توجه دولي لإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا

لم تعد فكرة إقامة منطقة عازلة بين تركيا وسوريا وإعلان حظر الطيران فوقها وتأمينها، مجرد اقتراح تقدّم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستيعاب الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين الهاربين من جحيم الاقتتال في بلدهم، بعدما بات لجوؤهم الى تركيا مشكلة تهدد بعواقب اجتماعية وسياسية وأمنية. بل أصبحت الفكرة طرحاً قابلاً للبحث على الأقل في دوائر قرار حلفاء أنقرة في حلف شمال الأطلسي وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي يبدو أنها بتنفيذ هذه الخطة تضمن وجود منطقة تحرك تحت عنوان إنساني لاستخدامها في تحقيق أهداف أمنية وعسكرية.

واللافت أن ردود الفعل على فكرة أردوغان، التي طرحها على المسؤولين الأتراك والحلفاء الشهر الماضي، قد بدأت تتفاعل بعد أن أعلنت الرئاسة الفرنسية، اليوم، أن الرئيس فرنسوا هولاند يؤيد إقامة منطقة عازلة بين سوريا وتركيا. فقبل نفي البيت الأبيض ان تكون هذه الخطة محل تفكير الان، كانت أعلنت كل من واشنطن ولندن، مساء اليوم أيضاً، استعدادهما “لبحث” فكرة إقامة هذه المنطقة، حسبما نقلت وكالة “فرانس برس”.
وأعلن وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره البريطاني فيليب هاموند، في واشنطن، أن البلدين على استعداد “لبحث” فكرة إقامة منطقة عازلة على الحدود بين تركيا وسوريا.
وقال كيري للصحافيين إن “المنطقة العازلة فكرة مطروحة.. تستحق البحث فيها كما أنها جديرة بدراستها عن كثب”.
بدوره، قال هاموند “نحن في مرحلة استكشاف ذلك علينا أن نستشكف مع الحلفاء الآخرين والشركاء ما المقصود بالمنطقة العازلة وكيف سيعمل هذا المبدأ لكنني حتماً لا استبعدها”.
وفي الوقت نفسه، أفاد مصدر في البنتاغون لقناة “سكاي نيوزعربية”، بأن إنشاء منطقة عازلة بين تركيا وسوريا قد يصبح احتمالاً في مرحلة معينة لكنه ليس جزءاً من الخطة الحالية.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي، في مؤتمر صحافي، إن “هذه ليست مسألة جديدة”، مشيراً الى اهتمام تركيا السابق باقامة المنطقة العازلة. لكنه أوضح أن “الموضوع ليس على طاولة البحث الآن بوصفه خياراً عسكرياً قيد البحث”.
الا ان البيت الابيض نفى، في وقت لاحق اليوم، بحث اقامة منطقة عازلة على الحدود بين سوريا وتركيا. وقال المتحدث باسمه جوش ارنست للصحافيين، إن اقامة المنطقة العازلة “ليست امرا قيد التفكير حاليا”.
وكان قصر الاليزيه قد أكد، في بيان، أن هولاند أصرّ في اتصال هاتفي مع نظيره التركي، اليوم، على ضرورة تجنّب “المذابح” في شمال سوريا، وعبّر عن دعمه للفكرة التي قدّمها أردوغان بإقامة منطقة عازلة لاستضافة وحماية النازحين.
وكانت صحيفة “حرييت” التركية، قد أكدت، الشهر الماضي، صحة الأنباء عن استعداد الجيش التركي لفرض منطقة عازلة في شمال سوريا وإعلان حظر الطيران فوقها وتأمينها لاستقبال النازحين الفّارين من مجازر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”- “داعش”، الذي سيطر على 60 قرية كردية في شمال سوريا، مع استمرار حدة الاشتباكات للسيطرة على منطقة كوباني (عين العرب) ذات الغالبية الكردية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر، لم تذكر هويتها، أنّ “الرئيس رجب طيب أردوغان، أصدر خلال قمة أمنية، عقدت في العاصمة أنقرة، قراراً بالاستعداد لفرض منطقة عازلة في مواجهة “داعش”، قائلاً: “كونوا على أهبة الاستعداد لفرض منطقة عازلة”.
بدورها، شرعت رئاسة الهيئة العامة لأركان الجيش بالتوازي مع قرار أردوغان، في إعداد الخطط اللازمة لفرض هذه المنطقة وبحث كيفية إنشائها، ونوعية تسليح القوات اللازمة، بالإضافة إلى مساحة المنطقة، إذ إن تركيا تنتظر إصدار الأمم المتحدة قراراً بفرض تلك المنطقة، حتى تبدأ في اتخاذ الإجراءات، بحسب “حرييت”
بيد أن هذه الفكرة تثقف أمامها عوائق سياسية داخلية، إذ أن أكبر تيار مسلح معارض للحكومة في تركيا قد رفض هذه الفكرة، وفي حال أقدمت أنقرة على هذه الخطوة هدّد أحد زعماء “حزب العمال الكردستاني” في جبل قنديل، مراد كارايلان، تركيا بإنهاء المفاوضات، التي يجريها مع جهاز الاستخبارات، والهادفة الى احلال السلام بين الأكراد والاتراك واعطاء الأكراد حقوقهم السياسية والثقافية، بعد صراع دام لأكثر من أربعة عقود.

