الحرب على الإرهاب متناسلة الفصول «بلا نهاية»

لا يرتجى نصر حاسم في الحرب على الإرهاب. فالنصر لن يقيض لا للحركة «الجهادية» ولا للجهة الغربية. وهذا ما سقته قبل عشر سنين، في كتابي «حرب بلا نهاية» (دار سوي، 2004). وليس في المتناول إعلان وقف نار ولا اتفاق سلام. وهجمات مثل اعتداءات أيلول (سبتمبر) 2001 تستدعي عمليات رد في أنحاء المعمورة. فالحرب على الإرهاب تحمل بذور منطق الانسياق وراء أزمات متشابكة ومتناسلة، والوقوع في شباك ثنائية تدور في حلقة مفرغة: الفعل والرد عليه. واليوم، بعد عقد من الزمن على الحرب هذه، لا تزال أميركا تدور في مثل هذه الحلقة.

اجتياح إدارة جورج بوش العراق أحد عوامل الأزمة اليوم. وليس من بنات الصدفة أن شطراً راجحاً من قيادة «داعش» عراقي. فجذور التنظيم تعود إلى تبعات اجتياح عام 2003. وكان في إمكان بوش إثر الهجمات تقييد الحرب التي لا نهاية لها، والسبيل إلى ذلك هو عدم اجتياح العراق أو على الأقل الإعداد لمرحلة ما بعد الاجتياح وإدارة «الحرب على الإرهاب» إدارة ناجعة. وتجنب توسل عبارات مثل «الحملة الصليبية». فالعبارات هذه تخلف أثراً سلبياً لا يمحى، شأن صور التعذيب في معتقل أبو غريب. وكر سبحة الأخطاء الأميركية لم يتوقف إثر طي ولايتي جورج بوش. فباراك أوباما لم يغلق معتقل غوانتانامو. فوسع الجهاديين توسل صور مئات المعتقلين هناك وزيهم البرتقالي في حرب البروباغندا التي يشنونها: فرض «داعش» الزي البرتقالي «الغوانتانامي» على الصحافيين الأسرى قبل إعدامهم… وضاعف أوباما هجمات الدرون على المقاتلين المتطرفين في باكستان واليمن ثلاث مرات عما كانت عليه في عهد سلفه. وعلى رغم أن العمليات العسكرية هذه قضت على عدد لا يستخف به من القادة الإرهابيين، نجمت عنها سلسلة من «الأخطاء أو الهفوات» التي تترتب عليها آثار سلبية في الأمد الطويل. وأقر الجنرال ستانلي ماكريستال حين ترك قيادة القوات الأميركية في أفغانستان بأن هجمات الدرون تؤجج مشاعر «الكراهية» وأتون «حرب بلا نهاية»، وهذا لا شك فيه. لكن الحكومة الباكستانية تتحمل كذلك تبعة ما آلت إليه الأمور. فضربات الدرون ساهمت في حمايتها من تقدم الجهاديين، لذا، كان يفترض بإسلام آباد أن تلتزم خطاباً سياسياً يساهم في تهدئة مشاعر معاداة أميركا، لكنها نفخت في المعاداة هذه. ولا شك في أن أميركا ارتكبت سلسلة أخطاء، ولكنها ليست المسؤولة الوحيدة عن الأزمة الأخيرة. فرئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، يُلام على أزمة بلاده. فهو رفض اقتراح واشنطن إبقاء قوات أميركية من أجل إرساء الاستقرار في العراق، وانتهج سياسة فئوية رمت بالسنّة في حضن «داعش». وساهمت حملة القمع في سورية في تنامي قوة هذا التنظيم الذي تواطأ النظام السوري معه. وعجز الأنظمة الاستبدادية العربية عن الإصلاح هو تربة غنية لنمو الحركات الجهادية. ولا أحد في إمكانه القول القاطع بأن بقاء صدام حسين في السلطة كان ليحول دون بروز «داعش». وربما كانت ستندلع حرب أهلية في العراق أكثر دموية من تلك الدائرة اليوم في سورية.

وجهت الديبلوماسية الفرنسية سهام النقد إلى أميركا بسبب عجزها عن إرساء دولة مستقرة في العراق، والنقد هذا في محله. ولكن هل سعى الفرنسيون والبريطانيون في ليبيا إلى الحؤول دون انزلاقها إلى الفوضى؟ لا أملك الجواب. ولست على يقين من أنهم فعلوا. ويبدو أن فرنسا تسير على خطى الاستراتيجية الأميركية، فأوجه الشبه كثيرة بين الهجوم الذي شنته على ليبيا (انتهى إلى إطاحة نظام القذافي) والنهج الأميركي في العراق. وكانت الديبلوماسية الفرنسية قبل أعوام لتصف كلام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، على الحرب على الارهاب بـ»البوشي» (نسبة إلى جورج بوش).

وعلى رغم أخطار مثل هذه الحرب، لا شك في أن قرار فرنسا المشاركة في التحالف الأميركي في العراق مصيب. وعلى المجتمع الدولي أن يتوسل القوة من أجل حمل «داعش» على التراجع. وفي وسع الأميركيين الاستغناء عسكرياً عن دور الآخرين، لكن «داعش» خطر على الفرنسيين وغيرهم. ويرجح أن تدوم الحرب على «داعش» نحو عشر سنين. فتقويض نفوذ «القاعدة» اقتضى عقداً من الزمن، وإذا لم يجر العالم العربي- وهو مركز «داعش» وبؤرته- عملية إصلاح ذاتية عميقة، لن يطول الأمر قبل أن يلبس الوحش الإرهابي لبوساً جديداً، وتبرز الحاجة إلى قتاله. والحركات الجهادية تغالي في التطرف مغالاة تحمل الشعوب على لفظها، وأعتقد بأن تحديث المجتمعات المدنية في الشرق الأوسط لا مفر منه.

السابق
«راية» التحالف بين… الهلالين التركي والإيراني
التالي
فتفت لـ«جنوبية»: إطلاق حملة الشاي مجدداً هو إسكاتي