في غياب العروبي العقلاني منح الصلح

في حديث لـ"جنوبية"، يصف سماحة السيد محمد حسن الأمين رحيل المفكّر منح الصلح كـ"انطواء لصفحة مهمة في سجل التاريخ الثقافي والسياسي في لبنان والعالم العربي، فهو كان بصورة خاصة المفكر الأقدر على التقاط النبض الحي في عروق الوطن والأمة والتركيز على إشاعة هذا النبض".

لم يتحقق حلم منح الصلح في وحدة عربية قائمة على الديموقراطية والحريّة وحقوق الإنسان، فقد توفي المثقف ابن العائلة اللبنانية العريقة مساء أمس الأوّل بعد عمر مديد قضاه في الكتابة والتفكير بعالم عربي أفضل، وعاش هاجسه القومية العربية والحفاظ على التعايش في لبنان، فاعتلى المنابر خطيباً وكتب وبحث ونظّر لعروبة عقلانية قائمة على معاني الحداثة والمدنيّة التي تقارب العلمانيّة وتجافي أشكال الاستبداد، ولو أخذ من بيده مقاليد السلطة في بلادنا بما كان يدعو إليه منح الصلح لما وصل حال الأمة العربية إلى ما هي عليه اليوم من تقاتل وتشرذم وسيادة للتعصّب الديني والعرقي وهي الأفكار التي كان يدعو الصلح رحمه الله إلى نبذها ومحاربتها فكراً وقولاً وعملاً. فشارك لذلك في تأسيس “المتدى القومي العربي”، و”اللقاء اللبناني الوحدوي” وترأس “دار الندوة”.

يقول المفكر الراحل “إن الوحدة العربية هدف لكل عربي، وهي هدف عزيز نظرياً عليهم، وقد جاءت عثراته وضعفه من الذين تبنوه، لأنهم لم يكونوا بحجم المهمة الملقاة على عاتقهم. وهؤلاء آذوا الوحدة أكثر من إعلائها”.

وتحدّث سماحة السيد محمد حسن الأمين لموقع “جنوبية” عن الراحل الكبير الذي كانت تربطه معه علاقة شخصيّة وفكريّة وطيدة قائلاً:العلامة محمد حسن الامين

“ان غياب المفكر الكبير الأستاذ منح الصلح هو انطواء لصفحة مهمة في سجل التاريخ الثقافي والسياسي في لبنان والعالم العربي، فهو كان بصورة خاصة المفكر الأقدر على التقاط النبض الحي في عروق الوطن والأمة والتركيز على إشاعة هذا النبض، وصياغته والوصول إليه بصورة ذات فرادة أساسها الفكر السياسي الأصيل والرؤية الإبداعيّة على النحو الذي يمكن اعتباره أديباً ومفكّراً وكاتباً ومحدثاً لمّاحاً قلما يطرح موضوعاً أو قضية سواء عبر الكتابة أو عبرا المشافهة إلا وتستقرّ في العقول وفي القلوب معاً”.

وتابع السيد الأمين: “توسّل الراحل الفلسفة البراغماتية لتأسيس رؤاه السياسية بشكل خاص والأدبية والاجتماعية بصورة عامة ويمكن اعتباره مدرسة كاملة في مجال فكر النهضة وابتكار الوسائل المؤدية إليها. إن لمنح الصلح فرادة لا شبهة فيها أحد كمفكّر وكاتب ومحدّث منذ عقود طويلة، ومنذ أيام شبابه حتى اليوم ما أمكنه أن يراكم ثروة فكرية وسياسية بالرغم من أكثر هذه الثروة كان نتاجاً شفهياً لكن من خصائص هذه المشافهة أن لها قوة التوغل في أذهان صانعيه، وخاصة في وجدان النخب المثقفة منهم”.

وختم السيد الأمين: “أظن أن تراث منح الصلح سوف يبقى حياً وماثلاً ومصدراً حيوياً لصياغة الوطنية اللبنانية، وبالأخص لتكريس عروبة لبنان التي نهج فيها نهجاً مختلفاً عن النزعات القومية العربية المتطرفة، والنزعات الوطنية اللبنانية الانعزالية، ووجد في عروبة لبنان ضمانة لوطنيته ووجد في لبنانية لبنان ضماناً لعروبته. رحمه الله منح الصلح سليل العائلة العريقة المعطاءة رحمة واسعة، وجزاه الله بقدر ما قدّمه من جهد ونكران للذات وهو سمة من سمات الرجال الكبار”.

السابق
نصرالله يزور البقاع: سنهزم التكفيريين
التالي
قاصران يكتبان «شعارات داعشية» في حاصبيا