تركيا في مواجهة خطري «داعش» و«الحرب الأهلية»

تحفل الصحافة التركية بعدد هائل من الكتابات عن الوضع في عين العرب (كوباني) وانعكاساته على الداخل التركي، خصوصا ان تركيا شهدت في الأيام الأخيرة اضطرابات في المناطق الكردية سقط خلالها حوالى 40 قتيلا برصاص الشرطة والجيش.
وهناك تخوف كامل من عودة الصراع العسكري بين الدولة و”حزب العمال الكردستاني”، في ظل القناعة الكردية بأن تركيا لم تتخل عن سياسة إنكار الهوية الكردية والسعي لتدمير تجربة الحكم الذاتي في شمال سوريا، من خلال إسقاط عين العرب عبر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ـ “داعش”.
وإذ بلغ الغضب الكردي ذروته بسبب مواقف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ساوى فيها “داعش” بـ”الكردستاني”، وقوله في خطبة له إن “كوباني على وشك السقوط”، فإن تصريح الرجل الثاني في “حزب العمال الكردستاني” جميل باييك من أن مقاتلي الحزب قد عادوا إلى الداخل التركي من شأنه أن يعيد خريطة العلاقة بين الدولة والأكراد إلى مربع الصدام العسكري، لاسيما بعد انهيار الثقة بينهما وسيلان الدم في شوارع عين العرب وديار بكر وحقاري وسعرت وكل المدن الكردية في تركيا.
وما يفاقم المخاطر أن الانتخابات النيابية ستجري في حزيران المقبل، ما يعني تصاعد حدة الخطاب القومي المتشدد لحصد تأييد الفئات القومية الموالية لـ”حزب الحركة القومية”، بعدما بات اردوغان فاقدا الأمل لتأييد الأكراد له، وفي ظل الكلام عن انه حتى تلك الفئة من الأكراد الذين صوتوا له في انتخابات الرئاسة قد شاركوا في تظاهرات الاحتجاج دعما لعين العرب.
وأكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، في أنقرة، أن “الحكومة لن تسمح بزعزعة استقرار البلاد، قائلا “ليفعلوا ما يشاؤون، لن يتزعزع النظام العام. الدولة مصممة على اتخاذ كافة التدابير من أجل الحفاظ عليه، ولن يكون هناك أي إهمال أو تراخٍ في هذا الخصوص”. وأضاف “سنلجأ إلى البناء في مواجهة المخربين، ولدينا رؤية جديدة في مواجهة مثيري الأزمات، إننا متمسكون بعملية السلام (مع الأكراد) في مواجهة من يسعون لتخريبها، ومصممون على حمايتها، لأنها أساس مشروع الوحدة الوطنية”.
وتقول مهوش ايفين، في صحيفة “ميللييت”، إن “سقوط كوباني يعني انتهاء عملية الحل للمشكلة الكردية في تركيا. حتى رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو تقدم باقتراح جريء، وهو فتح ممر لمساعدة كوباني، وهو ما رفضه رئيس الحكومة احمد داود اوغلو”.
وتضيف ايفين “يقول اردوغان ما العلاقة بين كوباني وديار بكر؟ ونجيبه العلاقة قائمة، لأنك أنت تقول إن حزب العدالة والتنمية هو إلى جانب كل الشعوب المسحوقة، من فلسطين إلى مصر، ومن البوسنة إلى سوريا. فلماذا لا تقع كوباني ضمن هذه الفئات؟. لكن لماذا إلى هذا الحد حكومة داود اوغلو واردوغان تتعاطى بنظرة قومية متشددة ضد كوباني؟ السبب هو أنهم لا يريدون أن يقام هناك نموذج ديموقراطي من الحكم الذاتي”.
وانتقدت صحيفة “اوزغور غونديم”، الموالية لـ”حزب العمال الكردستاني”، سياسات اردوغان تجاه عين العرب والأكراد. وقالت انه “يتحدث بلغة داعش”، مضيفة إن “اردوغان يتحدث بنفس اللهجة التي كانت تتحدث بها رئيسة الحكومة طانسو تشيللر في التسعينيات. لقد أعطى اردوغان أوامره للجيش والشرطة للقيام بما يلزم، ووجه الإهانات للشعب الكردي عندما تساءل عن الرابط بين كوباني وديار بكر، ليتظاهر الأكراد في ديار بكر دفاعا عن كوباني. وهو الذي اعتبر الأحداث في سوريا شأنا داخليا تركيا، وهو الذي كان يقول إن الأحداث في مصر والصومال وميانمار وسوريا لا يمكن النظر إليها على أنها شأن خارجي. وفي الحقيقة فإن اردوغان يجلب نهايته بنفسه إذا لم يتم حل المشكلة الكردية”.
