لماذا تتهافت المراهقات الأجنبيات على «داعش»؟

قضت أقصى محمود (20 عاما) سنوات المراهقة في الاستماع إلى فرقة «كولد بلاي» الغنائية وقراءة سلسلة كتب «هاري بوتر». ونشأت أقصى – طالبة «دراسات الأشعة» – في طبقة وسطى بمدينة غلاسكو باسكوتلندا، في عائلة علمانية تصب اهتماماتها على التعليم والحياة الكريمة. والعام الماضي، اختفت أقصى ولم تأخذ معها سوى حقيبة ظهر.

وظهرت أقصى بعد ذلك في سوريا كمتحدثة باسم تنظيم داعش. وأصبحت مهمة الشابة إلهام وتجنيد المزيد من الفتيات الغربيات لصفوف التنظيم.

يذكر أن «داعش» تمكن إلى الآن من استقطاب ما لا يقل عن 100 مراهقة أوروبية وأميركية إلى الرقة. والأسبوع الماضي، فُقدت يسرى حسين، وهي فتاة بريطانية من مدينة بريستول. وتلتها هذا الأسبوع المراهقة البريطانية ساميا ديري. ولا يزال تدفق الرجال إلى «داعش» مرتفعا، والفجوة بين الجنسين في كل من العراق وسوريا أوشكت على أن تكون نسبتها امرأة مقابل عشرة رجال.

وبدوره، يعمل «داعش» على استقطاب والتودد لتلك الفتيات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وقد نشرت محمود، المتحدثة باسم التنظيم، على موقع «تمبلر» للتواصل الاجتماعي المكافآت التي ستنالها الفتيات مقابل هجرتهم وانضمامهم لـ«داعش». وتقول محمود «يحظى هؤلاء الفتيات داخل التنظيم بالاهتمام، ولن يتعرضن لسخرية أو ازدراء بسبب عقيدتهن».

وتتضمن غنيمة الحرب التي ستنالها الفتيات غنائم دنيوية مثل ثلاجات، ومواقد، وأفران، وأجهزة «ميكروويف»، وآلات الميلك شيك، ومكانس كهربائية، ومنازل دون إيجار تتوافر فيها خدمات الكهرباء والمياه. وهذا بالإضافة إلى المكافأة الروحانية جراء التحرر من أراضي «الكفار».

بالتأكيد، حياة السيدات والفتيات داخل «داعش» ليست هي اليوتوبيا التي تعد بها المتحدثة محمود. ففي الرقة، تستغل الفتيات بثلاثة أمور، وهي الطبخ والتنظيف والاعتناء بالأطفال. وفور وصول الفتيات الأجانب سوف يتزوجن من مقاتلين أجانب. وفي الحقيقة، تقدم العديد منهن كشكل من أشكال التعويض إلى الرجال الذين يقاتلون من أجل البغدادي.

لكن هناك بعض الاستثناءات؛ حيث يجري اختيار ما بين 25 إلى 30 فتاة للالتحاق بلواء الخنساء الذي يقتصر على فتيات في سن الإنجاب. ويشغل هذا اللواء دور شرطة الأخلاق حيث تنفذ عناصره دوريات في شوارع الرقة لضمان أن الفتيات يتصرفن وفقا لتعاليم العقيدة الإسلامية. ويحرص اللواء أيضا على التأكد من سمك الحجاب والنقاب وعدم كشف الكاحلين أو المعصمين. ووفقا للجمعية الدولية لبحث وتحليل الإرهاب (تراك)، فإنهن ربما يعملن أيضا في نقاط التفتيش لمنع «الأعداء» من المغادرة.

وقالت خديجة، إحدى المنشقات، إنها كانت تدرب على التنظيف وتفكيك السلاح وإطلاق النار. وأوضحت أنها كانت تتقاضى 200 دولار شهريا، بالإضافة لوجبات الطعام. وتقول خديجة إنها كانت تشعر بالقوة أثناء عملها بالدورية، كما ولو أن لها سلطة حقيقية تمارسها على من حولها. وزعمت بعض الوسائل الإعلامية أخيرا أن المقاتلات البريطانيات يدرن أيضا مواخير من أجل المقاتلين الأجانب في الرقة من أجل تحقيق أرباح، أو حتى مخيمات للاغتصاب داخل سجن الموصل.

