، بالمعنى الأمني والسياسي والاقتصادي؟
لننتظر عودة الحريري القريبة.

السابق
كاتبة لبنانية تخصص ريع كتابها لمساعدة المهمشين
التالي
بري: قيادة لـ«داعش» و«القاعدة» في «فندق» رومية!