وربما تتخوف السلطات التركية من تزايد أعداد الأكراد السوريين الاجئين الى تركيا، خصوصاً أن معظم هؤلاء من المؤيدين الى “حزب العمال الكردستاني” بقيادة قائده المعتقل في جزيرة آمرلي التركية عبدالله أوجلان. وباتت السلطات تتخوف من قنبلة كردية في المجتمع التركي، خصوصاً بعدما بات الحزب الكردي الماركسي اللينيني، والذي تصفه أنقرة بالارهابي يحاول فرض سيطرته وإحكام قبضته على مناطق ومدن شرقية وجنوب شرقية في تركيا، حيث أنشأ مديريات أمن خاصة به، وجهاز قضائي موازٍ للدولة، بهدف محاكمة المواطنين الأكراد أمامه.

وفيما بدت واشنطن حذرة، خلال الأسابيع الماضية، مع فكرة أردوغان مراعاةً  لحلفائها الكرد في العراق، غير أن رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي لمّح، في وقت لاحق، إلى إمكان استجابة مطلب المنطقة العازلة.
أما الموقف السوري فقد كان معارضاً بشدة لهذا الطرح، إذ أكد وزير الخارجية وليد المعلم أن “هناك ترابطاً بين كلام تركيا والكيان الاسرائيلي عن إقامة منطقة عازلة”، مؤكداً أن “تركيا تدرب وتسلح وتدخل الإرهابيين إلى سوريا”.
وقال، في مقابلة تلفزيونية من نيويورك خلال اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، إن “تركيا تتحدث عن منطقة عازلة شمال سوريا و”إسرائيل” تتحدث عن منطقة عازلة جنوب سوريا، إذاً الحدثان مترابطان”، معتبراً أن “أي اعتداء على الأراضي السورية هو عدوان تحت أي ذريعة كانت”.
وطرح أردوغان طرح خطةً على أوباما، خلال اجتماعهما الأخير  في نيويورك الشهر الماضي، تقضي بإنشاء منطقة عازلة على الحدود بين تركيا وسوريا بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية مدعومةً بحظر للطيران فوقها لمنع سلاح الجوّ السوري من ضرب قوات المعارضة السورية المسلحة في شمال البلاد وشرقها. وقام “حزب الشعب الجمهوري” التركي المعارض بتسريب معلومات مفادها بأن أردوغان أصدر أمراً رئاسياً بتحديد نقاطط تمركز للقوات البرية التركية على الأرض تمهيداً لفرض المنطقة العازلة، قبل أن يعلن رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو إنه سيطلب من البرلمان التركي أوائل تشرين الأول الحالي تجديد الإذن للحكومة بإرسال قوات إلى العراق وسوريا.

السابق
أصغر «هاكر» في العالم بعمر الثالثة عشر فقط
التالي
الناتو: لم نناقش اقامة منطقة عازلة في سوريا