وتكشف التقارير عن وجود ما يصل إلى 3000 امرأة إيزيدية في هذه المواخير، بينما جرى تداول روايات أخرى عن تعرض امرأة لاغتصاب جماعي، كما تقيد الفتيات المعارضات للتنظيم على الأشجار، ويتعرضن للاغتصاب الجماعي ويتركن لمواجهة المنايا.

إنها أخبار مشينة، لكنها تقدم أيضا استراتيجية يمكن من خلالها محاربة «داعش».

انشقت خديجة عن «داعش» عندما بدأت صورته في الانهيار في مخيلتها، وذلك لأنها شاهدت الأعمال الوحشية التي يرتكبها التنظيم من خلال شبكة الإنترنت، واطلعت على الأمر بنفسها. وفي نهاية المطاف، قررت أنها لم يعد بمقدورها التسامح مع جماعة ترتكب كل هذا القدر من العنف. وفي سياق متصل، قالت «أفظع شيء رأيته هو قطع رأس رجل أمامي».

كيف يمكننا توصيل تلك الرسالة إلى الآخرين؟ في البداية، إننا بحاجة لإطلاق مبادرات توعية مجتمعية أقوى.

أوقفت السلطات محمد حمزة خان في المطار، قبل أن يتسنى له السفر إلى الخارج متجها إلى تركيا. وهناك آخرون لم يحالفهم الحظ. وعلى الأرجح، لن تبلغ العائلات عن فقدان بناتها للسلطات، خوفا من وضعهن في خانة الاتهام عوضا عن اعتبارهن ضحايا. وفي ولاية مينيسوتا الأميركية، امتنعت وسائل الإعلام عن التعرف على فتيات أخريات ممن جرى الإبلاغ عن فقدانهن.

ومن جانبهم، أعرب قادة المجتمع بولاية مينيسوتا عن الحاجة لتنظيم نشاطات مدرسية إضافية بتمويل سخي تحل في الأوقات ما بين انتهاء اليوم الدراسي وعودة الأهالي لمنازلهم. ويمكن للولايات تطبيق نظام تنبيه مخصص للمراهقين المفقودين – وحتى هؤلاء الذين تزيد أعمارهم على 18 عاما – الذين ربما قد يكونون في طريقهم إلى سوريا.

وفي النهاية، إننا بحاجة لإيجاد سبل لإعادة هؤلاء الفتيات المخدوعات. وإذا سحبت الولايات المتحدة جوازات السفر من الأميركيين الذين يسافرون إلى سوريا، فكيف سيستطيع أي شخص حاد عن رأيه طلب اللجوء؟ مثل هؤلاء الشباب المحبطين، من الممكن أن نصنع منهم متحدثين رسميين قادرين على مواجهة خطاب «داعش» المتطرف العنيف من خلال توضيحاتهم التي قد تكون على الشكل التالي «ذهبت إلى هناك، لم أجد شيئا مما توقعته، لم يكن الوضع كالجنة بل كان مزريا ومروعا. لا تذهبوا!». وربما يكون هذا الأمر أكثر فعالية من الاستراتيجيات الحالية التي حققت نجاحا متباينا.

هناك حاجة لتحقيق توازن بين الوضع الأمني للولايات المتحدة (من خلال منع عودة المقاتلين الأجانب الذين يشكلون خطرا) وتوفير السبيل الذي يمكن بموجبه تيسير فرص عودة الشباب الذين اقترفوا أخطاء إلى عائلاتهم.

السابق
أموال عراقية مفقودة في مخبأ في ريف لبناني!
التالي
الإدارة الأميركية تُعارض «الممر الآمن» في عرسال