قلق إسرائيل.. وجودي أم حدودي؟

اميل امين

هل يتوجب على إسرائيل أن تقلق من الممارسات السياسية الأوروبية تجاهها؟ الناظر لآخر استطلاع رأي أجراه معهد «بيو» في واشنطن يرى تدني التأييد الإسرائيلي للاتحاد الأوروبي إلى 41 في المائة في العام الماضي، فيما كان نحو 56 في المائة في العام الذي سبق.. لماذا؟ لأن الأوروبيين قد سئموا من السياسات الإسرائيلية، وقد بلغت العلاقة بين غالبية العواصم الأوروبية وتل أبيب مرحلة صعبة، فيما انطوت الخلافات على مرحلة متسعة من الذم والاتساع، وهذا ما عبر عنه في يونيو (حزيران) الماضي سفير الاتحاد الأوروبي لدى إسرائيل لارس فابورج أندرسين من خلال حديثه عما سماه «نفاد صبر» عدد متزايد من دول الاتحاد، جراء استمرار إسرائيل في أنشطتها الاستيطانية.
على أن المسألة الأوروبية باتت تتجاوز الشجب والتنديد والاستنكار إلى خطوات واقعية ملموسة، كان آخرها اتجاه السويد إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ ففي خطوة غير مسبوقة على صعيد دول الاتحاد الأوروبي، أعلنت الحكومة الجديدة في السويد بأنها ستعترف بدولة فلسطين، انطلاقا من أن «حل الدولتين يتطلب اعترافا متبادلا، ورغبة في التعايش السلمي، ولذلك ستعترف السويد بدولة فلسطين»، على حد منطوق ستيفان لوفين رئيس وزراء السويد الجديد خلال خطاب تنصيبه.
لم يكن القلق الإسرائيلي من السياسات السويدية هذه المرة هو الأول من نوعه، فمن قبل تدهورت العلاقات السويدية – الإسرائيلية على خلفية نشر صحيفة «أفتو بنلاديت» مقالا يدين الجيش الإسرائيلي بسرقة أعضاء قتلى فلسطينيين، وقد ردت حكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو بأن السويد تشرع في إقامة علاقات مع حماس، كان ذلك في عام 2006.
غير أن المشهد اليوم يبلغ ذروة القلق عند الإسرائيليين، بأكثر كثيرا جدا مما سبق، فالحديث اليوم ليس عن «قزم دبلوماسي»، وإنما عن دولة أوروبية جدية ومهمة وحتى لو كان الحديث بمثابة خطوة رمزية، إلا أنها بالتأكيد تشكل دلالة للآتي، فتحويل البعثة الفلسطينية في استوكهولم إلى سفارة، والدعم السويدي التلقائي لقبول فلسطين للمنظمات الدولية، سيدفع دولا أخرى في إطار الدول الاسكندنافية إلى اعتراف مماثل، وأقرب الدول المرشحة لتقليد السويد، هي دولة النرويج، الذي هدد وزير خارجيتها مارتين ليدغار أخيرا بفرض عقوبات على إسرائيل إذا لم تتوصل إلى اتفاق مع حركة حماس، وتزيل الحصار المفروض على قطاع غزة، وتوقف البناء في المستوطنات.
حديث العقوبات الأوروبية تجاه إسرائيل، لم يعد يتوقف عند حدود المقاطعات الأكاديمية، بل بدا وكأنه يتصاعد بشكل يزعج قادة إسرائيل.
خذ إليك على سبيل المثال ما صرحت به آنا وبستر رئيسة مجموعة التضامن الفلسطينية، من أن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي يجب ألا تمر دون عواقب، ويجب على حكومة السويد والاتحاد الأوروبي أن يفرضا شكلاً من أشكال العقوبات ضد إسرائيل مثلما يفعلون مع البلدان الأخرى، التي تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان.
يلفت النظر في اعتراف السويد بالدولة الفلسطينية عدة نقاط من بينها أن بعض الحكومات الأوروبية التقدمية لم تعد تخضع لحالة «الرهاب الأدبي» التي كانت تعيش في اثرها تجاه دولة إسرائيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبات أن هناك في أوروبا من ينفض عنه غبار «صغر الذات» تجاه تعاظم «البكائية اليهودية» المستمرة والمستقرة، وخير دليل على ذلك أن كل الأصوات المعترضة على القرار السويدي داخل إسرائيل لم تؤثر على قرارها.
الأمر الآخر هو أن الجاليات العربية والإسلامية في داخل الدول الأوروبية يمكن أن تكون بلغة الاقتصاد «قيمة مضافة» تصب في صالح دعم القضايا الحقوقية العربية، فمن بين 19.6 في المائة من المواطنين المهاجرين، أو أبناء المهاجرين في السويد، هناك نحو 6 في المائة عرب، يصوت غالبيتهم للحزب الاجتماعي الديمقراطي، وهي حقيقة تزعج إسرائيل لا على صعيد السويد فقط بل في غالبية الدول الأوروبية التي يوجد بها عرب ومسلمون.
ملمح آخر يفيد بأن بعض السياسات الأوروبية، لم تعد أسيرة الرغبات أو التوجهات الأميركية، ففي تعليقها على نية السويد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حذرت واشنطن من أن أي «اعتراف دولي بدولة فلسطين» يعد سابقا لأوانه، غير أن موقف وزيرة خارجية السويد مارغوت فالستروم، وعلى خلاف مواقف وزير الخارجية السابق في الحكومة المنتهية ولايتها كارل بيلدت جاء واضحاً وحاسماً عندما ذكرت أن «السياسية السويدية الخارجية لا يمكن أن تقرر من قبل واشنطن».
تبعات واستحقاقات القرار السويدي مثيرة بالفعل، وهامة جدا، إذ تحصل فلسطين بذلك على دعم مهم داخل مجموعة العشرين التي تشغل السويد مقعدا فيها كعضو في الاتحاد الأوروبي، وتعزز مسيرة تثبيت أركان الدولة المبتغاة، فاليوم ومن بين الدول العشرين الأهم في العالم يعترف ثمانية بفلسطين، وهم: الصين وروسيا والبرازيل والأرجنتين والهند والمملكة العربية السعودية وتركيا وإندونيسيا، وحتى اليوم اعترفت 134 دولة حول العالم بدولة فلسطين.
هل ستحدث المفاجأة الكبرى نهار الاثنين القادم ونرى اعترافاً بدولة فلسطين في مجلس العموم البريطاني؟
الاعتراف رمزي ولن يغير واقع الاحتلال على الأرض، لكنه يعطي منحى جديدا للمفاوضات من جهة، ويرسل رسالة رمزية قوية لإسرائيل والحركات المناهضة للفلسطينيين من جهة ثانية.
قلق إسرائيلي هذه المرة وجودي لا حدودي، فهل تسارع إلى منظومة العدالة الدولية دون تعطيل أو تسويف للمفاوضات التي تقود للدولة الفلسطينية أم أنه قدر مقدور في زمن منظور أن تعود إلى «الغيتو اليهودي» التاريخي من جديد؟

السابق
من أي رحم سياسي ولد «داعش»؟
التالي
بورتريه للدبلوماسي المخضّرم خليل مكاوي