الفوضى الإيرانية الخلاّقة

كونداليزا رايس وزيرة خارجية الرئيس السابق جورج بوش، هي التي صاغت تعبير “الفوضى الخلاقة”. قاعدة هذه النظرية التي أريد منها “خلق شرق أوسط جديد”، تكوين حالة سياسية أو انسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعددة الاحداث. التكوين الجديد المفترض، يكون مريحاً لمصلحة من صنع “الفوضى”، في حالة الشرق الاوسط، المستفيدة هي الولايات المتحدة الاميركية، حتى الآن لم تنجح واشنطن في تنفيذ عملية الخلق الجديدة، لأن الرئيس باراك أوباما رفض انخراط بلاده في حرب جديدة في الشرق الاوسط مكتفياً بملاحقة ما يجري بدلاً من صناعة ما يجري.

احتكار هذه “الصناعة”، وقف على قدرة تنفيذها، والنجاح في توجيه مسارها لمصلحة “صانعها”. ليس بالضرورة ان يكون ذلك وقفاً على قوة دولية بحجم الولايات المتحدة الاميركية. الطموح مشروع، خصوصاً اذا كان لدى الطامح مشروع تاريخي.

إيران، قوة كبرى في الشرق الاوسط. كانت في زمن الشاه تريد ان تكون “شرطي” المنطقة. سقوط الشاه عطل المشروع. الجمهورية الاسلامية في إيران، لم تخف يوماً طموحها. مشروع تصدير الثورة الاسلامية شكل بداية تحت “العباءة” الايديولوجية. عدم نجاح عملية “التصدير”، انتج انكفاء هذا المشروع. حالياً، لا تخفي قوى إيرانية خصوصاً من المحافظين ارادة الجمهورية بأن يطل نفوذها ويتمدد الى الضفاف الشرقية للبحر المتوسط. علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى يقول: “إيران لا تريد ان تكون امبراطورية”. قد يكون ذلك صحيحاً. لكن ايضاً ينادي آخرون بـ”إيران الكبرى” التي يمتد نفوذها الى ما بعد البحر المتوسط أي سوريا وصولاً الى الجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً. ويعترف جنرالات في الحرس الثوري بأن “الدفاع عن حدود إيران انتقل بعيداً باتجاه سوريا، ولبنان وغزة”.

المرشد آية الله علي خامنئي، طموح جداً. لا يريد ان يرحل من دون ان يترك “بصماته” على التاريخ الإيراني. المشروع النووي والحصار الاميركي – الغربي الاقتصادي، فتحا الابواب نحو التعامل مع واشنطن والغرب من موقع آخر وهو الامساك بالشرق الاوسط عبر التمركز مباشرة او عبر “وكلاء” في النقاط الحساسة فيه. تجربة العراق الغنية، اثبتت ان كل شيء ممكن. لبنان ثبت اركان المشروع الإيراني عبر “حزب الله”. منذ سنوات تخوض إيران معارك لبناء “شرق اوسط إيراني”، للعبور الى تنفيذ هذا المشروع، اعتمدت إيران “خلق فوضى خلاقة” تحت مسميات مختلفة وأساليب مختلفة، من اليمن الى لبنان وسوريا. أي استعراض للمنطقة التي هي العالم العربي يؤكد ذلك:

* العراق، سقط مشروع الامساك بالعراق عبر نوري المالكي. لكن نفوذها لم يسقط. ما زالت إيران موجودة في بغداد وفي قلب القرار العراقي. المشكلة في الإقليم السني. اما الكردي فانه يمكن التحالف معه تبعاً للتطورات.

* لبنان، “حزب الله” الابن الشرعي والوحيد يتولى إدارة الملف بنجاح عظيم. كل شيء معطل او معلق باسم الشراكة، الحزب يريد ان يؤكد امساكه بلبنان عبر حل: عون رئيساً أو لا أحد. كذلك قرار الحرب والسلم يكون دائماً قراره ونقطة عالسطر. تمدد داعش الى داخل الحدود، رفع مطالبته بأن يلحقه الجميع او خسارة كل شيء. ليس مهماً كيف يمرر نهجه، المهم ان يربح وربحه جزئي له، وعام وإقليمي للمرشد وإيران.

* سوريا، الحرب مفتوحة. منذ التظاهرة الشعبية الاولى للسوريين، قالت طهران “الاسد أو لا أحد”. في النهاية قد يتطور موقفها بشرط ان يكون لها “حصة” اساسية في اي نظام يقوم في سوريا، يسمح لها البقاء مباشرة على ضفاف المتوسط، وليس عبر الحزب في لبنان لان ذلك يبقى مستحيلاً، لان السلم الاهلي معلق على أي تمدد ميداني خارجي تبعاً لخصوصية الفسيفساء اللبنانية.

* اليمن، تكرر إيران التجربة اللبنانية مع “حزب الله”. الحوثيون “وأنصار الله”، اصبحوا يتحكمون بالقرار. ابعاد المرشح لرئاسة الحكومة يؤكد ذلك. تريد إيران الامساك بقرار باب المندب لتتحكم بمرور النفط الخليجي وتصبح على احتكاك مباشر مع اسرائيل، فيمكن استمرار كل ذلك مستقبلاً حرباً أو سلماً. الى جانب ذلك فان الامساك باليمن يعني حكماً الاحتكاك بالامن الخليجي – السعودي الوطني والاستراتيجي.

* مصر، تعتمد إيران سياسة الضغوط عبر الحدود والعلاقات السياسية. تدرك إيران جيداً ان مصر تشكل التحدي المباشر لها. اضعاف مصر بأي طريقة خصوصاً عن طريق ليبيا يسهل مهمتها.

* تركيا وهي القوة الموازية والمنافسة لها. العلاقات الاقتصادية تتجاوز حتى الآن ضعف العلاقات السياسية، لكن كما يبدو بدأت تركيا تثير حفيظة إيران. سوريا تشكل “اللغم” الكبير في ملف العلاقات المعقدة. تركيا وإيران تطمحان لوضع يديهما على سوريا مستقبلاً.

لأول مرة تحذر إيران تركيا مباشرة من التدخل المباشر في سوريا رغم تدخلها المباشر منذ البداية قبل ثلاث سنوات. من الصعب جداً حالياً تحديد نقطة العودة عن حافة الهاوية. بعيداً عن القوى العسكرية للبلدين، يوجد الحلف الاطلسي وعضوية تركيا الفاعلة فيه.

* افغانستان، نجح الاميركيون في وقف “المحدلة” الإيرانية لكنهم فشلوا في ابعادها. عبد الله عبد الله، شريك اساسي في السلطة. الاميركيون يعرفون ذلك وقبلوا به.

النجاح هنا والفشل هناك، لا يلغي طموح إيران، بأن تصنع شرق أوسط جديداً على مقاسها، وهي تتابع ذلك بقوة شديدة في استثمار كل النقاط الساخنة، اضافة الى ادارة أوبامية باهتة ومترددة في كل شيء، وغياب عربي كان عادياً، فأصبح مفجعاً مع “داعش”.

http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=NP&ArticleID=635440

 

 

 

 

السابق
منتج أشهر فيلم عن داعش: لست عميلا لداعش ومحاكمتي اغتيال للحقيقة
التالي
بالفيديو:القصة الكاملة لطفلة باعها «داعش» في سوق العبيد