«داعش» واتفاقات الغاز

في وقت تعيش منطقتنا نبش القبور بما فيها حمّى الأحقاد التاريخية على نحو ممنهج في اتجاه دمار المجتمع والإقتصاد وسبل الحياة، تجسّد إسرائيل هذه الأطروحة تهويدا لفلسطين المحتلة، وتطبيعاً لعلاقات هذا الكيان القائم على التمييز الديني مع جزء لا يستهان به من العرب، ولو بشكل غير مباشر.

وفي زمن “داعش” تكافأ إسرائيل على مذابح غزة بعقود النفط والغاز مع العرب وما يستتبعها من تطبيع مجاني. فحين ضربت المعارضة الإسلاميّة خط الغاز العربي الذي يزود الأردن وسوريا ولبنان بالغاز المصري، تمكنت إسرائيل من توقيع مذكرة تفاهم مع شركة الكهرباء الأردنية لبيعها الغاز لمدة 15 عاما – ويتوقع الإتفاق النهائي بهذا الخصوص قبل نهاية هذا العام (رويترز).
هذا من شأنه أن يوفر لإسرائيل سوقا ولو صغيرة نسبيا للغاز الذي تستخرجه، في وقت يحصل فيه نقاش داخلي عن كمية الغاز الذي تنوي إستخراجه وذلك للإبقاء على مخزون إستراتيجي لها من الغاز.
وسيوفر الفلسطينيون أيضا سوقا للغاز الذي ستستخرجه إسرائيل التي كما تحرم الفلسطينيين من الماء لتعود وتبيعهم إياه، تحرم الفلسطينيين من الغاز الطبيعي على شواطئ غزة وتبيعهم الغاز ولو كان بعض ما تستخرجه يأتي من موقع محاذٍ لشاطئ غزة وبالتالي من حقل يمكن أن يكون متصلاً بمخزون الغاز الذي يفترض أن يستفيد منه الفلسطينيون؛ وقد انسحبت شركة “بريتيش بتروليوم” من مشروع استثمار الغاز في شاطئ غزة الذي يحوي مبدئياً تريليون قدم مكعب من الغاز وهي كمية تكفي الفلسطينيين لبضع سنوات، بعد الشروط التعجيزية التي فرضتها إسرائيل بخصوص كيفية البيع والحصول على الأموال. وهكذا ستشتري شركة فلسطين لتوليد الطاقة غازاً من حقل ليفاياثان بقيمة 1,2 مليار دولار خلال 20 سنة (بلوومبرغ).
أما كميات الغاز التجارية الأساسية في شرق المتوسط والتي يقل الحديث عنها في وسائل الإعلام فهي في حوض دلتا النيل، الذي وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية يحتوي على مخزون يقدر بـ 223 تريليون قدم مكعب من الغاز (117منها في مياه المتوسط العميقة)، مقارنة بـ122 في حوض المشرق العربي من مياه المتوسط Levant Basin (أي مقابل لبنان-سوريا- فلسطين ما قبل 1948-قبرص). وبحسب رويترز، (شباط 2014)، فقد تمت موافقة الحكومة الالمانية، وتبقى موافقة الدول الأخرى المعنية، على صفقة بيع الجزء المتعلق بالنفط والغاز من شركة RWE الألمانية التي تملك عقود استثمار لعشر آبار غاز في دلتا النيل فضلا عن عقود الإستثمار في الغاز الليبي إلى الملياردير الاوكراني ميخائيل فريدمان، وهو عضو بارز في المؤتمر اليهودي الروسي. ومما يزيد المصالح تشابكا هنا أن روسيا ومن خلال شركتها “روسنفت” توصلت إلى إطار اتفاق مع Levant LNG Marketing Corporation يسوَّق بموجبه كل إنتاجها من الغاز المسيل من حقل تامار الإسرائيلي من طريقها لمدة 20 سنة (بحسب وكالة “انترفاكس” الروسية للأنباء في شباط 2013).
وبعد تزايد سيطرة الحوثيين في اليمن، وبالتالي تقدم موقع إيران في السيطرة على معابر الطاقة من جهة مضيق باب المندب إضافة إلى سيطرتها على مضيق هرمز، وبعد شروع مصر بتوسيع قناة السويس، وبعد لقاء أنغيلا ميركل بأمير قطر ذات ثاني إحتياط عالمي للغاز، والذي يأتي مباشرة بعد احتياط روسيا التي تعمل جاهدة للسيطرة على سوق الغاز في الشرق الأوسط، ليس فقط من جهة بيعه، بل شراء ما أمكن من الغاز الذي يمكن أن يجد طريقه إلى أسواق أوروبا عبر سواها (وهذا يحتاج إلى مقال كامل آخر)، تبقى أعيننا على الغاز كمحرك أساسي لصراعات المنطقة بما له من أهمية كوقود القرن الحادي والعشرين بسبب تدني تاثيره البيئي في إنتاج الطاقة – خاصة بعد أن دخلت مقررات مؤتمر كيوتو للحد من التلوث حيز التنفيذ في 2005.

http://newspaper.annahar.com/article/178395

السابق
لماذا تتزايد الهجمات على الجيش؟
التالي
«الإخوان» إلى الحوار مع «حزب الله» وإيران!