ورأى مراد يتكين، في صحيفة “راديكال”، أن “اردوغان بات أكثر تشددا، بل سيزداد هذا التشدد مع اقتراب الانتخابات النيابية في العام المقبل”. ويقول “تقع تركيا تحت الضغط. أميركا وأوروبا تضغطان لتساعد كوباني، وروسيا وإيران تحذرانها من التدخل وإقامة منطقة عازلة. أما الضغط الآخر فهو العمليات التي بدأ حزب العمال الكردستاني القيام بها، وأولها في بينغول وتصريح القائد العسكري جميل باييك بأنه أعاد إرسال مقاتليه إلى داخل تركيا”. ويضيف “كان اردوغان يراهن على دعم كردي لتغيير النظام ليكون رئاسيا، لكن تقدم داعش أدخل المفاوضات بين الدولة والأكراد دائرة الخطر. وها هو أردوغان يضع نصب عينيه الانتخابات النيابية في العام 2015. لذا بدأ اردوغان واحمد داود اوغلو استخدام أسلوب أكثر تشدداً، والطلب من قوات الشرطة التعامل بشدة مع المحتجين. وسوف تتصاعد حدة هذا الخطاب، أملا باقتطاع العديد من النقاط من قواعد حزب الحركة القومية. الأمل ألا تكون الديموقراطية هي الضحية لكل هذا”.
ويحذر قدري غورسيل، في “ميللييت”، من أن “تركيا قد تواجه خطر داعش والحرب الأهلية معا”. ويقول “بعض أوساط سلطة حزب العدالة والتنمية يشيرون إلى معارك كوباني بين داعش وحزب العمال الكردستاني بأنها بين تنظيمين إرهابيين، وليس هناك من مأساة إنسانية. وليأكلوا بعضهم بعضا. هذه مقاربة أقل ما يقال فيها إنها ساذجة وجاهلة وغير أخلاقية. لا تستطيع أن تقنع العالم بذلك. حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا ليس على لوائح الإرهاب الغربية، وهو يدافع عن أرضه بوجه البرابرة. وماذا لو حصلت سريبرينتشا ثانية، وقتل مئات وآلاف المدنيين إذا سقطت كوباني، فيما تركيا ترفض دعوات المساعدة للأكراد هناك؟ تركيا بين خيارين: إما أن تقف ضد إرهاب داعش أو تواجه الصدام الداخلي. وأمام تحكم عقدة إسقاط نظام (الرئيس بشار) الأسد بأردوغان فإن تركيا تواجه الخطرين معا: داعش والحرب الأهلية”.
وينقل مراسل صحيفة “زمان” في واشنطن علي أصلان بعض مناخات واشنطن في العلاقة مع تركيا، فيصف أنقرة بالحليف الصعب. ويضيف “لا تسقط كلمة تركيا من أفواه المسؤولين الأميركيين، ومطالبهم كلها لها طابع امني. وهم لم يصدروا بعد حكمهم النهائي في ما إذا كانت تركيا شريكا لداعش أم لا. هم يريدون قاعدة انجيرليك وممرا للمقاتلين الأكراد في كوباني، ولكن رفض تركيا يثير قلق واشنطن. أنقرة تبتز واشنطن بطلب الحرب ضد نظام الأسد. لكن إقناع واشنطن بذلك صعب جدا. ولا يبدو أن ذلك ممكن في عهد (الرئيس باراك) أوباما لذا تنتظر أنقرة مرحلة ما بعد أوباما لكي تواصل الضغط، ليكون الأسد هدف الإدارة الأميركية”.

السابق
انطلاق حملة التوعية على سرطان الثدي
التالي
كاتبة لبنانية تخصص ريع كتابها لمساعدة المهمشين